رئيس «القاهرة الجديدة»: الدولة تبنت مخططا استراتيجيا للتنمية العمرانية    بعد محاولة الانقلاب في بوليفيا.. لافروف يؤكد دعم موسكو للرئيسة آرسي    ماذا يحدث في إسرائيل؟.. صواريخ حزب الله تمطر الاحتلال وتقطع الكهرباء ومظاهرات ضد نتنياهو    باحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات تكشف أهمية مؤتمر "القرن الأفريقي" بالقاهرة    بعد وفاة طارق الوحش نجم الإسماعيلي السابق.. 5 لاعبين حصد السرطان أرواحهم    إحباط 12 محاولة تهرب جمركي بمطار القاهرة    في ذكرى 30 يونيو.. احتفالية خاصة لتكريم رموز «اعتصام المثقفين» ضد حكم الإخوان    بعد «كيرة والجن».. كريم عبدالعزيز يعلن عن عمل جديد مع أحمد عز    «بيفرهدوا من الحر».. 4 أبراج فلكية يقلّ نشاطهم في الصيف    متى يجب على الزوج إحضار خادمة لزوجته؟.. رئيس صندوق المأذونين يجيب    "المصريين": ثورة 30 يونيو ستبقى علامة فارقة في تاريخ مصر    حماة الوطن: نجدد الدعم للقيادة السياسية في ذكرى ثورة 30 يونيو    على مساحة 165 مترًا.. رئيس هيئة النيابة الإدارية يفتتح النادي البحري فى الإسكندرية (صور)    تباطئ معدل نمو الاقتصاد المصري إلى 2.22% خلال الربع الثالث من العام المالي 2024-2023    فليك يطلب بقاء نجم برشلونة    ما هي الضوابط الأساسية لتحويلات الطلاب بين المدارس؟    إصابة 5 أشخاص فى حادث تصادم سيارة ميكروباص بعمود إنارة ببنى سويف    وكيل صحة الدقهلية يتفقد مستشفى نبروه المركزي (صور)    محمد مهنا: «4 أمور أعظم من الذنب» (فيديو)    أفضل دعاء السنة الهجرية الجديدة 1446 مكتوب    لطيفة تطرح ثالث كليباتها «بتقول جرحتك».. «مفيش ممنوع» يتصدر التريند    انطلاق مباراة الإسماعيلي والمصري في الدوري    أيمن غنيم: سيناء شهدت ملحمتي التطهير والتطوير في عهد الرئيس السيسي    يورو 2024.. توريس ينافس ديباى على أفضل هدف بالجولة الثالثة من المجموعات    قائد القوات الجوية الإسرائيلية: سنقضى على حماس قريبا ومستعدون لحزب الله    فيروس زيكا.. خطر يهدد الهند في صيف 2024 وينتقل إلى البشر عن طريق الاختلاط    «الرعاية الصحية» تعلن حصاد إنجازاتها بعد مرور 5 أعوام من انطلاق منظومة التأمين الصحي الشامل    أيمن الجميل: تطوير الصناعات الزراعية المتكاملة يشهد نموا متصاعدا خلال السنوات الأخيرة ويحقق طفرة فى الصادرات المصرية    أسعار التكييفات في مصر 2024 تزامنًا مع ارتفاع درجات الحرارة    «رحلة التميز النسائى»    مستشار الأمن القومى لنائبة الرئيس الأمريكى يؤكد أهمية وقف إطلاق النار فى غزة    مع ارتفاع درجات