العمل عبادة وجهاد، وهو سبب للبناء لا الهدم، والتعمير وليس لتخريب، والتقدم والتطور وليس لتخلف، والسعادة وليس الشقاء، فعلى العمال إن يجدوا ويجتهدوا ويخلصوا فى أعمالهم، وعلى الدولة إن تعطيهم أجورهم وتعمل على تحقيق حياة كريمة لهم، مما يدفعهم ويحفزهم على الإقبال على العمل بهمة ونشاط، حتى يتحقق التقدم المنشود لأمتنا وتكون فى مكانها اللائق بها بين الأمم. وإذا كان الاحتفال بعيد العمال يأتى هذا العام ونحن فى أمس الحاجة إلى نشر ثقافة العمل والاجتهاد والإخلاص فيه، لتحقيق البناء والرخاء والاستقرار للوطن، فان عملاء الدين يؤكدون أن إتقان العمل والإحسان فيه فريضة، مطالبين العمال بالجد والاجتهاد حتى تتقدم البلاد ويزيد الإنتاج، ويعم الرخاء، وتتجاوز البلاد محنتها وتعبر أزماتها الاقتصادية الخانقة. ويقول الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، إن الإسلام حث على العمل والكسب الحلال وأعلى من شأنه، فقد قال الله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم «فَانْتَشِرُوا فِى الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ»، وقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم «ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبى الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده» ، مشيرا إلى أن العمل والكسب الحلال كان دأب الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وقد عملوا فى مهن مختلفة ومتعددة، فقد عمل النبى صلى الله عليه وآله وسلم فى رعى الأغنام وفى التجارة، وكذلك نبى الله آدم أبو البشر كان ذارعًا، ونبى الله داود كان حدادًا، ونبى الله عيسى كان صبَّاغًا، ونبى الله إدريس كان خياطًا، موضحا أن النبى محمد صلى الله عليه وسلم حث على العمل والاجتهاد فيه وإتقانه فقال «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه». مسئولية كبيرة وحث المفتى عمال مصر على الاجتهاد فى العمل والإخلاص فيه، وألا يركنوا إلى مَن يحاولون النَّيل من عزيمتهم وتثبيط همتهم التى بها يعلو شأن الوطن، مؤكدًا أن مصر الآن فى حاجة لكل يد تبنى وتعمر وتُنمي، وهو ما يضعنا جميعًا، رجالًا ونساءً وشبابًا وشيوخًا، أمام مسئولية كبيرة تجاه مصر. وأكد أن مصر قادرة على عبور التحديات الراهنة التى تواجهها بالعمل والبناء بأيدى أبنائها الأبرار، الذين يبذلون الغالى والرخيص من أجل رُقِيِّ البلاد ورفعتها، مؤكدًا أن عمَّال مصر هم بناة الوطن ومن أهمِّ قلاع التنمية التى يعقد عليها الأمل فى عبور هذه المرحلة التاريخية المهمة فى تاريخ مصر. عمارة الأرض وفى سياق متصل، يؤكد الدكتور طه أبو كريشة عضو هيئة كبار العلماء، من المعروف أن العمل قرين الإيمان كما جاء فى كثير من الآيات القرآنية والأحاديث، التى توضح بيان الثواب العظيم والأجر المترتب على الجمع بين هذين الأمرين، قال تعالي:«من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون»، موضحا أن إتقان العمل فريضة، فالعمل شرف عظيم، والعامل فى ميزان الاسلام له قدره ومكانته ويكفيه شرفا أن الله تعالى كلفه بعمارة الكون وأمره بهذا فى كتابه، حيث قال تعالي«..هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها ...»، وقال «هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ»، وقد بين الحق ان العامل متى أدى ما عليه من فريضة من العبادات، لا يحق له تعطيل العمل الذى هو مكلف به من أمور الدنيا، قال تعالى «فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون»، مشيرا الى ان الرسول صلى الله عليه وسلم بشر العامل الذى يبيت كالا من عمل يده وسعيه فى طلب الرزق بحلال الله، بأنه مغفور له، ومن هنا فإنه حرى بالمجتمع أن يحتفل ويحتفى بالعاملين والعمال، حتى يعطيهم دفعة لمواصلة دورهم فى بناء المجتمعات وتطور الحضارات، مشددا على ضرورة أن يخلص ويتقن العامل فى عمله، حيث إن العمل أمانة والتقصير فيه يعد خيانة، قال تعالى «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون». وأشار إلى أن الإسلام سبق كل النظم والمواثيق الدولية فى تكريم العمال، فقد بين القرآن الكريم أن من يعمل عملا صالحا فى أى مجال من مجالات الحياة له أجره فى الدنيا والآخرة، كما دعا النبى صلى الله عليه وسلم أصحاب الأعمال إلى معاملة العمال معاملة كريمة، وإلى الشفقة عليهم، والبر بهم وعدم تكليفهم ما لا يطيقون من الأعمال، موضحا أن من حق العامل، الأجر المناسب لقدراته ومواهبه، فيقول الله تعالى «ولا تبخسوا الناس أشياءهم..», أى لا تنقصوا أموالهم, كما يحذر الله من سوء العاقبة إذا لم يتناسب الأجر مع العمل، كما يجب على العامل أن يأخذ أجره بقدر عمله وجهده فى العمل، مؤكدا أن الإسلام قرر سرعة دفع الأجر للعامل بعد الانتهاء من عمله مباشرة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «أعطوا الأجير أجره, قبل أن يجف عرقه».