كان هذا هو عنوان كتاب صدر حديثا عن المكتبة الأزهرية للتراث للنشر والتوزيع للدكتور محمد السيد الجليند, أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة, وذلك ضمن سلسلة تصحيح المفاهيم, حيث يعد هذا الكتاب هو الكتاب العاشر في هذه السلسلة. أوضح المؤلف أن هويات الشعوب الثقافية وخصوصياتها المؤسسة علي مرجعيتها المقدسة تظل حاكمة وفاصلة تتباين بها الشعوب وتعتز بها الأمم, سواء كانت متقدمة صناعيا أو متخلفة, وتظل هذه الخصوصيات مصدر فخر واعتزاز وانتماء لكل شعوبها, فإن( العقيدة- اللغة- الجنس) هي العناصر المكونة لهوية الشعوب والأمم, والهوية هي الأساس الذي تبني عليه شبكة العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع, وهي المصدر الأساسي للعلاقة بين الحاكم والمحكوم في المجتمع, وهي مصدر القيم الأخلاقية التي تحكم سلوك الأفراد وتضبط حركتهم داخل مجتمعهم, وقد تتشابه النظم السياسية والقيم الأخلاقية بين الشعوب كما هو شأن القدر المشترك الإنساني, لكن المقاصد تكون متباينة, فهي إن تشابهت في الشكل والمظهر لكنها تختلف في المضمون والجوهر, فالمسلم يقوم بحقوق والديه وبحقوق جاره وبحقوق الفقير في ماله, ويعمل علي نظافة بيئته; لأن العقيدة التي يؤمن بها تأمره بذلك, فهو يقوم بها تقربا إلي الله وتعبدا له, وطمعا في ثوابه في الآخرة, أما غير المسلم فهو قد لا يفعل ذلك أبدا وإن فعله فقد يفعله إما تنفيذا لقانون أو طمعا للمدح من الناس أو طلبا للشهرة في المجتمع لكنه لا يفعل ذلك تقربا إلي الله ولا طمعا في ثوابه في الآخرة; ومن هنا تختلف المنطلقات والمصادر كما تختلف البواعث والغايات. ويهدف المؤلف من هذه الدراسة إلي إزالة اللبس وتصحيح المفاهيم الحقيقية لبعض المصطلحات التي يروج لها المعادون لكل ما هو ديني, حيث يروجون لهذه المصطلحات ويدعون إليها وينادون بتطبيقها في مصر, وعمد المؤلف إلي بيان موقف هؤلاء الرافض لكل ما هو ديني, وأن العمل والتشنيع علي تزييف وعي الأمة وتغييبه عن الإحساس بهويتها الحضارية والثقافية- هدف منشود لهؤلاء منذ مطلع القرن العشرين, وما زال الصراع قائما إلي الآن. والغريب أن يستنكر البعض علي مصر هويتها الإسلامية, بل يحارب من ينادي بذلك, ويروج البعض للنيل من الدولة الإسلامية, خالطين بينها وبين دولة العصور الوسطي عندما تسلط رجال الكنيسة علي مقاليد الأمور, بل هؤلاء يشنون حربا ضروسا علي كل من نادي بالهوية الإسلامية, علما بأن واقع الدول الأوروبية أنها لم ترفض أبدا آثار عقيدتها في قوانينها ودساتيرها, ونذكر منها الدنمارك وبريطانيا واليرنان والسويد فقد نص علي ديانتها المسيحية بل حددت المذهب الذي تتبعه فما الغريب أن ينص الدستور المصري علي ان دين الدولة الرسمي هو الإسلام ومبادئ الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع. وأشار المؤلف إلي موقف الشعب المصري المتدين بطبعه وفطرته قائلا: بمجرد أن سمحت الظروف بالتعبير عن الرصيد المخزون من التدين انطلق الشعب يعبر عن نفسه وعن اعتزازه بدينه وإيمانه بعقيدته وأمله في مستقبله, وكان ذلك واضحا في اختيار الشعب لأعضاء مجلسي الشعب والشوري من التيارات الإسلامية, سواء كانوا من الإخوان أو السلفيين أو غيرهما, وهذا لم يكن غريبا علي الشعب المصري المتدين بفطرته, فالمسلم والنصراني في مصر لا مدخل لإصلاحهما إلا من باب الدين والتدين,وأشار الدكتور الجليند إلي تأسيس الهوية الإسلامية للدولة بمدينة رسول الله صلي الله عليه وسلم, حيث استغرق بناء الشخصية المسلمة في مكة ثلاثة عشر عاما, واطمأن الرسول الكريم إلي أن العقيدة التوحيدية قد ملأت قلوب الصحابة, وتمكنت من قيادة الحركة اليومية للصحابة, فلا يتحركون إلا تلبية لأمر عقائدي, ولا يغضبون إلا إذا انتهكت محارم هذه العقيدة, وأصبح كل واحد منهم مؤهلا وصالحا لأن يكون لبنة في بناء الأمة وعضوا فاعلا في تشييد مجتمع جديد يحمل عبء التأسيس لدولة جديدة تطالع العالم كله بمبادئ وقوانين لم يكن للعالم عهد بها من قبل.وأوضح المؤلف أن الضجيج الإعلامي الذي تقوم به هذه القلة المعادية والرافضة لكل ما هو إسلامي- حلقة في سلسلة طويلة يقصد منها تزييف الوعي بالهوية الإسلامية وخصائها الحضارية أو تغييبه بالكلية, ثم أوضح المؤلف خصائص الهوية الإسلامية وقسمها إلي ثلاثة أقسام هي: الهوية العقائدية, والهوية الأخلاقية وارتباطها بالعقيدة, والهوية الفلسفية في نظرتها لإنسان والوجود والوظائف الكونية لك منهما.