الحرارة.. «الصحة» تكشف أعراض الإجهاد الحراري    هند صبري تشارك جمهورها بمشروعها الجديد "فرصة ثانية"    بائع يطعن صديقة بالغربية بسبب خلافات على بيع الملابس    وزيرة التخطيط: حوكمة القطاع الطبي في مصر أداة لرفع كفاءة المنظومة الصحية    لتكرار تجربة أبوعلى.. اتجاه في الأهلي للبحث عن المواهب الفلسطينية    حمى النيل تتفشى في إسرائيل.. 48 إصابة في نصف يوم    شيخ الأزهر يستقبل السفير التركي لبحث زيادة عدد الطلاب الأتراك الدارسين في الأزهر    محافظ المنيا: تشكيل لجنة للإشراف على توزيع الأسمدة الزراعية لضمان وصولها لمستحقيها    بالصور.. محافظ القليوبية يجرى جولة تفقدية في بنها    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم بالطريق الإقليمي بالمنوفية    "قوة الأوطان".. "الأوقاف" تعلن نص خطبة الجمعة المقبلة    جهاز تنمية المشروعات يضخ تمويلات بقيمة 51.2 مليار جنيه خلال 10 سنوات    انفراجة في أزمة صافيناز كاظم مع الأهرام، نقيب الصحفيين يتدخل ورئيس مجلس الإدارة يعد بالحل    شوبير يكشف شكل الدوري الجديد بعد أزمة الزمالك    مواجهات عربية وصدام سعودى.. الاتحاد الآسيوى يكشف عن قرعة التصفيات المؤهلة لمونديال 2026    تفاصيل إطلاق "حياة كريمة" أكبر حملة لترشيد الطاقة ودعم البيئة    تفاصيل إصابة الإعلامي محمد شبانة على الهواء ونقله فورا للمستشفى    21 مليون جنيه حجم الإتجار فى العملة خلال 24 ساعة    ضبط 103 مخالفات فى المخابز والأسواق خلال حملة تموينية بالدقهلية    موسى أبو مرزوق: لن نقبل بقوات إسرائيلية في غزة    طلب غريب من رضا عبد العال لمجلس إدارة الزمالك    حظك اليوم| برج العذراء الخميس 27 يونيو.. «يوما ممتازا للكتابة والتفاعلات الإجتماعية»    الكشف على 1230 مواطنا في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    هل يوجد شبهة ربا فى شراء شقق الإسكان الاجتماعي؟ أمين الفتوى يجيب    شل حركة المطارات.. كوريا الشمالية تمطر جارتها الجنوبية ب«القمامة»    انقطاع الكهرباء عرض مستمر.. ومواطنون: «الأجهزة باظت»    بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم.. والأرصاد الجوية تكشف موعد انتهاء الموجة الحارة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بريد الجمعة يكتبه : أحمد البرى
القلوب السوداء!
نشر في الأهرام اليومي يوم 31 - 03 - 2017

تستوقفنى مآسى وتجارب قراء بريد الجمعة، وأستنير بما تشير به عليهم من آراء وأفكار تأخذ بأيديهم إلى بر الأمان
