في وصية أبي بكر الصديق، لعمر بن الخطاب، رضي الله عنهما، قال له: "لا يَكُونَنَّ غَائِبٌ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنَ الْمَوْتِ، وَلا بُدَّ لَكَ مِنْهُ"، لذا تتناول السطور التالية، أبرز تسع وسائل تعين على الاستعداد للقاء هذا "الغائب الأحبِّ إلى النفس". إن العاقل أو "الكَيِّسَ": "مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ"، كما جاء في حديث نبوي، قال العلماء إنه ضعيف لكن معناه صحيح، ذلك أن أول ما يقوله صاحب اليمين، الفائز بالجنة، يوم القيامة هو: "إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ".(الحاقة:20). تتمثل هذه الوسائل التسع في: تذكر الموت نفسه، ومحاسبة النفس، ومراقبة الله، والتزود بتقواه، والإكثار من الاستغفار، وقراءة القرآن بتدبر، وحسن الظن بالله، وزيارة القبور، وقضاء الديون، وتجنب سوء الخاتمة. لقد كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يُذَكِّر أصحابه بالموت؛ كي يستعدوا له. فقال: "أكثروا من ذكر هاذم اللذات". (أخرجه الترمذي وابن ماجة وغيرهما، وصحَّحه ابن حبَّان والحاكم والألباني وغيرهم). وقيل إن الصَّواب في كلمة (هاذم) أنَّها بالذال المعجمة، وجاء في بعض الروايات "هادم". وفي بعضها الآخر "هازم". فجاءت بالذال المعجمة، والدال المهملة، والزاي، والأول بمعنى القطع. والثاني بمعنى: الهدم. والثالث بمعنى: القهر، والغلبة. والمراد بذلك كله: "الموت". ومن هنا فطن الصالحون إلى أهمية الاستعداد للموت، فقال الإمام الدقاق: "مَنْ أكثرَ من ذكرِ الموتِ أُكرِمَ بثلاثة أشياء: تعجيل التَوْبَة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة، ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء: تسويف التَوْبَة، وترك الرضى بالكفاف، والتكاسل في العبادة". وتأتي محاسبة النفس كعمل من أرجى الأعمال، استعدادا للموت. قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ".(الحشر:18). قَالَ الْحَسَنُ البصري: "الْمؤمِنُ قوَّامٌ عَلى نَفْسه للهِ، وإنّما يَخُفَّ الْحِسَابُ يَوْمَ القِيامَةِ عَلَى قَوْمٍ حَاسَبُوا أَنْفُسَهُمْ في الدُّنْيَا، وَإِنَمَّا شَقَّ الحِسَابُ يَوْمَ القِيَامِةِ عَلَى قَوْمٍ أَخَذُوا هَذَا الأَمْرَ مِنْ غَيرِ مُحاسبةٍ". وكذلك يجب الاستعداد للموت بمراقبة الله، في الأقوال والأعمال والنيات كافةً، وهذا مقام "الإحسان"، الذي قال عنه النبي، صلى الله عليه وآله وسلم: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".(رواه البخاري). أما الوسيلة الثالثة، استعدادا للموت، فهي التزود بتقوى الله. قال تعالى: "وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى".(البقرة: 197). وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ الصالحة". يستعد المرء للموت أيضا بأن يتوب إلى الله، ويكثر من الاستغفار. ففي الحديث الصحيح للترمذي عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ". وعَنْ الْأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ، رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنه ليُغانُ على قلبي، وإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ".(رواه مسلم، وقيل إن "الغَين": الفتور). والوسيلة الخامسة، استعدادا للموت، تدبر القرآن. قال تعالى: "أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا".(محمد:24)، ذلك أن هذا التدبر يجعل المرء مدركاً لحقيقة الموت، وما ينتظره بعده، من ثواب، أو عقاب. وتأتي الوسيلة السادسة: حسن الظن بالله. فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلاثَةِ أَيَّامٍ، يَقُولُ: "لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ". (رواه مسلم). أما الوسيلة السابعة فهي زيارة القبور. وفي الحديث: "زوروا القبور فإنها تذكر الموت". (رواه مسلم، وفى رواية: "فإنها تذكركم الآخرة"). والوسيلة الثامنة قضاء الدَين، لما رواه أحمد وابن ماجة والترمذي، عن أبي هريرة، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "نفس المؤمن معلقة بدَينه حتى يُقضى عنه". وكان النبي، صلى الله عليه وسلم، يمتنع عن الصلاة على المدين (المديون)، فلما فتح الله عليه البلاد، وكثرت الأموال؛ صلى على من مات مدينا، وقضى عنه، وقال في حديث (أخرجه البخاري): "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن مات، وعليه دين، ولم يترك وفاء، فعلينا قضاؤه، ومن ترك مالا فلورثته". وأخيرا تأتي أهمية تجنب سوء الخاتمة. وقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، (في رواية للإمام أحمد بالمسند، وصححها الأرناؤوط): "إنما الأعمال بالخواتيم". إن وسائل الاستعداد للموت كثيرة، وعلينا الأخذ بها، دون تباطؤ، وبكل قوة، وتفاؤل. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد;