مع اقتراب الخامس والعشرين من ابريل من كل عام يستدعى أبناء جيلنا أحداثا جسام تعرضوا لى بدءا من هزيمة يونيو عام 1967 ومرورا بحرب الاستنزاف على مدى ثلاث سنوات 1967 1970 ونهاية حرب أكتوبر عام 1973 والتى انتهت بتوقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل يوم 26 مارس عام 1979، وفجأة تساءلت أى المراحل السابقة كان لها الفضل فى منح جيشنا الفرصة والقدرة على هذا الصمود البطولي، وهو يتعرض نيابة عن العالم أجمع لهجمة إرهابية شرسة توافرت لها كل مقومات الدعم السياسى والاقتصادى والعسكرى واللوجيستى على مدى خمس سنوات ممتدة وجدت نفسى بعدها، وقد عثرت على الإجابة فى كلمتى حرب الاستنزاف، فبعد أن وضعت حرب يونيو عام 1967 أوزارها تحدد التفكير الاستراتيجى بعدها فى اقترابين أولها استعادة الكفاءة القتالية للجيش باستعواض الأسلحة والمعدات التى دمرت فى الحرب، وعلى رأسها طائرات القوات الجوية والتدريب عليها بعدها تبدأ حرب التحرير، وثانيهما الاشتباك مع القوات الإسرائيلية المتمركزة فى سيناء بالتوازى مع إعادة التنظيم فى حرب استنزاف مع ما يواكب ذلك من أفعال وردود أفعال من الجانب الإسرائيلى بكل ما تحمله من نتائج وخسائر بأنواعها، وقد سجل التاريخ أن الرئيس جمال عبدالناصر قد أمر بأخذ رأى المقاتلين الرابضين على خط النار فى أى الاقترابين يختارون لأنهم فى التحليل النهائى هم المنفذون على الأرض، وأذكر من واقع معايشتى للأحداث منذ 14 مايو عام1967 وحتى 14 يوليو عام 1974 بداية بحرب يونيو 1967 ومرورا بحرب الاستنزاف على الجبهة المصرية بقطاعاتها الثلاثة ثم منطقة البحر الأحمر من ذلك ونهاية بحرب أكتوبر عام 1973 أن كل مقاتلينا أجمعوا على أنهم يفضلونها يومية ساخنة بخسائر عن إعادة بناء الجيش بدون الاشتباك مع العدو الإسرائيلى والقيام بالهجوم لتحرير سيناء بضربة واحدة، وقد أثبتت الأحداث أن تقدير الموقف شيء ومشاعر البشر فى ميادين القتال شيء آخر، فمن المعلوم تاريخيا أن ثلاثة أحداث خطيرة قد وقعت فى الفترة الممتدة ما بين وقف إطلاق النار يوم 9يونيو عام 1967 تمثلت فى معركة رأس العش فى الأول من يوليو عام 1967 أى بعد أقل من ثلاثة أسابيع على الهزيمة، واشتعال الجبهة يومى 14و15 يوليو من الشهر نفسه بهجوم مركز بالطيران المصري، وإغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات قبالة سواحل بورسعيد يوم 21 أكتوبر 1967، وأخيرا تدمير خط بارليف بواسطة المدفعية المصرية يوم 8 سبتمبر عام 1968. إن الخوض فى الأبعاد الحقيقية لحرب الاستنزاف والوقوف على ضغوط حقائق المواقف الاستراتيجية التى أدت إليها سوف يقودنا إلى أنها كانت ستستغرق 6سنوات كاملة نتيجة الصراع المستمر بين العقلية العسكرية الإسرائيلية، ونظيرتها المصرية، وأن هذه الحرب فضلا عن أنها قد استجابت لضغط ملح من جانب الجماهير من أجل تحرير الأرض، فإنها قد كشفت عن واحدة من أهم، وأخطر الاسرار التى تحرص الدول على كتمانها وأعنى بها «العقيدة القتالية» التى يتبناها جيش دولة ما أثناء المواقف القتالية المختلفة، والتى جعلت ردود أفعال الجيش الإسرائيلى طوال مدة حرب أكتوبر، كالكتاب المفتوح بالنسبة لهيئة العمليات الحربية، كل قيادات الجيش المصرى على مختلف المستويات، وكشف التعديلات فى الخطط الإسرائيلية أثناء سير المعارك، وأى أسلحة جديدة يكون قد تم إمدادها بها سرا قبل الحرب أو أثنائها، إن دماء شهداء وجرحى ومعوقى حرب الاستنزاف لم تضع هدرا، فقد افتدى هؤلاء الشهداء بأرواحهم زملاء لهم كان من المتوقع أن يكونوا فى عداد الخسائر أثناء اقتحام قناة السويس يوم 6 أكتوبر 1973، فخسائر هذا اليوم لم تتجاوز 280شهيدا بينما قدرها الخبراء السوفيت بنحو 125 ضعف هذا العدد، ومن ثم يمكن القول بأن حرب الاستنزاف كانت المقدمة الطبيعية لما تلاها من أحداث أدت فى النهاية إلى زلزال يوم السادس من أكتوبر عام 1973، وهو ما يجعلنى أؤكد أن حرب استنزاف الجيش والشرطة والشعب مع الإرهاب منذ عام 2013 قد شكلت الطريق الصحيح للوصول إلى النصر حاليا. لمزيد من مقالات اللواء د. إبراهيم شكيب;