أنا شاب تعديت سن الثلاثين, تعرفت على فتاة منذ ثمانى سنوات وربطتنى بها قصة حب رائعة, ووجدت سعادتى بالقرب منها, وكلما نظرت اليها ازددت سعادة وطمأنينة, وتقدمت الى والدها طالبا يدها فلم يتردد بل اننى وجدت منه حماسا ورغبة فى الاسراع باتمام الزفاف, وبالفعل حددنا موعد عقد القران.. ولكن لم تمر أيام حتى تغيرت أحواله فجأة, وكلما اقترب موعد القران اشعر بأن حالته تزداد سوءا ثم إذا به يفتعل المشاكل معى ويثور لأتفه الأسباب، وفى كل مرة كان الأهل والأقارب يتدخلون بيننا فتهدأ ثورته أياما معدودة ثم يعود إلى حالة التوتر والانفعال من جديد، وظللت فى هذه الدوامة سبع سنوات تحملت خلالها مماطلاته وأذاه حتى لا تضيع منى فتاتي، ومنذ عام وتحت ضغط والحاح الأهل عقدنا القران وتم الزفاف, وانا لا أصدق أننى أصبحت مع زوجتى تحت سقف واحد بعد كل ما قاسيته من عذاب، ومرت ثلاثة شهور هى أجمل فترة فى حياتي, فلقد عشت خلالها حياة هادئة, يظللها الحب وتغمرها مشاعر الدفء والحنان, وفجأة ظهر حماى مكشرا عن أنيابه معلنا الحرب ضدي, فأصبح يزورنا كل يوم ويسأل زوجتى عن كل صغيرة وكبيرة, وأصبح ما يحدث فى بيتى حديث الأقارب, وانتهك خصوصيتنا، فصرنا كتابا مفتوحا للآخرين حتى فى أدق تفاصيل حياتنا. وجاءنى ذات يوم، وقال لى إن عليه ديونا كثيرة وأنه مهدد بالسجن وطلب منى أن اسددها عنه، وبالطبع امتثلت لطلبه خوفا من بطشه, وأملا فى أن أجد معاملة طيبة منه, وتتبدل أحواله معي، وهنا هدأت ثوراته وعرفنا من جديد طعم الاستقرار، وذات صباح أحست زوجتى ببعض التعب فاصطحبتها إلى الطبيب الذى وقع الكشف عليها، وحمل الينا البشرى «مبروك زوجتك حامل»، فطرت من الفرحة، واتصلت بأسرتها لكى أزف اليهم الخبر السعيد، وبدلا من أن يسعد حماى بحفيده المنتظر إذ به يعود الى ثورته المعتادة، وحاول أن يفتعل أى خلاف مستخدما الصوت العالى الذى تتوه معه الحقائق, وأثار بلبلة فى المنطقة وانتهز وجودى فى العمل وأخذ زوجتى معه ورفض بإصرار إعادتها وقال لى إنه سوف يطلقها رغما عني.. كل ذلك بلا مبرر وكثيرا ما سألت نفسي: لماذا يفعل معى ذلك؟ لكنى لم أجد إجابة.. ومرت بى أيام عصيبة بكيت فيها دما لا دموعا على حظى العاثر, وبيتى المهدد بالضياع دون ذنب ولا جريرة. وطرقت أبواب الأقارب وطلبت منهم التدخل لإصلاح ما أفسده حماى, ولكن لم يلن له جانب واستمر فى غطرسته وأخبرهم بأنها سوف تظل طوال فترة الحمل لديه، ونفذ تهديده، وحان موعد الولادة وكنت وقتها فى مهمة عمل, فاتصلت بوالدى وأخبرته بأن زوجتى فى المستشفى فأسرع اليها وهو يمنى نفسه بالعودة وهى معه حاملة حفيده, لكن حماى قابله مقابلة جافة ورفض أى محاولة للصلح!, وعندما عدت من مهمتى، هرولت إلى زوجتى لكى أرى ابنى، فطردنى حماى شر طردة، فازددت اصرارا على أن أتحمل سخافاته، واستعنت بمعارفنا من أناس فضلاء ونجحت بعون الله فى أن ألم شمل أسرتى، وتحدثت طويلا مع زوجتى, وقالت لى ان كل ما يحدث ضد رغبتها، لكن لا تدرى ماذا تفعل لكى تثنى ابيها عن موقفه الغريب، ووعدتنى بأنها لن تترك المنزل مهما فعل! وفوجئنا بحيلة جديدة من حيل حماى حيث نقل اقامته الى منزلنا فأصبح يقضى اليوم كله معنا، ويتدخل فى كل كبيرة وصغيرة لدرجة اننى كرهت المنزل من سوء تصرفاته وأفعاله.. والمدهش أنه أقسم يمينا بالطلاق ألا أدخل منزلي!.. فذهبت الى بيت أبى ومرت أيام سوداء لم أذق