، ووجدتنى أنضم إليهم، وأروى لك حكايتى عسى أن أجد لديك ما يعيننى على الخلاص من متاعبى، فأنا شاب فى الثلاثين من عمرى نشأت فى أسرة عادية لأب موظف وأم ربة منزل، ولى شقيقان (ولد يصغرنى بعدة أعوام، وبنت تلينى بعام)، أما أبى فله ثمانية أشقاء «ثلاث بنات وخمسة أولاد»، وقد استقرت إحدى عماتى فى الخارج، ولى عمتان فى مصر، أما أعمامى فقد سافر أربعة منهم إلى دولة أوروبية، وكونوا أسرا هناك، وبقى عمى الأكبر فى مصر، وقد عمل فى إحدى الجهات المهمة، وأعير إلى دولة عربية، وجميعهم يعيشون حياة مستقرة، إلا أسرتنا، وقد بدأت فصول مأساتنا فى غروب أول أيام رمضان منذ ستة عشر عاما، وكنت وقتها فى الرابعة عشر من عمرى، حيث أمطرت السماء بغزارة، فأسرعت والدتى وغطت الغسيل بالمشمع، وعندما تراكمت كميات كبيرة من المياه عليه، أزاحتها لتسقط فى الشارع حتى لا تتسرب إلى داخل الشقة، وتصادف خروج عمى من المنزل فى تلك اللحظات، فرأى أمى وهى تزيح المياه، فعلا صوته عليها وسبها بأحط الألفاظ مدعيا أنها تستهدف سيارته! ولم يلتفت إلى السيول التى تنهال على الجميع، فلم ترد أمى عليه، وأبلغت أبى بأمره عن طريق الهاتف الأرضى، فتعجب من رد فعل شقيقه، ثم إذ بعمى يحاول كسر باب الشقة سعيا للاعتداء على والدتى بالضرب، وتعجبت لما يفعله بسبب بعض مياه الأمطار التى لا حيلة لنا فيها، ومع توالى ضغطه وسبابه، بادلته أمى بعضها، فاستغلها فرصة وحرر محضر سب وقذف ضدها فى الشرطة، وبسرعة البرق جاء رجال الأمن وطرقوا الباب على والدتى، فلم تفتح لهم، وانتظروا أبى إلى أن جاء من عمله، وعند وصوله وجد جدتى وعمى وجمعا من الناس فى انتظاره، ولم يشأ أن يحرج جدتى بما فعله عمى، فكل من حولنا يعرفون أنها تحب أبى الذى لا يؤخر لها طلبا، ويلبى احتياجاتها برغم ضيق ذات يده، حيث انه عامل بالأجر اليومى فى أحد المطاعم، وليس لديه دخل ثابت مثل شقيقه الأكبر، كما أن أشقاءه الذين يعملون فى الخارج لكل منهم حياته الخاصة، ولا يعنيه من قريب أو بعيد مشكلات اخوته ولا حتى أمه، وكان المشهد صعبا، فكل واحد يضمر للآخرين فى صدره ضيقا، وما كان من والدى إلا أن تحدث مباشرة إلى عمى ولامه على ما فعله مع أمى، فإذا به يعتدى عليه هو الآخر بالسباب والضرب، ولم تنطق جدتى بكلمة واحدة خوفا منه حيث انه استولى على عقد البيع الابتدائى الخاص بمنزل الورثة، ثم ذهب إلى القسم وحرر محضرا ضد أبى الذى ألقى القبض عليه وسط ذهول الجميع، وتم اقتياده إلى السجن مع أنه المجنى عليه، وذقنا الأمرين لإثبات براءته بعد الإهانة التى تعرض لها، ولم ينته الأمر عند هذا الحد، إذ استمر تحرش عمى بنا عن طريق زوجته، فاعترضت طريق أمى، وضايقنا أبناؤه لأكثر من ثلاثة شهور.
