عندما دخلت مكتب وزيرة المرأة والأسرة والطفولة بالحكومة التونسية «نزيهة العبيدي» لفتت انتباهي الي مصحف كريم تضعه أمامها علي المكتب .وقالت إنها تعيد هذه الأيام قراءة آياته مرة تلو مرة . وأثناء حوارها مع «الأهرام» الذي جري في قلب عاصفة ردود الفعل علي مبادرة الرئيس التونسي السبسي بفتح النقاش حول المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة وطلبه من الحكومة السماح بتسجيل زواج التونسية المسلمة من غير المسلم اختارت أن تتلو علي نحو خاص آية «فاستجاب لهم ربهم اني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثي بعضكم من بعض» (آل عمران 195). ولقد تطلب إجراء هذه المقابلة الانتظار لنحو اسبوع كامل لتحديد الموعد. لكنه الحوار الأول الذي تخص به وزيرة المرأة بتونس الصحافة أو الإعلام محليا كان أو عربيا أو أجنبيا بعد المبادرة الرئاسية. وحتي اجراء الحوار لم يكن بيان أو تعليق رسمي قد صدر من الحكومة التونسية علي المبادرة الرئاسية . إقرار البرلمان قانون القضاء علي العنف ضد المرأة في 26 يوليو الماضي وبعدها في 13 اغسطس الحالى مبادرة الرئيس السبسي من أجل المساواة في الميراث .. ألا تبدو تونس وكأنها تسير مندفعة وبخطوات متسارعة متعجلة ؟ بالعكس ..نحن نتحرك بعد الكثير من التفكير والإعداد العلمي وحسب حاجة المجتمع وطموحاته واستجابة للواقع ولإرادة الشعب. فقانون القضاء علي العنف انطلق الإعداد له منذ عام 2006 وانتهي الي المصادقة عليه بالاجماع في البرلمان وبموافقة جميع الأطياف السياسية عام 2017وهو قانون شامل يتضمن الوقاية والحماية والردع والتعهد (الرعاية). وهو بما تضمنه من مكتسبات للمرأة والطفل والأسرة الأول علي مستوي العالم العربي والتاسع عشر علي مستوي العالم . أما قضية المساواة في الميراث فهي مطروحة منذ اصدار مفكرنا الطاهر حداد كتابه «امرأتنا في الشريعة والمجتمع» عام 1930. ومع الزعيم بورقيبة أعيد طرح المسألة. وفي عام 1991 قمنا في تونس بتنقية الكتب المدرسية من الصورة النمطية بأن الرجل يعمل والمرأة للبيت. ولدينا دراسة من وزارة المرأة تفيد بأن المرأة بتونس تعمل في المتوسط ثمانى مرات مقدار الرجل وهي تنفق بدورها علي الأسرة أيضا .وفي عام 1993 تم تنقيح مجلة (قانون) الأحوال الشخصية لتتبني «الاحترام المتبادل» داخل الأسرة بدلا من «الطاعة» وتقضي بأن تنفق المرأة علي أسرتها لو كان لها مال. أي أننا أخذنا بالمساواة في الانفاق وفي عام 2010 تم ادخال تعديل جديد علي القانون يعطي الحق لأبناء التونسية في الجنسية إذا كانت متزوجة من غير التونسي. وجاء الدستور الجديد (عام 2014) لينص علي أن الدولة ضامنة لحماية الحريات الفردية والمساواة . ومطلع هذا العام اطلقنا في الوزارة هنا برنامجا بعنوان «مساواة» ومفهومنا لها انها شاملة ولا تتجزأ. في 8 أغسطس الحالى احدثنا «مجلس النظراء للمساواة بين المرأة والرجل». وهكذا نحن لانتسرع .بل ننطلق من واقع المجتمع التونسي .