ستون عاما تمر علي ذكري قيام ثورة 23 يوليو 1952 التي وضع بذرتها الأولي التنظيم السري لضباط الجيش (الضباط الاحرار فيما بعد) الذي أسسه وثبت دعائمه البكباشي جمال عبدالناصر وفجر شرارتها الأولي وأنقذها من الفشل القائم مقام يوسف صديق. وصدر بيانها الأول باسم اللواء محمد نجيب فبمجرد ظهور أسمه كقائد للثورة نالت التأييد الكامل من العسكريين والمدنيين علي حد سواء, فتحولت, بين يوم وليلة من مجرد انقلاب عسكري إلي ثورة شعبية, هذه الثورة التي أسهمت في تغيير وجه الدنيا من حولنا وتجديد شباب الأمة العربية, كما غيرت من الداخل شكل الهرم الاجتماعي فاعطت الفئات المحرومة حق التعبير عن نفسها, وسجلت صفحات مجد خالدة في طرد الاستعمار وتأميم قناة السويس وبناء السد العالي وتوزيع الملكية الزراعية ومجانية التعليم والقضاء علي سيطرة رأس المال وبناء جيش مصري قومي.. إلخ. وفي مثل هذه المناسبة يتجمع المهتمون بالتاريخ حول المؤرخ العسكري المعروف لواء أركان حرب جمال حماد (أتم الله عليه نعمة الشفاء العاجل) و(هو من الضباط الأحرار وصاحب المؤلفات العسكرية العديدة ذات القيمة والفائدة والمرجعية). وقد كتب بيان الثورة الأولي الذي أذيع صباح 23 يوليو, كما أنه شارك وخطط, حيث كان يشغل منصب أركان حرب سلاح المشاه برئاسة اللواء محمد نجيب قائد السلاح يشرح لنا الأحداث بدقة لأنه كان أحد صناعها ليلة الثورة. وخلال المناقشات نقلت إليه تساؤل العديد من القراء وبصفة خاصة أصدقاء بريد الاهرام وهو: (هل كان تنظيم الضباط الاحرار يضم ضابطا مسيحيا شارك في أحداث ليلة الثورة؟) فكان رده بالايجاب ثم قام إلي مكتبته وأخذ منها كتابا بعنوان أسرار ثورة 23 يوليو) أهداني اياه.. قائلا: اقرأ دور الكتيبة 13 مشاة ليلة الثورة صفحتي 402, 403, حيث تم انضمام الملازم أول واصف لطفي حنين بناء علي عرض من قائد السرية الرابعة بالكتيبة النقيب عمر محمود علي. ويسجل اللواء جمال حماد في الكتاب بالحرف الواحد (نظرا لما كان يتصف به واصف لطفي حنين من رجولة ووطنية فقد انضم فورا إلي زملائه الأحرار ليلة الثورة في شجاعة نادرة وبدون أدني تردد, ونفذ الواجب الذي أوكل اليه شخصيا في تلك الليلة وهو الاستيلاء بفصيلته علي بوابة معسكر العباسية التي كانت تواجه كلية الشرطة وقتئذ) ثم اخذ بعد ذلك يعدد البطولات التي سجلها ابطال القوات المسلحة بجناحيها (مسلمين وأقباط) في جميع الحروب التي خاضتها مصر ضد أعدائها. واذا كانت ثورة 23 يوليو لم توفق في تحقيق المبدأ السادس من مباديء الثورة وهو إقامة حياة ديمقراطية سليمة مع عدالة اجتماعية في ظل اقرار مبدأ المواطنة لجميع المصريين فنتمني لثورة 25 يناير الفتية النجاح في ذلك مع القضاء التام علي كل مظاهر الفساد الذي استشري في كل مؤسسات الدولة والسابق الكتابه عنه. يجب أن نوضح أنه منذ دخول العرب مصر وانصهارهم في بوتقة واحدة انتج ذلك نسيجا واحدا وشعبا واحدا وقف سدا منيعا أمام الطامعين والغزاة, كما أن التعددية عقيدة راسخة في الاسلام وهي تنادي بالتعايش مع الآخرين, وان المحبة التي هي جوهر العقيدة المسيحية أثمرت علي أرض مصر (وحدة وطنية أصيلة) عمادها أن الاختلاف في الدين لايغير من وحدة العنصر والدم والوجدان المشترك فقد اسلم من اسلم وبقي علي مسيحيته من بقي وواصلت مصر بأبنائها مسيرة كفاحها عبر التاريخ.. وقد حفلت المكتبات والوثائق ببطولات نادرة اختلط فيها دم المقاتل المسلم مع دم المقاتل المسيحي علي رمال سيناء المباركة وفي هذا الصدد يقول الامام الاكبر جاد الحق علي جاد الحق شيخ الازهر الاسبق: (لنتذكر نحن المصريين كيف كان جيش مصر صفا واحدا كالبنيان المرصوص يدفعون عدوهم عن أرضهم ويثأرون لكرامتهم دون حزبية أو طائفية). د. رفعت يونان - عضو الجمعية التاريخية واتحاد المؤرخين العرب