وخرجنا ذات يوم فى نزهة لتغيير الجو الكئيب الذى نعيش فيه، وعند عودتنا آخر النهار فوجئنا بكمين فى انتظارنا من عمى وعمتىّ وأولادهم، فضربونا أنا وأختى، وأخذوا أمى إلى حجرة جدتى التى أخلوها تماما من الأثاث، وانهالوا عليها ضربا وركلا وسبا، أما والدى فلقد ألبسه عمى صفيحة قمامة فى أثناء صعوده على السلم، فسقط وتدحرج على أكثر من عشرين سلمة، وانكسرت ذراعه، وصرخ بأعلى صوته من شدة الألم، ولم يكتف عمى بذلك بل انهال عليه ضربا عند أسفل السلم ب «شومة»، وأحدث به جرحا فى رأسه، واستجمعت قواى وجريت ناحية عمى، وضربته بكل ما أوتيت من قوة دفاعا عن أبى، وعشنا ساعات من الرعب والذهول حتى وصلت سيارة الإسعاف التى طلبها الجيران لإنقاذ حياة أبى وأمى، وتم نقلهما إلى المستشفى فى حالة سيئة، وبدت أمى فى قمة البؤس والشقاء بعد أن «بهدلوها»، وقطعوا شعرها وجردوها من ملابسها، وعند عمل محضر تصنعت جدتى المرض، واستغلت عمتى الكبرى جرحا فى يدها من زجاج الشباك الذى كسرته لإصابة أمى، فى الادعاء بأنها هى التى اعتدت عليها وأخذت التحقيقات مجراها، وانتهى الأمر إلى لا شىء!، وتمادت جدتى فى إيذاء أبى برغم حبها له بإيعاز من عمى فزارت صاحب المطعم الذى يعمل به وشكته إليه، فطرده من العمل.. عندئذ قرر أبى ترك منزل العائلة، وبلغ أحد أعمامى بالخارج ما حدث لأبى فأعطاه مبلغا من المال لكى يبدأ به حياة جديدة بعيدا عن منزل العائلة، وذهبنا إلى حلوان وسكنا بها، وتبدلت حياتنا تماما، وتم نقل أختى إلى مدرسة بجوار المنزل، أما أنا فلم أفلح فى ذلك، وظللت فى مدرستى القديمة، وكنت أقطع مسافة طويلة يوميا لكى ألحق بطابور الصباح، ومررت بفترة عصيبة، وبلغ بنا الضيق مداه، ولاحظت الإخصائية الاجتماعية بالمدرسة حالة البؤس والشقاء البادية على ملامحى وملابسى، فنادتنى ذات يوم وطلبت منى أن آخذ من الدولاب ما أشاء من ملابس وأحذية مخصصة للأيتام، فبكيت بمرارة، وانتابتنى حالة نفسية سيئة جعلتنى أكره المدرسة، ورسبت فى ذلك العام، وحاولت أن ألتحق بأى عمل لكن أبى رفض بشدة تحسبا لكلام الناس، وأصبحت أنا وأختى فى عام دراسى واحد، ولم يكن باليد حيلة، فذهبت أمى إلى جمعية خيرية بالمنطقة التى نسكن فيها، وشرحت لمسئوليها ظروفنا فتكفلوا بمصاريف الدروس والكتب إلى جانب مساعدات الجامع، أما والدى فكان يعمل شهرا، ويجلس فى البيت شهرا، وحصلت على معهد فنى تجارى، وتخرجت أختى فى معهد خدمة اجتماعية، وعملت خلال تلك الفترة فى مقهى، وحصلت على دخل لا بأس به، واشتريت ملابس جديدة، ثم تعلمت الكمبيوتر، وأخذت فيه دورات مجانية بالهلال الأحمر ومنحة من اليونيسيف، وأعفيت من الخدمة العسكرية لعدم لياقتى الطبية، والتحقت بشركة لإصلاح الكمبيوتر تعلمت فيها الكثير، ثم انتقلت إلى مجال آخر هو مراقبة الجودة، وبعدها إلى شركة لتصنيع أغطية السيارات، والتحقت أختى معى بالشركة نفسها، وانتظم أبى فى العمل، وأحسست بأن حياتنا اعتدلت قليلا، ثم رحلت جدتى عن الحياة منذ ثلاث سنوات، فطلب أبى منى أنا وأختى أن نعطيه مدخراتنا لكى يعمل «جنازة وعزاء» لجدتنا، فاستجبنا له على الفور، ولم نفكر فى العذاب الذى سنعانيه من جراء ذلك، فلقد انقطع عن العمل، ومنذ ذلك التاريخ وأنا وأختى اللذان نصرف على المنزل ونسدد إيجاره الشهرى البالغ سبعمائة وخمسين جنيها إلى جانب فواتير المياه والكهرباء والمعيشة، وتمت خطبة أختى ثلاث مرات ولكن فى كل مرة افتعل أبى أى أسباب لكى لا يتمم الزيجة، وهدفه الوحيد هو أن يضمن استمرار أن نتولى مسئولية الأسرة بكل أعبائها، ولا يفكر أبدا فى مستقبلنا، وقد بلغت سن الثلاثين، وتلينى أختى بعام واحد.
