مثل آلاف الشباب المصريين الطامحين إلي تحسين أحوالهم، المتفائلين بغد أفضل ومستقبل مشرق بالحفر في الصخر لا البكاء علي الأطلال ولاينتظرون وظيفة حكومية لن تأتي أو فرصة عمل متعثرة في شركة خاصة، حاول أحمد عوض شتات 34 سنة ابن منطقة السوق بمدينة دكرنس أن يكون إيجابيا حتي يعيش بكرامة وأمان ويتمكن من بناء عش زوجية مناسب والإنفاق علي علاج والدته المريضة التي ليس لها غيره من الرجال. ولأن اسمه شتات فقد ترجم بنفسه هذا المعني خلال عشر سنوات من الهجرة والعمل في السعودية كان لايعود فيها إلي بلده إلا قليلا حرصا علي ما يدخره للأيام القادمة وحتي لا يهدر المال في الهدايا والتذاكر . أحمد تزوج بعد معاناة طويلة وأنجب طفلين الاول عمره 4 سنوات، والآخر عمره 8 أشهر لم يره بعينه بل كانت زوجته ترسل له صوره حتي يروي نهر الأبوة لديه لحين عودته . غير أن صفاء الحياة لا يدوم بل الحياة نفسها تحولت فجأة بالنسبة إلي أحمد إلي نهاية أليمة ومصير مأساوي ، فقد اختلف مع شاب يمني كان يسير متهورا بسيارته في مدينة خميس مشيط يريد أن يقطع عليه الطريق وبعد شد وجذب ونقاش حاد ومشادة علي أولوية المرور أخرج الشاب اليمني سكينا وطعن أحمد طعنة نافذة في رقبته فأرداه قتيلا في الحال وتم القبض علي الجاني بمعرفة السلطات السعودية ويجري التحقيق في الحادث . وفي دكرنس ومنذ عرف الأهل والأصدقاء بالحادث من زملاء أحمد في العمل عاش الجميع كابوسا من الحزن والألم علي شاب دفع حياته ضريبة لتأمين أساسيات مستقبله وتوفير اللقمة الحلال لأسرة تنتظره وتتلهف اشتياقا لعودته محملا بالهدايا والألعاب لأطفاله فإذا به يعود مسجي في تابوت ومحمولا في نعش علي الأكتاف بعد أسبوعين من عملية القتل وإنهاء الأوراق ليتم دفنه في حشد ضخم لا يقل عن حشود الشهداء من مسجد السادات. وفي منزل شهيد الغربة كان الحزن مضاعفا وظلت الصدمة تعقد الألسنة عن الحديث بعد أن صار كابوس الخبر حقيقة مروعة بوجود الجثمان وبصوت تحشرجت فيه الغصة طالبت والدة القتيل بالقصاص لنجلها قائلة « أنا عاوزة اللي قتل ابني يتعدم في ميدان عام مش عاوزين حاجة غير كدة أنا عاوزة حق ابني ومش عاوزة حاجة تانية ابني مات عشان اتخانق مع واحد يعدي بالعربية بقاله 10 سنين بيشقي في السعودية عشان يتجوز ويكون نفسه». أما شقيقة القتيل فقالت: أحمد مات ومشفش ابنه اللي اتولد بقاله 8 شهور ، مات وشاف صورته بس مشفوش قدام عينه عاوزين حقه. وبمرارة لا تكاد تمكنها من الحديث قالت زوجة أحمد : كان بيكلمني دايما ويقولي خدي بالك من أمي والعيال واللي نفسكم فيه أنا هجيبه «.