وعلي سبيل المثال فإن نسبة الحاصلات علي شهادات عليا في التعليم تجاوزت الستين في المائة. ولكن هل تفاجأت كوزيرة مرأة بمبادرة الرئيس السبسي في خطاب 13 أغسطس ؟ هذه المسألة مطروحة منذ وضع مجلة (قانون) الأحوال الشخصية عام 1956.والزعيم بورقيبة كان يفكر في المساواة بالميراث .لكن ككل الأمور انتظرت كل هذه السنوات كي تأخذ مجراها وسياقها .ونحن كحكومة وحدة وطنية نبارك المباردة الرئاسية ومايصحبها من نقاش وجدل واختلاف الآراء .هي مطروحة للحوار المجتمعي بين التونسيين وتعمل عليها لجان وفي نهاية المطاف فإن البرلمان هو من سيقرر . وهل يصل الأمر كما طرح البعض الي الاستفتاء الشعبي عليها ؟ لا أتصور أن نصل الي هذا . هناك الآن نقاش وأخذ ورد.وكل طرف يحاول اقناع الآخر بشأن هذه المساواة . وهذا لأن المجتمع التونسي غير المجتمعات الأخري وعقلية التونسي مختلفة . لكن مرة أخري هل كانت المبادرة الرئاسية مفاجأة هنا في وزارة المرأة؟ رئيس الجمهورية هو رأس السلطة التنفيذية .وكان قد وعد في حملته الانتخابية بعديد الأشياء .وله الحق والصلاحيات في أن يطرح هذه المسائل علي المجتمع المدني وعامة الشعب للنقاش . أؤكد إذا حدث اتفاق سيجري وضع مشروع قانون .وفي النهاية فإن البرلمان هو صاحب القول الفصل . شخصيا قرأت البرامج وتابعت الحملات الانتخابية في2011و2014.. بالطبع كانت هناك دعوات عامة للمساواة بين الرجل والمرأة لكني لم ألحظ أن المساواة في الميراث طرحها صراحة أي أحد كان ؟ ليست هناك مساواة جزئية وأخري تامة . المساواة هي المساواة واسعة وشاملة.ونحن متساوون في حقوق الإنسان وانسانيتنا. وهي كل لا يتجزأ. وهل المساواة في الميراث مطلب شعبي بتونس.. أم أنكم تسبقون المجتمع خصوصا أن هناك عائلات بالجنوب والشمال الغربي تمتنع بالأصل عن اعطاء المرأة حقها في الميراث وبخاصة في العقارات ؟ في تونس واقع المرأة يتغير.. لكننا أيضا نستشرف المستقبل ..ونعرف أن القوانين هي الرافعة للتقدم . ألا يزعجكم ردود الفعل المعارضة من رجال الدين سواء في بيان جامعة الزيتونة هنا أو القادمة من خارج تونس.. وهي في مجملها تشير الي احكام تقول بأنها من ثوابت الدين والي نصوص بالقرآن تقول بأنها قطعية الدلالة ؟ لسنا منزعجين. فأولا المسألة تونسية صرفة.وعندما اتخذ الحبيب بورقيبة عام 1956 خطوة مجلة (قانون الأحول الشخصية التي تجرم تعدد الزوجات وتمنح المرأة حق الطلاق كالرجل أمام المحاكم وتسمح بالتبني) كنا في تونس بمفردنا في هذه المنطقة . واستطعنا أن نمضي في هذا الطريق بفضل وحدة الشعب التونسي .فمهما اختلفنا نلتقي. واليوم نحن نعيش نفس الموقف ولا شىء يخيفنا .فمهما اختلفنا كتونسيين سنلتقي علي المصلحة العامة وثانيا وبكل صراحة نحن لا ننزعج من فتح باب الاجتهاد في مسائل حقوق الإنسان .نعلم أن باب الاجتهاد في الإسلام تم اغلاقه منذ القرن الرابع الهجري .لكننا نعلم أيضا أن تونس بمذهبها المالكي لديها حركية فكرية وعلماء زيتونيون كالطاهر والفاضل بن عاشور أضافوا قوة للإسلام والفكر المستنير.وهذه الحركية تفتح الباب للمزيد من الحوار والجدل واعادة القراءة من دون تحجر.