أيام مرت على الأستفتاء «الصادم» الذي لم يتوقعه صاحبه ، بل أنه فوجي وهو في إسطنبول بالنتائج الهزيلة ، وبعد أن كان منتظرا الظفر المبين غير المنقوص ثم بدء الاحتفالات العارمة والصاخبة،عاد للعاصمة يجر ذيول إنكسار لا يبدو أنه سيكون طارئا. أثناءها كانت المعارضة التي أشتد ساعدها رغم القيود التي حاصرتها، لا تتوقف عن التنديد بخروقات السادس عشر من إبريل وهو يعلم في قرارة نفسه أنها على حق ، القارة العجوز وهي المتربصة له أنتهزت الفرصة مقررة بوجود مخالفات شابت الاقتراع في ذلك اليوم. أمام تلك التداعيات، وحتى لا تتحول وتصبح مثل كرة الثلج، كان لابد من هزة سريعة وخاطفة تعيد اللحمة الوطنية المنقسمة، هكذا تصور الرئيس رجب طيب اردوغان، ولأن العدو معروف وماثل أمام الجميع ، هنا استيقظ الأناضول قبل أن ينصرم ذات الشهر بأحداثه المثيرة ، على أنباء تناقلتها الميديا المرئية ، أفادت بقيام المقاتلات التركية وبتعليمات مباشرة منه بتوجيه ضربات متلاحقة وصفت بالقاصمة أستهدفت معسكرات لعناصر منظمة حزب العمال الكردستاني الإنفصالية في سنجار بفضاء مدينة الموصل العراقية والقريبة من جبال قنديل التي تأوي قياداتها ، وكذلك شنت غارات ضد مواقع لميليشيات سوريا الديمقراطية بمنطقة “قره تشوك بريف الحسكة السورية . وعلى الفور تغير الحديث الإعلامي في الفضائيات الموالية الذي كان يسيطر عليه أجواء الأستفتاء والنظام الرئاسي والمرحلة التاريخية الفاصلة والحاسمة في عمر الجمهورية ، ليتركز على التطورات الجديدة القادمة من التخوم المشتعلة ، ممزوجا بعبارات قومية لشحذ الهمم ، مثمنة ما يقوم به الجيش من عمليات بطولية متجنبا الكلام عن القتلي في صفوفه ، وفي الايام التالية توالت الأخبار أكدت القضاء على عشرات الانفصاليين وتدمير معسكراتهم ومستودعاتهم المملوءة بالذخيرة . ولم تنس وسائل الإعلام أن تشن حملة شعواء ضد الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تسعى « إلى تقوية الكيان الإنفصالي الإرهابي على الحدود السورية من خلال تعزيز مساعداتها العسكرية لها»، ويرصد مراسل وكالة الأناضول للأنباء الرسمية، ما وصفه بالتسجيلات المصورة التي نشرها مسلحوه ومعهم أقرانهم الأكراد السوريون، وفيها أظهروا كيف أنهم يمتلكون صواريخ مضادة للدبابات ومجموعة من «رابض إطلاق القاذفات»، وقذائف هاون وأخرى قنابل يدوية وبنادق وسيارات عسكرية وناقلات جند مدرعة وطائرات مراقبة صغيرة بدون طيار، وغيرها من الأسلحة والعتاد، وجميعها أمريكية الصنع. وهكذا وبفضل الدعم السخي الذي أغدقته واشنطن على « المنظمة الإرهابية « بحجة محاربة داعش ، تمكن هؤلاء المسلحون من السيطرة على نحو 65 بالمئة من الأراضي السورية الواقعة على الحدود الملاصقة للأراضي التركية ، ثم تبدي نفس الميديا دهشتها وإمتعاضها من تعليق « البنتاجون» الذي انتقد أنقرة كونها لم تبلغ التحالف الدولي مسبقا بالعملية التي أدت إلى مقتل أفراد من «البيشمركة» . وهنا تساءلت ماذا لو كان قد تم إبلاغكم بوقت كاف ؟ حتما كنتم ستحذرون من تدعمونهم مثلما فعلت موسكو عندما أطلعت الأسد بواقعة «الشعيرات « فأحذ الحيطة وأفرغ القاعدة من طائراتها وبالتالي لم تسفر الضربات عن شئ ضخم. وأردوغان يواصل دغدغة مشاعر مواطنيه بالتأكيد على أن بلادهم وريثة المجد العثماني التليد تخوض كعادتها ملحمة نضالية من أجل وحدة أراضيها ثم حذر الاعداء « ليعلم الإرهابيين في شمالي العراقوسوريا، أن جيشنا لهم بالمرصاد وفي أي ليلة سنفاجئهم «وفي مسعي لإثناء الولاياتالمتحدةالأمريكية عن دعمها لما تعتبرهم بلاده إمتدادا للانفصاليين، ومستبقا لقاء مرتقب مع دونالد ترامب في البيت الابيض منتصف الشهر الحالي، أردف قائلا «أن لم يتم تشكيل منبر مشترك ننسق من خلاله مكافحة الإرهاب فإن الأزمات في المنطقة ستستمر وعلي اية حال سنضطر لمعالجة الأمر بأنفسنا». فصيل آخر يحاكي الايديولوجية نفسها ذهب إلى سيناريو أكثر تشاؤما حينما قال أن اشنطن ستعلب دور راس الحربة في الرقة، باختصار تركيا الاردوغانية خارج الصراع في سورياوواشنطن بطريقتها ستنشا الدولة الكردية، وعليه، فإن الأجدى والأضمن هو العمل على فتح مسار الحل السياسي الداخلي على المدى المتوسط، وهو الذي سبق وشرع فيه اردوغان قبل أن يتوقف بفعله هو قبل غيره، هذا هو الممكن بل المطلوب اليوم وليس غدا وأن باختلاف العنوان والفواعل والمسار، ولا يجب على العدالة والتنمية أن يفوت فرصة تاريخية ما زالت متاحة أمامه وغلق الملف الأكثر استنزافاً لتركيا منذ تأسيسها. المذهل أن أردوغان في مستهل صعوده كان لا يتردد في القول بأن حل القضية الكردية يجب أن يشكل مساراً استراتيجياً لتركيا لا غنى لها عنه درءا لمخاطر التدخلات الخارجية وسيناريوهات التقسيم، غير أن المعضلة الآن هي تغير مزاج الرئيس ، فالامر بالنسبة له تم اختزاله ليصبح ثأرا شخصيا ، فأكراد وطنه هم المسئولون عن عرقلة حلمة السلطوي ، وذاكرته تأبي أن تنسي ما قاله أحد زعمائهم أنه صلاح الدين دميرطاش عندما قال قبل ثلاث سنوات لن ندعك تحقق ما تريده ، فانقلب على مشروعه الإصلاحي والذي عنونه ب « أخوة الوطن « واختلق الأسباب ليعيد الصراع المستمر منذ ثلاثين عاما إلى المربع الأول . ولكن ما لا يعلمه أردوغان هو أن قطاعات مؤثرة في مجتمعه وصلت لقناعة مؤداها أن اللعب بالورقة الكردية وإذكاء النعرات الشوفينية الطورانية ليس سوى تغطية على الفشل في تحقيق نصر كان يراد منه تكريس سلطته التي باتت في مهب الريح!