مازالت قرارات البنك المركزى والآثار الايجابية المترتبة على اصلاح السياسات النقدية تحظى باهتمامات واسعة عالميا وعربيا. حيث التقيت منذ بضعة أيام برئيس اتحاد المصارف فى الامارات عبدالعزيز الغرير ووصف لى تجربة البنك المركزى فى ادارة السياسة النقدية وتعويم الجنيه المصرى امام العملات الاجنبية بأنها تجربة اذهلت وفاجأت العالم بأسره لما سادها من جرأة وسرعة فى اتخاذ القرارات والاجراءات التى اعادت الثقة الى الاقتصاد الوطنى واطلقت له العنان للانطلاق حتى اصبح مركزا لاهتمام الدوائر الاستثمارية العالمية وجذبها للدخول للاسواق المصرية، الأكثر من ذلك ان كلام عبدالعزيز الغرير تبعة تصريحات من طارق عامر وتقارير رسمية صادرة عن البنك المركزى حول استرداد الجنيه المصرى لجانب من عافيته فى ضوء هذه الاجراءات حيث تمثل ذلك فى الارتفاعات اليومية له أمام الدولار وسط توقعات من بنوك الاستثمار ومؤسسات التمويل الدولية باستمرار هذا الارتفاع للجنيه، حتى يستقر عند القيمة العادلة والمتوازنة له التى تتراوح بين 16 : 16٫5 جنيه وفقا لدراسات اعدتها هذه المؤسسات ورغم ذلك فان ثمة سؤال يشغل الاسواق حاليا ويتردد فى الشارع المصرى بصورة واضحة الايام الماضية ، الا وهو .. هل ارتفاع الجنيه امام الدولار يمثل اتجاه صعوديا يستند الى مؤشرات حقيقية ام يعود الى قرار ادارى ما قد يعنى ارتفاع الدولار مرة اخرى ، كما حدث منذ 3 اشهر؟ حقيقة الامر ان ارتفاع الجنيه امام الدولار خلال الايام الماضية ، نتيجة طبيعية للتطورات الايجابية المهمة فى مؤشرات الاداء الاقتصاد ، لعل اهمها مضاعفة الاحتياطى الاجنبى بفضل القفزة الهائلة فى تدفقات النقد الاجنبى بعد استعادة الثقة فى الاقتصاد من المؤسسات المالية الدولية،كما يؤكد سلامة وكفاءة السياسة النقدية التى ينتهجها البنك المركزى ، منذ قرار تحرير سعر الصرف ،والذى لم يكن قرارا تاريخيا فحسب بل كان ضروريا وصائبا من اجل معالجة التشوهات والخلل الذى يكبل انطلاق الاقتصاد القومى . يكفى ان نرصد التطور الايجابى فى مكونات الحساب الجارى لكى نعرف ان ارتفاع قيمة الجنيه تستند الى اسس حقيقية ، حيث تراجع العجز فى العجز فى الربع الاول من 2017 من 5.663 مليار دولار الى 3.529 مليار دولار ، اى بتراجع كبير يقترب من 2مليار دولار فى 3 اشهر ، وهو ما يؤشر الى تطور ايجابى مهم بتقليص العجز الى نحو 12 مليار دولار فقط بنهاية العام ، مقارنة ب 20 مليار دولار العام الماضى . الامر المهم فى هذا الصدد ان اسباب التراجع ترجع الى تطور اداء القطاعات الاساسية فى الاقتصاد ، حيث تراجع الميزان التجارى فى الربع الاول من 2017 من 9.970 مليار دولار الى 9.167 نتيجة زيادة الصادرات من 4.275 مليار دولار الى 5.547 مليار دولار ، وتراجع العجز فى الميزان التجارى على الرغم من تزايد فاتورة الواردات من 14.345 مليار دولار الى 14.714 مليار دولار نظرا الى زيادة فاتورة استيراد البترول بنحو الضعف حيث قفزت من 1.641 مليار دولار الى 3.081 مليار دولار خلال هذه الفترة ، فى المقابل شهد ميزان الخدمات تطورا ايجابيا مهما لاسيما فيما يتعلق بتدفق الاستثمار الاجنبى المباشر الى جانب الاستثمار الاجنبى للصناديق العالمية فى ادوات الدين العام والبورصة ، كما شهد قطاع السياحة تطورا مهما على الرغم من القيود المفروضة من جانب بعض الدول وعلى راسها السياحة الروسية ، حيث ارتفعت ايرادات السياحة فى شهر مارس الماضى الى 480 مليون دولار مقارنة ب 198 مليون دولار فى نفس الشهر من 2016 ، اى بنسبة زيادة 141%، وكذلك الحال وبنفس معدلات النمو فى شهرى يناير وفبراير 2017 بنحو 85% و172 % على التوالى ، وهو ما يعكس التأثير الايجابى لتحرير سعر الصرف فى زيادة تنافسية السلع والخدمات المصرية وفى مقدمتها قطاع السياحة . ماذا تعنى هذه التطورات ؟ انه حال استمرار هذه التطورات بنفس معدلاتها فان الحساب الجارى سيحقق فائضا بنحو 8 الى 10 مليارات دولار ، حيث انه فى ظل العجز المحقق فى الربع الاول من 2017 فان اجمالى العجز سيصل الى نحو 12 مليار بنهاية 2017 ، وفى المقابل فان هناك تدفقات من الاستثمار الاجنبى المباشر تصل الى نحو 8 مليارات دولار – اذا افترضنا انها لن تزيد على العام الماضى – اضافة الى تدفق فى استثمار المحافظ يصل الى 10 مليارات دولار ، الى جانب نحو 5 مليارات دولار منح وقروض ، وهو ما يعنى ان الحساب الجارى سيحقق فائضا لاول مرة منذ سنوات بنحو 10 الى 11مليار دولار . تتجلى الصورة بشكل اكثر وضوحا ، اذا اضفنا الى هذه التطورات المهمة ارتفاع الاحتياطى الاجنبى ليسجل رقما قياسيا جديدا 31.3 مليار دولار بما يغطى اكثر من 6 اشهر واردات ، كما ان هذا الارتفاع جاء رغم سداد وتوفير البنك المركزى نحو 3.5 مليار دولار للجهات الحكومية خلال الشهر الماضى ،لاستيراد المواد التموينية والبترولية الى جانب سداد مستحقات والتزامات دولية وجانب من مديونيات شركات البترول ، الاحتياطى الاجنبى فى مصر حاليا يتجاوز نظيره فى تركيا الذى سجل 29 مليار دولار فقط . يبقى ان نشير الى الزيادة المضطردة فى تدفقات النقد الاجنبى لدى القطاع المصرفى حيث قفزت من 2 مليون دولار لاكبر بنك فى السوق – البنك الاهلى الذى يستحوذ على 28% من السوق المصرفية – الى 20 مليون دولار يوميا فى المتوسط لتقفز من جديد الى مايقرب من 100 مليون دولار يوميا على مدى يومى الثلاثاء والاربعاء الماضيين مع بدء استعادة الجنيه جانبا من عافيته ،ولعل الاكثر دلالة على توافر الدولار بالبنوك ان البنك الاهلى بلغت حصته يوم الثلاثاء الماضى 96 مليون دولار اشترى 53 مليون دولار من البنوك يوم الثلاثاء عبر آلية الانتربنك ، كما بلغت حصيلة بنك مصر 87 مليون دولار اشترى منها 13 مليون دولار عبر الانتربنك ، ويعكس هذا الامر الطفرة فى تدفقات النقد الاجنبى تدافع حائزى الدولار الى التخلص منها حيث بلغت حصيلة بيع الدولار لدى البنوك نحو مليار دولار فى 3 ايام الاسبوع الماضى ، اذا بلغت 704 مليون دولار يوم الثلاثاء منها نحو 660 مليون دولار شراء الصناديق العالمية لاذون الخزانة والباقى بيع حائزى الدولار للبنوك ، كما بلغت الحصيلة 300 مليون دولار يوم الاربعاء ومثلها يوم الخميس . لاشك ان الاقتصاد المصرى بدأ يجنى ثمار الاصلاح النقدى ، وهو ما ظهر بوضوح فى تحقيق مصر اعلى سادس معدل نمو على مستوى الاسواق الناشئة وفقا لمجلة الايكونوميست فى عددها 29 مارس الماضى .وذلك بعد كل من الهند والصين واندونيسيا والفلبين وباكستان . لعل هذه التطورات كافية لان نقول ان الجنيه فى طريقه لاستعادة جانب من عافيته ويتوقع ان يستمر ارتفاعه امام الدولار خلال الايام المقبلة ، بعد ان اعاد قرار تحرير سعر الصرف التوازن للقطاعات الاقتصادية واستفادت منه فى رفع تنافسيتها ووضعها على قدم المساواة فى المنافسة مع منتجات الدول الاخرى فى ظل منافسة شرسة على النفاذ للاسواق العالمية ، وهو ما ادى الى تزايد الصادرات السلعية بشكل مطرد ، بعدما اصبحت السوق المصرية على مدى السنوات الماضية سوقا للسلع لرؤيته التى يتم استيرادها ودخولها نظرا لانخفاض سعرها بسبب تدعيم قيمة الجنيه على حساب الصناعة والانتاج ولصالح الاستيراد .