وحقيقة لانري في نقد المبادرة الرئاسية صراعا بل إثراء للساحة الفكرية في العالم العربي والإسلامي. ومانريده هو الحوار والنقاش بكل حرية وديموقراطية واحترام حق الاجتهاد وخصوصية كل مجتمع .نحن لانتدخل في الأمور الخاصة ببلدان أخري وليس لنا الحق . ونتمني ألا يتدخل غيرنا في شئوننا الخاصة .فتونس مجتمع وثقافة ولها خصوصيتها .وفي النهاية ماطرحته المبادرة الرئاسية يتعلق بخيارات وطنية .وللشعب التونسي مؤسساته ودستوره . *هل تعتقدين أن حزب حركة النهضة سيمضي هو أيضا في طريق المساواة في الميراث؟ لا أريد أن أحكم استنادا الي المعتقدات. ما يهم هو الأشياء والأمور الملموسة . ونحن الآن بصدد النقاش .ولم يتم حسم الأمر بعد .كل الأحزاب تناقش الآن. الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي قال إن هذه المساواة في الميراث ليست أولوية بتونس .. ما رأيكم ؟ أحترم رأيه كما أحترم كل الآراء الصادرة من المجتمع التونسي فكلها محترمة بنفس المسافة والقدر . ونحن في حالة نقاش . هناك قول متداول بأن تونس الأولي عربيا في نسب الطلاق والعنوسة جراء آثار قانون الأحوال الشخصية .. ماتعليقكم؟ هذا أمر أستطيع نفيه . لأن هناك نقصا في المعطيات والاحصاءات هنا وهناك كي نصل الي مثل هذه الأحكام وحتي هنا في تونس نحن نسجل حالات الطلاق لكن لانعرف حالات العودة بعد الطلاق كي نعطي احصاء دقيقا.أما إذا طرحنا عنوسة المرأة فيجب ان نطرح أمامها وبالقدر نفسه مسألة عزوبة الرجل. وهذان الأمران متساويان ويتعلقان بوطأة العادات والتقاليد وتكاليف الزواج الباهظة وبالتوجه الي مواصلة التعليم كأولوية . هل وضعت الحكومة طلب الرئيس السبسي خلال خطاب 13 اغسطس إلغاء منشور 73 (مرسوم) الذي يحظر تسجيل الدولة لزواج التونسية من غير المسلم موضع التطبيق؟ لم يتم الإلغاء بعد . ولابد للأمور أن تأخذ وقتها . ولا استطيع ان اعطي توقيتا لأن الأمر يتعلق بوزير العدل . وأحب أن اوضح أن هذا المنشور منذ ما يقرب من خمسين عاما .ومع تغير المجتمع لابد من تغيير بعض الأمور التي تهدف إلى أن تجعل المجتمع أكثر توازنا . والتقديرات تشير الي هناك نحو الفي تونسية تتزوج من الأجانب مسلمين وغير مسلمين كمتوسط في العام الواحد .وهناك نفاق في أن يذهب الرجل غير المسلم للجامع ويشهر إسلامه كي يتزوج بمسلمة وهو داخليا غير مقتنع . وسبحانه وتعالي نهي عن النفاق والمنافقين هناك من يقول بأن ضغوطا أوروبية دولية تدفع تونس الي مثل هذه الخطوات فيما يتعلق بالمرأة .. تونس مستقلة وصاحبة قرار وسيادة. ولا تقبل املاءات خارجية مهما كلفها الثمن .لنا دستورنا وقوانينا وبرامجنا ورؤيتنا وعاداتنا وتقاليدنا. ولا نطأطئ الرأس لأحد.وتونس بدأت مسيرة حقوق الإنسان والمرأة مبكرا .فهي أول بلد عربي إسلامي قام بالغاء الرق عام 1846 و ايضا الأولي عربيا واسلاميا في سن دستور من عهد قرطاج في القرن السادس قبل الميلاد الي عهد دستور الأمان 1861 .وإذا كان لنا هذا القدر من التراث فهذا يجعلنا لانقبل أي إملاء.فقراراتنا وطنية صرفة .