ولقد فكرت مثل كل الشباب فى الزواج والاستقرار، وخطبت فتاة تعمل معى بالجهة نفسها ومن أسرة بسيطة، وبذلت كل ما فى وسعى لكى أستقر وأجهز نفسى، وبحثت كثيرا عمن يساعدنى فى ظروفى الصعبة، واهتديت إلى مؤسسة خيرية منحتنى قرض زواج حسنا قدره عشرة آلاف جنيه وسوف أسدده على خمسين شهرا، ودخلت فى جمعيات وجمعت خمسة عشر ألف جنيه أخرى ليصبح ما معى خمسة وعشرين ألف جنيه، وكان ذلك قبل تحرير سعر صرف الجنيه، أى أن المبلغ قلت قيمته إلى النصف الآن، وهو لا يكفى شراء كل ما يتطلبه عش جديد للزوجية، وقد طلبت من عمى بالخارج أن يساعدنى على السفر إلى البلد المهاجر إليه. لكنه طلب منى أن أوفر لنفسى سكنا وكل ما يلزمنى لبدء حياة جديدة، ويرفض أن أعيش معه فى منزله لأنى لا يصح أن أكون موجودا مع زوجته بمفردنا مع أنها فى عمر والدتى، ولا يمكننى أن أفكر بهذه الطريقة، فما أريده هو الاستقرار، لكن لا أحد يفكر إلا فى نفسه، وليذهب الآخرون إلى الجحيم بمن فيهم أبى الذى ترك لى المسئولية كاملة، فكيف لى أن أوفر مستلزمات الزواج، ومصاريف المعيشة؟، كما أن أختى هى الأخرى تصرف الآن كل دخلها على نفسها، ولم يعد يهمها إلا مظهرها، ولا تملك ما تجهز به نفسها عندما يأتيها عريس جديد، حتى لو وافق عليه أبى.
إننى أعيش فى حيرة بالغة، ولا أعرف السبيل إلى تجاوز ما أنا فيه، وأتمنى أن يجمعنى بيت صغير مع خطيبتى، وأتعهد بسداد كل ما أنا مدين به عينيا لمن يساعدنى على إتمام زواجى، إذ أننى قاربت على الانهيار نفسيا بعد أن اسودت كل القلوب ولم يعد هناك قلب واحد صاف!، فهل ترانى على حق؟، وبماذا تشير علىّ؟.
ولكاتب هذه الرسالة أقول :
من منا لم تصادفه عقبات فى حياته؟، ومن منا يعيش مطمئن البال، ولا يعكر صفوه شىء؟، فالحق سبحانه وتعالى يقول فى كتابه الكريم «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِى كَبَد»ٍ (البلد 4)، ومعنى الكبد، تعب ومشقة، وقد تكون هذه المشقة مادية أو نفسية، أو مشكلة ما تحتاج إلى صبر ومجهود، وبعدها يسعد الإنسان بحصاده، ويكون تعبه ذكرى عابرة على مر السنين، بل إن الإنسان حينما يجنى ثمار كده وجهده، تتملكه الراحة والطمأنينة، وتحضرنى هنا حكمة أيرلندية تقول «لولا الغيوم ما استمتعنا بآشعة الشمس»، بمعنى لو أن الشمس ساطعة دائما بلا غيوم لن نحس بمتعتها، ولكن عندما تغيب عنا ثم تأتينا ندرك أهميتها، ونستفيد منها، وكذلك الحياة لولا متاعبها وعناءها ما أحسسنا بلذة نجاحنا فيها، فكلما بذلت جهدا للحصول على المال والعمل والدراسة، كان حصادك وفيرا.
