أكد الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية، أن عودة منظومة القيم والأخلاق إلى المجتمع، أهم قضية تشغل باله، وأن شهر رمضان، جعله الله سبحانه وتعالى للطاعة، وليس للإسراف فى الأكل والشرب والنوم كما يفعل البعض، وقال فى حوار مع "الأهرام"، إن دار الإفتاء المصرية لديها وسائل حديثة لتلبية احتياجات الصائمين من الفتوى مثل خدمة الخط الساخن والبث المباشر و"الفيس بوك" كما حكى فضيلة المفتى عن نشأته وأهم ذكرياته فى الشهر الكريم .....والى نص الحوار. ما القضية التى تشغل بال فضيلة المفتى أكثر من غيرها؟ الذى أبحث عنه فى الحقيقة، هو كيفية إعادة القيم والأخلاق مرة أخرى الى المجتمع، حيث إنها تعتبر القضية الأم بالنسبة لى، لأننا لاحظنا منذ فترة انفلاتا أخلاقيا فى المجتمع، لأسباب متعددة، وتأكدنا أنه دون الجانب الأخلاقي يخسر المجتمع كثيرا، وذلك لأن الأخلاق تبنى الضمير الإنسانى، قال صلى الله عليه وسلم”إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، فإذا وجدت القيم والأخلاق على نحو صحيح، وتربى الضمير الإنساني، وجد التزام بالقوانين الموضوعة التزاما تاما، ولا شك ان المجتمع سيكسب كثيرا. من وجهة نظركم كيف تعود منظومة القيم والأخلاق فى المجتمع بعد تفشى الظواهر السلبية فى مختلف مجالات الحياة؟ نحتاج إلى إعادة منظومة الأخلاق فى المجتمع عبر وسائل عديدة، منها التعليم ووسائل الإعلام المختلفة، إلى جانب زيادة التوعية بحرمة وخطورة تفشى الظواهر السلبية وأثرها فى المجتمع، من خلال دروس العلم والندوات فى دور العبادة والأندية، وتكثيف برامج التوعية الدينية والاجتماعية عبر الوسائل الحديثة واستغلال مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف صورها فى نشر الايجابيات وترك الصور السلبية. وكيف كانت نشأة فضيلتكم؟ ولدت في قرية زاوية أبو شوشة بالدلنجات في محافظة البحيرة، في الثاني عشر من أغسطس 1961، وتدرجت في التعليم الأزهري حتى حصلت على الليسانس بكلية الشريعة والقانون بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف، ثم حصلت على الماجستير عام 1990 بتقدير جيد جداً، تلاها حصولي على الدكتوراه عام 1996 مع مرتبة الشرف الأولى، بعد ذلك تدرجت وظيفيًا وعلميًا بكلية الشريعة والقانون بطنطا حتى أصبحت رئيسًا لقسم الفقه العام بكلية الشريعة والقانون فرع طنطا، كما عملت بسلطنة عمان رئيسا لقسم الفقه بكلية العلوم الشرعية، حتى تم انتخابي مفتيًا لجمهورية مصر العربية عام 2013 لأتحمل هذه الأمانة من حينها وحتى الآن. وماذا عن أهم ذكرياتك فى رمضان؟ في طفولتى كنت ككل الأطفال أشعر بالفرح بقدوم شهر رمضان، ونجتمع مع أطفال العائلة ونتنافس في الصيام، وكنت أحب الصوم وأفرح مع وقت أذان المغرب، حيث أستمع قبل المغرب إلى القرآن الكريم بصوت الشيخ محمد رفعت في إذاعة القرآن الكريم مترقبا انطلاق مدفع الإفطار حتى نجتمع علي الطعام، وكانت تغمرني السعادة كل يوم عند وقت المغرب وأنسي تعب اليوم ومشقة الصيام، لذلك كنت حريصًا على تربية أبنائي منذ الصغر على مثل ما تربيت عليه من حب رمضان والصيام والاستعداد له، وكذلك المنافسة في أعمال الخير وخدمة الناس ومساعدتهم، وأداء الطاعات خلال الشهر الكريم من صلاة القيام وتلاوة القرآن والذكر وغيرها من العبادات. ما هو جدول فضيلتكم للعبادة فى شهر الصيام؟ لا شك أن شهر رمضان شهر الطاعة والمغفرة، ولا بد أن نعمره بمختلف الطاعات ونستغل كل ساعة فيه للقرب من الله عز وجل، لذلك خلال شهر رمضان أكون حريصًا على عمارته بالطاعة وأولها التوبة حتى تكون بداية جديدة مع الله، نستفتح بها الشهر الكريم حتى تزداد الهمة في طاعة الله، وخلال الشهر الكريم أكون حريصًا على أداء عملي على أكمل وجه لأن العمل فريضة وأمانة ومسئولية يجب ألا نقصر فيها بحجة الصيام، كذلك أخصص وردًا من القرآن كل يوم لأن شهر رمضان هو شهر القرآن مع تدبر معانيه والعمل به، وكذلك ذكر الله سبحانه وتعالى وتسبيحه كلما وجدت فرصة لذلك، أيضا الحرص على السنن الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الأمور المهمة خاصة في شهر رمضان لأن الثواب مضاعف في هذا الشهر الكريم، فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “من تقرب فيه بخصلة من الخير، كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه”، وأحاول قدر الإمكان تخصيص وقت لزيارة الأقارب وصلة الأرحام خلال شهر رمضان الكريم، وفي الليل تكون صلاة التراويح التي هي فرصة عظيمة للاجتماع على الطاعة في بيت من بيوت الله وتدارس العلم واللقاء مع الجيران والأصدقاء، وفي العشر الأواخر تأتي صلاة التهجد لنعمر ليلنا بذكر الله وطاعته. حدثنا عن خطة دار الافتاء فى شهر رمضان؟وكيف تلبى حاجة الناس من الفتوى؟ كعادة دار الإفتاء كل عام في استعدادها لشهر رمضان، فإننا نضع خطة متكاملة لتلبية احتياجات المسلمين من مختلف بقاع الأرض، وتشمل هذه الخطة العديد من البرامج والإجراءات للتواصل مع الجمهور بمختلف وسائل التواصل فى هذا الشهر الكريم، وستطلق الدار حزمة من الخدمات الشرعية التى تسهل عملية التواصل بين المفتى والمستفتى منها الخط الساخن لفتاوى الصيام الذى يعمل يوميا للرد على أسئلة المستفتين فى كل مكان بعشر لغات، وكذلك صفحة الدار الرسمية على “الفيس بوك” والتى تقدم هذا العام وجبة روحية متكاملة من فتاوى الصيام وأحكامه وآدابه وأخلاقياته عن طريق الفيديوهات المسجلة وخدمة البث المباشر، هذا بالإضافة إلى كتاب الصيام ومطوية دليل الصائم والذى يجد فيهما المسلم كل ما يخص الصيام، كما سأظهر في برنامج يومي على قناة فضائية، خلال شهر رمضان، بالإضافة إلى ظهور عدد من علماء دار الإفتاء في مختلف وسائل الإعلام والقنوات الفضائية للإجابة عن أسئلة المسلمين فيما يخص الشهر الكريم. توجد فى رمضان مظاهر سلبية من بعض المسلمين كالإسراف فى المأكولات والمشروبات والإكثار من النوم وعدم العمل والتسلية بما لا ينفع..ماذا تقول لهم؟ للأسف هذه من العادات الذميمة التي يقبل عليها الناس في هذا الشهر الكريم، فهو ليس شهرا للأكل والشرب والإسراف ولكنه شهر للطاعة والتقرب إلى الله، صحيح أن الله سبحانه وتعالى أحل لنا الأكل والشرب من الطيبات، ولكنه كذلك أمرنا ألا نكون من المسرفين، قال ابن العربي: «والإسراف هو مجاوزة حد الاستواء، فتارة يكون بمجاوزة الحلال إلى الحرام، وتارة يكون بمجاوزة الحد في الإنفاق، فيكون ممن قال الله - تعالى -: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوانَ الشَّيَاطِينِ)، وقد يكون الإسراف في الأكل أن يأكل فوق الشبع حتى يؤديه إلى الضرر، فذلك محرم أيضاً». فالمسرف لا يحبه الله عز وجل، وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مغبة الإسراف فقال: «كلوا واشربوا، وتصدقوا والبسوا ما لم يخالطه إسراف ولا مخيلة»، بل أرشدنا النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله في مسألة الأكل والشرب هذه أن نقسم المعدة إلى ثلاثة أجزاء فقال: «ما ملأ امرؤ وعاء قط شراً من بطنه، بحسب ابن آدم بضع لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه». هجمة شرسة كيف تقرأ الهجوم والتطاول على العلماء والمفكرين المستنيرين بين الحين والآخر؟ الأزهر هو المرجعية الأولي للمسلمين في مصر والعالم والذي لم ولن تنال منه مثل هذه التصريحات والهجمات التي يشنها البعض من حين لآخر، وهذا التطاول وتلك الإساءات الموجهة إلي الأزهر وشيخه الجليل، والتي تصل إلي حد السب والقذف، لا تصلح أن تصدر من طالب علم فضلا عن شيخ حمل رسالة الأزهر وتشرف بارتداء عمامته، والكل يعلم أن الأزهر الشريف هو الحصن الحصين لمصر وللأمة الإسلامية، ودوره ورسالته تتسامي فوق كل الصراعات الحزبية والمصالح الفردية الضيقة، وهو الحامي من التيارات المتشددة والأفكار الشاذة التي يحملها بعض أفراد المجتمع، كما أنه ومازال حائط الصد المنيع أمام كل محاولات النيل من مصر وشعبها ودورها الإقليمي والعالمي، ومع كل هذه الهجمات فإن الأزهر الشريف مستمر في القيام بدوره الوطني، وتحقيق آمال وتطلعات الشعب المصري ونشر الفكر الأزهري الوسطي المستنير، ليظل دومًا رأس القوة الناعمة للإسلام والمسلمين حول العالم. وبماذا تفسرون انصراف بعض الناس عن علماء الأزهر الوسطيين الى اشباه العلماء؟ هذا ليس صحيحا .. ودور الأزهر لا يمكن أن يزايد عليه أحد، كما أن المصريين يدركون طبيعة الدور التاريخي الذي جعل الأزهر ملاذًا ومرجعية يأوي إليها كل المصريين علي اختلاف توجهاتهم، مما جعله إحدي الضمانات الأساسية لوحدتهم على مر التاريخ، ونحن في دار الإفتاء نستقبل يوميًا ما يزيد على 2000 فتوى عبر إداراتها المختلف ومنها إدارة الفتوى الشفوية، وإدارة الفتوى الإلكترونية التي تستقبل الأسئلة عبر الموقع الإلكتروني للدار، وكذلك إدارة الفتوى الهاتفية التي تستقبل اتصالات المستفتين وترد عليها، فضلًا عن الأسئلة التي نستقبلها من خارج مصر ونجيب عليها بلغات عدة تصل إلى 11 لغة. ولماذا جُل اهتمامكم بالشباب فى كل أحاديثكم ونصائحكم؟ ذلك لأن الشباب هم الثروة الحقيقية لمصر وشعبها العظيم على مر العصور والأزمان وهم قادة المستقبل ويجب علينا جميعا العمل على تأهيلهم لقيادة سفينة الوطن، وعلينا أن نفتخر بأن 40 % أو اكثر من المصريين من فئة الشباب وهذا يعد قوة لبلدنا الحبيبة مصر، وتلك القوة تحتاج للاستغلال الأمثل، كما أن احتضان الشباب المصري يقطع الطريق على المتاجرين والمزايدين الذين يستغلون حالة العزلة التى كان يعانيها شباب مصر خلال الفترات الماضية ليبثوا في عقولهم التشوهات الفكرية ضد أوطانهم وعقائدهم الدينية.