عاش مهموما بالفقراء والمهمشين, ومات وهو يحمل في قلبه هموم البشر.. هكذا يمكن تلخيص حياة الكاتب والروائي محمد البساطي الذي رحل عن عالمنا أول أمس, فقد انشغل طيلة حياته الإبداعية التي امتدت لعقود بالكتابة عن الفقراء, حتي أن أبرز أعماله كانت عنوانا لما يعانونه, فكتب جوع التي عالج من خلالها مشكلة طعام الفقراء وتلاها بغرف للإيجار التي تناول فيها مشكلة سكن الفقراء, وكأنه أبي قبل أن يرحل إلا أن يستكمل بناء منظومته الإبداعية ذات الانحياز الاجتماعي الواضح للبسطاء, تاركا للقارئ تراثا يؤرخ لمشكلات شعب في حقبة من أشد حقب الوطن خطورة وأهمية. محمد البساطيهو محمد إبراهيم الدسوقي البساطي, أديب مصري معاصر ينتمي إلي جيل الستينيات. ولد عام1937 في بلدةالجماليةالمطلة علي بحيرة المنزلة بمحافظة الدقهلية, وحصل علي بكالوريوس التجارة عام1960, عمل مديرا عاما بالجهاز المركزي للمحاسبات, ورئيسا لتحرير سلسلة أصوات الأدبية التي تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة, ترك تراثا ضخما يتنوع بين الرواية والقصة القصيرة, بدأ رواياته ب( التاجر والنقاش) عام1967 ثم تلتها( المقهي الزجاجي) عام1978,( الأيام الصعبة) عام1978,( بيوت وراء الاشجار) عام1993,( صخب البحيرة) التي فازت بجائزة احسن رواية لعام1994,( ويأتي القطار), و(ليال أخري) وغيرها, كما صدرت له كذلك عدة مجموعات قصصية ومنها:( حديث من الطابق الثالث) عام1970,( أحلام رجال قصار العمر) عام1979,( هذا ما كان) عام1987,( منحني النهر) عام1990,( ضوء ضعيف لا يكشف شيئا) عام1993,( ساعة مغرب) عام1996 وغيرها. ويمكن القول إن البساطي برع في استخدام واقع الحياة وتوظيفه داخل أعماله الإبداعية, ليعيش القارئ في عالم هو جزء من واقعه, فما بين الريف والسجن ومعاناة الفقراء والكادحين في المدن يصطحب الروائي الراحل محبيه في رحلات مشوقة, ففي رواية الخالدية يعيش معه في قرية الخالدية الخياليةس شطري القرية اللذين يفصل بينهما النهر, شطر الفقراء الكادحين المعذبين, وشطر الأغنياء المنعمين, يبدع الكاتب في وصف واقع مجتمع أبي إلا أن ينقسم علي نفسه. وفي رواية أسوار يدخل القارئ معه السجن, ليري معاناة طبقة أخري من المجتمع, تلك التي تعيش خلف أسوار السجون, من خلال مؤامرات إدارة السجن ضد أحد المساجين, ونري كيف يسقط البساطي ما يجري في السجن علي المجتمع كله, حتي يتساقط المتآمرون في النهاية, مما يعكس تفاؤله بأنه سوف يأتي يوم يسقط فيه المتآمرون علي الوطن, والجدير بالذكر أنه تناول السجون أيضا في مجموعته القصصية محابيس. أما في جوعس ذ- لأهم مشكلاتهم لقمة العيش من خلال مشكلة أسرة ريفية فقيرة, يتعايش في كل فصل من فصول الرواية الثلاثة مع أحد أفراد الأسرة, مع الأب الفقير الذي لا يمتلك إلا جلبابا واحدا تغطيه الرقع, وشغله الشاغل هو البحث عن عمل وس س, ومع الزوجة التي تعيش لتفكر في اقتراض عدة أرغفة من جيرانها أو توفير بضع حبات من البصل أو قطعة جبن لإطعام الأسرة, ومع الابن الصامت من ألم الجوع والوحدة. أما في غرف للإيجار فلا يخرج البساطي عن دائرته المحببة التي عاش لها, لكن في هذه المرة يتطرق لمرارة الفقراء من خلال السكن وربما يجد القارئ نفسه مشدوها من قسوة المشاهد التي يعرضها البساطي في هذه الرواية, رغم أنه يدرك من الصفحة الأولي أن الكاتب إنما يتحدث عن مشكلة واقعية يعانيها جزء لا يمكن تجاهله من المجتمع المصري. ولم يكن البساطي مهتما بحصد الجوائز, لكنه حصل علي جائزة نادي القصة في بداياته, وحصل علي جائزة العويس الأدبية مناصفة مع الروائي زكريا تامر في عام2001, وهي الجائزة التي وصفها بأنها أكثر الجوائز العربية نزاهة, التي لا ينالها إلا القامات الكبيرة, ووصل إلي القائمة القصيرة للبوكر في عام2009 عن روايته جوع. أصيب الروائي الراحل في أواخر حياته بمرض سرطان الكبد الذي عاني منه لفترة, قبل أن يرحل عن دنيانا يوم السبت الماضي عن عمر يناهز75 عاما.