وتعتمد نقطة البداية نحو تحقيق الغايات والطموحات على تغيير قناعاتنا بأن «لغة المستحيل» غير موجودة، وأن أى نجاح يتطلب التحضير والعمل الجاد، ومن حق كل واحد أن يحلم بما يشاء، ولكن هناك فرقا بين الحلم والوهم، فالحلم ألا نكون تقليديين فى أفكارنا، فمن السهل الحلم بوظيفة تقليدية، وبيئة عمل لا ابتكار فيها، لأننا لا نحب المغامرة، ولكن من الممتع أن نحلم بمشروع قائم على فكرة معينة، وأن نبذل كل ما فى وسعنا لتحقيقه، ونشعر بأن هناك قيمة للحياة، وليس الراتب هو الهدف، فالراتب استحقاق لا نقاش فيه، ولكن علينا كخطوة تالية النظر إلى قدراتنا الحالية وخبراتنا ومعارفنا ومدى توافقها مع ما نحلم به، وكل ما فى الأمر، اليقين بأن النجاح يحتاج إلى فرد مؤمن بذاته وقادر على خوض التجربة، وسوف يتحقق له ما يريد فيما بعد.
ولقد حققت بعض ما كنت تسعى إليه، ويمكنك أن تبدأ حياتك الزوجية بما هو متاح لك الآن، فليس شرطا أن تدبر كل شىء بالديون والمساعدات، وإنما يكفيك أقل القليل لكى تبنى عش زوجية مستقرا وناجحا، ثم تحقق باقى مطالبك بعد الزواج انطلاقا من الأمل والعمل والأنشطة التى تتقنها، وعليك أن تأخذ فى الاعتبار المسئوليات الجسام الملقاة على عاتقك، وأن تزن الأمور بميزان العقل الدقيق، وألا تندفع فى دروب مجهولة المعالم، وأن توازن الحلم بالواقع حتى لا تقع فريسة لأوهام الخيال، فالحقيقة أن الشاب الذى يعيش حياته دون تخطيط ولا هدف، ويصرف سنوات عمره فى الجرى وراء الملذات، لا يمكن التفاؤل به، ولا عقد الآمال عليه، ولذلك فإننى أستغرب كثيرا من إلقائك باللائمة على أحد أعمامك وحده لأنه لم يوافق أن تعيش معه فى بيته فى الدولة الأوروبية التى هاجر إليها، فهو على حق، ولا يحل لك أن يجمعك بزوجته سقف واحد فى غيابه، كما أنك تريد منه أن يوفر لك كل شىء، وهو أمر غير مقبول وليس فى مصلحتك أبدا، ويكفيه أنه ساند أباك فى محنته عندما وفر له مبلغا معقولا ساعده على انتقالكم إلى السكن الجديد، وبدء حياة مستقرة، ولا أدرى أين أعمامك الآخرون الذين لم تذكرهم، ولا عمتك المهاجرة، كما أن ما قلته عن أبيك دليل كاف لإدانته بأنه لا يميل إلى العمل، ويعتمد على ما يتلقاه من مساعدات من الآخرين, فلقد استشعرت ذلك من كلماتك عنه، لدرجة أنه لا يريد تزويج أختك لكى لا تنقطع مساهمتها فى نفقات المعيشة، كما أنه ترك العمل اعتمادا عليكما، وأخذ منكما ما ادخرتاه من مال بحجة إقامة عزاء لجدتك، وإنى أستغرب ذلك أيضا، فليس معقولا أن عمك الذى يعيش فى الخارج، ولا حتى عمك الذى على خلاف مع والدك سوف يتركان أمهما بلا عزاء، وأغلب الظن أن والدك قد استغل الجميع لكى يبدو أمام الآخرين فى صورة الضحية، وأن أعمامك هم المفترون.
