وتحقق المراد فى هامبورج. التقى الرئيسان الروسى فلاديمير بوتين والامريكى دونالد ترامب، بعد طول جدل احتدم حول «امكانية اللقاء المباشر بين رئيسى الدولتين الاعظم». طال اللقاء لساعتين وربع الساعة، ولم يكن مقررا له أكثر من نصف الساعة. ولم تفلح حتى ميلانيا ترامب التى اقتحمت عليهما قاعة الاجتماع بعد ساعة من بدايته، فى التعجيل بنهايته، لتخرج فى صمت. كان المشهد يقول ببوادر «تفاعل كيميائي» بين الرئيسين، ما يمكن ان يكون مقدمة طيبة لحلحلة قضايا ومشاكل ثنائية واقليمية ودولية. وكانت المصافحة التى استهل بها الرئيسان لقاءهما الاول فى أروقة قمة العشرين، تشير الى حرص متبادل على الابتعاد عما من شأنه التذكير بما تعود عليه ترامب لتأكيد ذاته من خلال الضغط على يد نظيره، والابقاء عليها طويلا لاظهار علو قدره وسيطرته، وهو ما كانت الصحافة المحلية والعالمية أطنبت فى الحديث عن مفرداته منذ الاعلان عن الاتفاق حول لقاء الرئيسين. لم يند عن ترامب ما أشار الى ذلك، حيث اكتفى بمصافحة تقليدية، زاد عليها بربتات خفيفة على ذراع بوتين ايماءً الى ترحيب وتقدير اكثر، وإن رأى فيها آخرون محاولة لاظهار علو المكانة. غير ان ما عاد اليه ترامب فى لقائهما الثنائى من مبادرات بمد يده لمصافحة بوتين اكثر من مرة، كان يعكس ارتياحا للقاء، ورغبة حقيقية فى حديث بناء. وفيما بادر ترامب باعلان ان اللقاء مع بوتين «شرف له»، حرص الرئيس الروسى على تاكيد انه «سعيد للغاية بفرصة التعرف على ترامب». وفى الوقت الذى ينقلون فيه عن ترامب ما قاله حول المضى بالعلاقات مع بوتين بعيدا عن «عثرات» الماضي، وما يتعلق منها بما قيل حول التدخل فى الانتخابات او العقوبات، فان هناك من يقول فى موسكو بضرورة التريث وعدم استباق الاحكام والانتظار ومتابعة نتائج تنفيذ ما جرى الاتفاق حوله بين الرئيسين. وما جرى الاتفاق حوله كان كثيرا، ساهم وزيرا خارجية البلدين لافروف وتيلرسون فى وضع الكثير من لبناته، خلال حديثهما الذى استمر لما يقرب من الساعة، قبل بداية لقاء الرئيسين، الذى خرج فى ختامه وزير الخارجية الروسية ليكشف عن الكثير مما جرى وراء الابواب المغلقة. قال سيرجى لافروف ان الرئيسين تناولا الاوضاع فى سوريا وفى أوكرانيا، والمسائل المتعلقة بالامن الاعلامى او «المعلوماتي»، الى جانب الاوضاع فى شبه الجزيرة الكورية، وتسريع اجراءات تعيين سفيرى البلدين فى العاصمتين موسكووواشنطن، و»فك الحظر» على العقارات الدبلوماسية الروسية فى نيويوركوواشنطن، التى كانت الادارة الامريكية السابقة «استولت عليها»، فى معرض عملية «طرد خمسة وثلاثين من الدبلوماسيين الروس وافراد عائلاتهم» فى نهاية العام الماضي. ولم يكن الرئيس الامريكى ليغفل التطرق الى ما قيل ويقال فى الولاياتالمتحدة حول تدخل روسيا فى الانتخابات الرئاسية الامريكية الماضية، واختراق اجهزتها للنظم والمواقع الالكترونية، وهو ما قالت المصادر الامريكية انه فعله تحت ضغط الدوائر الديموقراطية والكونجرس الامريكي. وقالت صحيفة «الجارديان» البريطانية نقلا عن ركس تيلرسون ان هذا الموضوع كان أول الموضوعات التى طرحها الرئيس ترامب على نظيره الروسي. وأشارت الى ان تيلرسون كشف عن ان الرئيس بوتين «نفى المعلومات التى تقول بأن القيادة الروسية لعبت دورا فى هذا التدخل».