خلالها طعم النوم، وبعدها جاءنى أخوها وطلب منى أن أطلقها، فقلت اذا كانت هذه هى رغبتها فسوف ألبيها لها، فتركنى قاصدا اخته وسألها عن رأيها فأكدت له أنها متمسكة بي, وانها ترغب فى أن تعيش معى فى أى مكان بعيدا عن هذه المشاحنات التى لا يد لكلينا فيها. ووجد حماى الخناق يضيق عليه أمام الأهل والجيران, فحاول ايهام الجميع بأنه سيصلح ابنته, وأنها ستعود إلى بيتها، وفجأة ظهر صاحب العقار الذى نسكن فيه فى الصورة, وقال انه سيتدخل لحل هذا النزاع, وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه, فهو رجل دين ويسعى إلى عمل الخير, فوثقت فى كلامه, وذهب إلى حماى، ثم عاد بعد قليل قائلا لىّ انه لا سبيل امامنا سوى الطلاق وان علىّ أن أسمح لزوجتى بالمعيشة فى الشقة الى حين انهاء الاجراءات!! وجاءت زوجتى بالفعل ومرت أيام معدودة وبعدها وجدت الشقة على البلاط، وقد أغلقها صاحب البيت الذى لعب لعبة حقيرة مع حماي, فانهرت أمام الناس فى الشارع ونقلونى الى منزل ابى فلزمت الفراش واعطانى الطبيب بعض المهدئات طالبا منى التماسك وإلا فسوف افقد نفسى قبل اى شيء آخر.. فماذا أفعل؟ ولماذا يدمر بعض الأباء بيوت بناتهم؟ ثم ما رأيك فى أب يعمل على انهيار أسرة ابنته بدلا من لم شملها؟ ولكاتب هذه الرسالة أقول : من يسلكون مسلك حماك ليسوا آباء, وإنما هم طغاة يتصورون أن من حقهم أن يفعلوا ما يحلو لهم, حتى لو كان فى أفعالهم تخريب بيوت بناتهم أو أولادهم! فلقد وجد حماك فيك صيدا سهلا منذ البداية مستغلا حبك لفتاتك فراح يمارس ضغوطه عليك بلا رحمة، وكلما امتثلت لمطلب له بحث لك عن مطلب آخر غير مبال بما تخبئه له الأقدار حين يقع ذليلا ولا يجد منقذا ولا معينا, فالحق تبارك وتعالى يستجيب لدعوة المظلوم وفى ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى وصيته لمعاذ: «إتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب». والظلم يجلب النقم, ويسلب النعم, ومن طال عدوانه زال سلطانه, ومن طال تعديه كثر أعاديه, وإذا كان حماك قد سلب منك زوجتك فإن الله سوف يسلب منه أغلى وأعز ما يملك بما اقترف فى حقك وانت الشاب المسالم, فمن سلب نعمة غيره سلب الله نعمته، وأما صاحب المنزل الذى ساعد حماك الطاغية فى مخططه للإطاحة بأسرتك فسوف يكون عقابه هو الآخر من جنس عمله ولعل أنسب وصف لموقفه المخزى والمعيب هو قول الشاعر: إذا لم تخش عاقبة الليالي ولم تستح فاصنع ما تشاء فلا والله ما فى العيش خير ولا الدنيا إذا ذهب الحياء لقد قابلت كل ما مررت به من متاعب مع أهل زوجتك بقلب يكن كل الحب والود أملا فى حياة مستقرة, فواجهك حماك بوجه قبيح ينم عن حمق وجهل شديدين, وفى ذلك قال بن سلام: «العاقل شجاع القلب, والأحمق شجاع الوجه»، فاستمر فى مسيرتك وسعيك فى الحياة بنفس العزيمة والإصرار, ولسوف تكشف لك الأيام سلامة موقفك بعد أن أديت واجبك على أكمل وجه وأنصحك بأن تطوى هذه الصفحة من حياتك وأن تبدأ صفحة جديدة مع من يقدرك. إذ لا تكفى العاطفة وحدها لتأسيس حياة زوجية ناجحة, ولابد أن تحكم عقلك وقلبك معا، وأن تبنى جسور المودة مع أهل زوجتك، فبدون العلاقة الطيبة بين أهل الزوجين تصبح حياتهما معا صعبة، وربما تنهار أمام الأعاصير نتيجة التدخلات المستمرة، وليت الأهل يدركون ذلك فيحرصون على عدم التدخل فى شئون أسر أبنائهم، فيرتاح الجميع، ولا حول ولا قوة إلا بالله.