وبصراحة شديدة فإننى أرفض نغمة الضحية بسبب بعض المواقف والعثرات، فما أكثر من تعرضوا لمتاعب يشيب لها الولدان، ومع ذلك تغلبوا عليها، وصاروا ملء السمع والبصر، ولا أحب استسهال الأشياء، لأن ما يأتى بلا جهد يضيع فى غمضة عين أو لمح البصر، فعليك أن تضىء شمعة خير من أن تلعن الظلام، وإذا أردت أن تعيش حياة سعيدة، فاربطها بهدف وليس بأشخاص أو أشياء كما يقول إلبرت اينشتاين.
أما عن علاقة أبيك بأعمامك وعماتك فأحسب أن التعامل الإيجابى بينهم هو الذى سيعمل على تضميد الجراح التى أصابت علاقتهم ببعضهم، فالصبر على أخطاء الاخوة مع تقويمها برفق وتؤدة وروية خير وأبقى من البتر والقطع، وإن الترايب والتشاك بينهم يفسد علاقاتهم، فالتربص والتعقب من قبيل الفوضى الذاتية التى تهدم كل مسببات النجاح، ولذلك أدعو أباك وأعمامك إلى فتح صفحة جديدة، وأن يعفو كل منهم عن الآخر بمن فيهم عمك الكبير الذى أدعوه إلى تحكيم عقله، وكفاه عنادا مع أبيك، فلقد امتدح القرآن الكريم الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، فقال تعالى: «الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» (أل عمران 134)، فليبدأوا صفحة جديدة يرجون بها رضاء الله عز وجل، وما أظن ذلك بالأمر العسير إذا خلصت نياتهم، وصحت عزائمهم.
أما أنت فأؤكد لك ولكل الشباب أن الشعور بالمسئولية والاعتماد على النفس أحد الأركان المهمة لسعادة الفرد والمجتمع، والانتصار فى الحياة يكون دائما من نصيب المجتهدين، فالمساعدات التى تأتى إلى الفرد من الخارج تضعف فيه روح المثابرة والعمل غالبا، لأنه لا يرى وقتها داعيا للجد، خصوصا عندما تتجاوز هذه المساعدات الحد الضرورى، حيث تفقد أعصابه قوتها، وتموت روح العزيمة فى نفسه، ولذلك عليه أن يعتمد على ذاته فى ضمان سعادته المادية والمعنوية، وأن يستند إلى إرادته وعمله، فيقطع الأمل فى الجار والصديق، ولا يلجأ إلا إلى ذاته.
ويقول الحق تبارك وتعالى: «وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى» (النجم 39 و40)، بمعنى أن تبعة الأعمال الصالحة أو الطالحة لكل فرد إنما تعود عليه نفسه، وأن سعادته رهينة بعمله، ويقول الإمام على رضى الله عنه: «قدر الرجل على قدر همته» وفى هذا الصدد يقول الشاعر:
كن كالشمس فى استنادك إلى نفسك
فإن نور الشمس يشع من نفسه
فكل فرد مسئول عن سعادته وشقائه، فهو الذى يستطيع أن يقوم بواجباته خير قيام، فيقود نفسه إلى شاطىء السعادة والنجاح، كما يمكنه أن يحطم شخصيته بالأعمال السيئة والنيات الفاسدة والقلب الأسود، وينتهى بنفسه إلى الشقاء، ولذلك أقول لك: لا تنتظر العون من أحد، وضع يدك فى يد خطيبتك، وابدآ حياتكما الزوجية، وشيئا فشيئا سوف تتفتح لكما أبواب الأمل والنجاح، فاليأس مما فى أيدى الناس عز للمؤمن، والعاقل هو الذى يعتمد على عمله، أما الجاهل فيعتمد على أمله، وأظنك شابا عاقلا، فعليك أن تغير أسلوب تفكيرك، وارسم طريقك إلى المستقبل، فالبدايات تحدد النهايات، وفقك الله وسدد خطاك، وهو وحده المستعان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.