وكانت الاوضاع فى سوريا حظيت بمساحة مناسبة فى لقاء الرئيسين، حيث أعربا عن ارتياحهما لما جرى التوصل اليه فى عمان بين ممثلى روسياوالولاياتالمتحدة والاردن من اتفاق يقضى بانشاء منطقة خفض التصعيد فى جنوب غربى سوريا تشمل مناطق درعا والسويداء والقنيطرة،. ومن الملاحظ بهذا الصدد ان احدا لم يشر الى ان أيا من الرئيسين أثار «قضية رحيل او بقاء الرئيس السورى بشار الاسد» الذى قال تيلرسون بان «لا مكان له أو لعائلته فى الحياة السياسية لسوريا «، وهو ما دفع الرئيس بوتين على ما يبدو لان يؤكد فى لقائه مع الصحفيين فى ختام أعمال قمة العشرين «ان مستقبل سوريا والرئيس الأسد يحدده الشعب السورى وليس وزير الخارجية الأمريكى ركس تيلرسون». وحول الازمة الاوكرانية خلص الرئيسان أيضا الى موقف يقول باختزال مساحات الخلاف على طريق التوصل الى تسوية للاوضاع فى جنوب شرق اوكرانيا. وكشف الجانب الامريكى عن تعيين السفير كورت فولكر المبعوث السابق لدى حلف الناتو، وقالوا انه سوف يقوم بزيارة قريبة للعاصمة الروسية لبدء مشاوراته بهذا الصدد، وهو ما اعتبرته موسكو خطوة مهمة نحو مساهمة واشنطن فى دعم الجهود الرامية الى تحقيق التسوية فى اوكرانيا وسرعة تنفيذ اتفاقات مينسك الموقعة فى فبراير 2015. وفيما يتعلق بالاوضاع فى شبه الجزيرة الكورية ، فقد انطلق الجانب الروسى من البيان الذى سبق وصدر عن موسكو استنادا الى ما تضمنته الخطة التى سبق وأعلن عنها الرئيسان الروسى والصينى فى موسكو، وتعكس تمسك البلدين بموقف متوازن تجاه التوصل الى التهدئة والحل التدريجى للازمة من خلال تعليق كوريا الشمالية للتجارب النووية مقابل امتناع واشنطن وسيول عن اجراء المناورات المشتركة فى المنطقة. وكشف الكرملين عن انه لم يكن اطلع الجانب الامريكى بعد ببنود هذه الخطة التى تضمنت ايضا ضرورة التنفيذ الكامل للقرارات الصادرة عن مجلس الامن ذات الصلة، واستئناف مباحثات السلام والبحث عن حل سياسى للاوضاع فى شبه الجزيرة الكورية. كما أكدت موسكو رفضها لمحاولات «خنق كوريا الشمالية اقتصاديا»، ولاستخدام قرارات مجلس الامن ذريعة لاستخدام القوة، فى منطقة تعتبرها كل من روسيا والصين تمس أمن واستقرار البلدين والعالم. وتقول المصادر الروسية ان الخطة الروسية الصينية تنص تحديدا على ان تعلن كوريا الشمالية طوعا عن وقف التجارب النووية وعمليات الاطلاق التجريبية لصواريخها الباليستية، مقابل أن تتوقف الولاياتالمتحدة عن مناوراتها المشتركة مع كوريا الجنوبية فى المنطقة، والبدء فورا فى المفاوضات لتحديد مبادئ العلاقات ومنها عدم استخدام القوة والتعايش السلمى والسير قُدُما نحو نزع الاسلحة النووية فى شبه الجزيرة.