بالرغم من أن إطلاق قناة الجزيرة فى الأول من نوفمبر من عام 1996 كان حدثا بارزا وبالرغم من أن المشاهدين العرب من المحيط إلى الخليج، وكذلك العرب المهاجرون فى كل أنحاء الدنيا قد تعلقت أنظارهم بهذا الكيان الإعلامى الفريد وقت إطلاقه إلا أن قناة الجزيرة قد ولدت وهى تحمل فى ثناياها أسباب تراجعها الذى تبدو ملامحه هذه الأيام وفى هذا السياق يجب الإشارة إلى أن قناة الجزيرة خرجت من رحم قناة ال»بى بى سي» التليفزيون العربى الذى أجهضت تجربته الرائدة. فقد اتفقت شبكة أوربيت للقنوات الفضائية مع البى بى سى على إنتاج خدمة إخبارية فى استديوهات البى بى سى باللغة العربية ويتم بث الخدمة من لندن إلى المركز الرئيسى لشبكة الأوربيت فى روما والتى بدورها تقوم ببث الخدمة الاخبارية عبر الكابل إلى المشتركين فى خدماتها و قامت البى بى سى بتوظيف وتدريب أكثر من 200 صحفى وفنى لاطلاق قناة البى بى سى العربى ولكن سرعان ما دبت الخلافات بين الشريكين السعودى والبريطانى البى بى سى وتم إجهاض أول قناة إخبارية عربية التى حملت اسم تليفزيون البى بى سى العربي. تزامن مع ذلك وقوع انقلاب الدوحة الذى قام بتدبيره كل من الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثانى والشيخ حمد بن خليفة آل ثانى ولى عهد قطر على أبيه الشيخ خليفة آل ثانى حاكم قطر. وتزامن ذلك الانقلاب الذى تقول تقارير إنه تم تدبيره بالتعاون وبدعم كامل من عناصر استخباراتية بريطانية وأمريكية واسرائيلية.. هذه المقدمة ضرورية لفهم الأجواء التى صاحبت اطلاق قناة الجزيرة . وحسب مصدر مقرب جداً من تلك الفترة وتلك الأجواء قال» إن قناة الجزيرة قامت على أنقاض تليفزيون البى بى سى العربي، وأن هذه الفكرة لم تكن لتأت لرجال الانقلاب فى الدوحة إلا من خلال ذات العناصر الاستخباراتية التى وضعت للانقلاب ورجاله خارطة طريق محددة وواضحة ولها عدة أهداف. يقول مراقب آخر شارك فى تلك الأحداث « إن تأسيس قناة الجزيرة كانت له أهداف داخل قطر وأهداف إقليمية فى المنطقة العربية وأهداف دولية على مستوى العالم، أما عن الأهداف داخل قطر فإن أهم تلك الأهداف هو غض بصر القطريين عن انقلاب الابن على أبيه بتلك الضوضاء التى ستحدثها قناة الجزيرة داخل قطر والتى ستمد القطريين بشعور زائف من الريادة تجعلهم ينسون الحديث عن خيانة الأبن لأبيه. أما عن أهداف قناة الجزيرة فى المنطقة العربية فمن أهم أهدافها هو خلخلة المشهد السياسى وضرب مصداقية النظام السياسى العربي، والسماح بدخول الأصوات الاسرائيلية الى كل بيت عربى وتشجيع النعرات الطائفية والشعوبية فى العالم العربي. لقد حققت قناة الجزيرة معظم تلك الأهداف بكفاءة شيطانية منقطعة النظير ومما ساعد الجزيرة فى تحقيق تلك الأهداف خلو المشهد الاعلامى العربى من أية منافسة بل من أى إعلام حقيقى يمد المشاهد بالحقائق أو ببعض الحقائق ذراً للرماد فى العيون لقد سرحت الجزيرة ورمحت وعبثت بثوابت عربية كثيرة وقد بلغ انحراف الجزيرة أوجه حين تورطت فى أحداث ما يسمى بالربيع العربى فى يناير من عام 2011م فقد ارتكبت الجزيرة الجريمة الكبرى التى قد يرتكبها جهاز أعلام وهى الانحياز السافر لطرف ضد طرف آخر فى صراع داخلى ..وبوضوح أكثر فقد كان لارتكاب قناة الجزيرة جريمة الانحياز للتيار الاسلامى فى مصر وتونس وليبيا وسوريا بشكل غير موضوعى القشة التى قصمت ظهر ذلك المشروع الاعلامى الذى كان يؤمل منه الريادة الإعلامية الحقيقية بعيد عن أجندة النظام السياسى القطري، فإذا به يصبح بمثابة مخلب القط أو الاداة التى استخدمتها قطر لتنفيذ مخططها فى المنطقة.