فى كتابات الرواد الكبار الأوائل لأدب الأطفال المصرى ، تواجهنا ، بصراحة ووضوح ، صورة سلبية للمرأة الخاضعة المستسلمة ، التى لا رأى لها ، التى يقتصر دورها على تلبية طلبات الرجل وهو ما ينعكس على تربتها لأطفالها. ................................................. - ففى قصة « الفأرة البيضاء « بقلم عادل الغضبان ( صدرت 1971) ، نجد القصة تؤكد « الطاعة العمياء « باعتبارها فضيلة . الأب اسمه « حريص «( وعلينا التنبه إلى دلالة اختيار الاسم ! ) ، والابنة ماتت أمها فتولى والدها تربيتها . تقول القصة منذ الصفحة الأولى : « وكان أبوها قد عوَّدها أن تطيعه طاعة عمياء ، فكانت لا تخالف له أمرًا من الأوامر » . وتضيف القصة عن البطلة أنها : « قد ألفت هذا الصنف من العيش وأحبته « ، ثم جاء فى آخر صفحة من الكتاب : « وشفيت وردة من رذيلة الفضول « . وهكذا تؤكد القصة أن « الطاعة العمياء « المطلقة ، « فضيلة « يجب أن تتحلى بها الأنثى !! . إنها قصة تقتل كل القيم المعاصرة فى التربية ، وتنتزع من الفتاة كل ما يدفع بها للنضج لتصبح عضوًا عاملاً فعالاً منتجًا فى المجتمع . - كذلك عندما تطالع قصة « خسرو شاه « لكامل كيلانى ( صدرت أول طبعة قبل وفاته 1959 ) ، يستوقفنا موقف المرأة الخانعة المستسلمة ، على الرغم من الجرائم التى ارتكبها الجنى فى حقها ، والذى أصابها بأقسى ما تصاب به فتاة . ففى نفس ليلة عرسها يخطفها من قصر والدها ، ويسجنها تحت الأرض .. ومضت عليها عدة سنوات وهى محبوسة وحيدة فى ذلك المكان المغلق .. وتقول الفتاة إن ذلك الجنى « سيقتلها إذا هربت « . ثم نفاجأ بنفس هذه الفتاة المقهورة المسجونة ، التى تعانى أبشع صور الإذلال ، والتى فقدت كل مستقبلها وسعادتها فى ليلة من أهم ليالى عمرها ، ليلة عرسها ، نفاجأ بها تندفع مدافعة عن ذلك الجنى عندما عرض خسرو شاه أن يخلصها منه ، فتقول عنه : « إنه لم يسئ إلىّ قط ، بل بذل كل ما فى وسعه لإسعادى وتلبية كل ما أريد !! « ، كأنما هى تستعذب تعذيبه لها . وعلى هذا النحو الغريب والشاذ ، تدعو القصة الفتاة والمرأة إلى القبول بكل ما يفعله بها الرجل ، وأن عليها الخضوع له وشكره ، وألا تشكو مهما اشتد ظلمه لها وقسوته عليها . - وإذا قرأنا قصة « جبل العجائب « بقلم د . نظمى لوقا ، ( صدرت فى نهاية الستينيات ) ، نجد بطلة القصة فتاة تتمنى أن تتزوج الملك ، وتقول « يكفينى أن يسمح لى بالحياة بقربه ، وسألد له ولدًا شجاعًا مثله ، وبنتًا جميلة كالقمر» وهكذا تنقل القصة للقارئ الصغير ، أن أقصى أمنيات الفتاة أن يسمح لها رجل أن تعيش بقربه ، وأن تنجب له البنين والبنات» . ** أما فى الكتب الحديثة والمعاصرة فى مجال أدب الأطفال ، فقد تغيرت إلى حد كبير هذه الصورة السلبية للفتاة والمرأة التى قابلتنا فى كتابات الرواد الأوائل . * يقول الدكتور محمد سيد عبد التواب ، فى كتابه الحائز على جائزة الدولة عام 2016 فى أدب الأطفال : « صورة المرأة فى أدب الأطفال « . وهو يتحدث عن صورة المرأة – الفتاة ، عندما تواجه مشكلات مجتمعها وتجد لها الحلول بنجاح ، فيقول : فى رواية « مغامرة زهرة مع الشجرة « للشارونى ، تلعب الفتاة زهرة الدور الأساسى فى أحداث القصة. فهى فى الثانية عشرة من عمرها ، وهى فتاة شجاعة تعرف حقوقها ، قادرة على مواجهة المواقف الصعبة وتحمل المسئولية ، لها دور قيادى رغم صغر سنها ، تتمسك بالدفاع عن قضيتها فى براءة متحدية عالم الكبار ، إلى أن تنتصر فى النهاية . فشجرة الكافور العجوز التى تقف أمام باب « مدرسة الاجتهاد « ، مدرسة زهرة بطلة القصة ، يتربص بها قاطع الأشجار الذى قرر ذات يوم قطعها ، فيثور الأولاد والبنات بقيادة « زهرة « ، ويتحلقوا حول الشجرة لمنع الكارثة . ويصور لنا الكاتب اعتصامًا طفوليًّا حول الشجرة ، يثمر نجاحًا فى نهايته ، وينجحون فى صد العدوان . ويؤمن الجميع بأهمية الشجرة ، ويُكثرون من زراعة الأشجار . كما يرسم الشارونى أم زهرة داخل القصة بصورة إيجابية فاعلة ، فهى « أشطر من يبيع ويشترى المواشى فى البلد « ، وهى تتحمل مسئولية بيتها لأن زوجها يعمل بعيدًا عن وطنه . * وفى قصة أخرى للشارونى لصغار الأطفال ، هى « مرمر ودواء ماما « ، تدخل « مرمر « الصيدلية وحدها لشراء الدواء لأمها التى تنتظرها فى السيارة ، وسط إعجاب ودهشة الزبائن . تقول القصة : « وتناولت الطفلة مرمر الكيس ( الذى به الدواء ) بيد ، وأمسكت بيدها الأخرى بقية النقود ، ثم غادرت الصيدلية ، وفتحت باب سيارة ماما الخلفى ، ودخلت وأغلقته خلفها . ومشت السيارة وأنا أقول لنفسى : « هذه أم نجحت فى أن تربى فى أولادها الثقة بالنفس ، والقدرة على التعامل مع الغرباء ، والتركيز ، والتذكر ، ودقة التعبير عن النفس « . * ويضيف د . محمد سيد عبد التواب : تجدر الإشارة إلى أن أعمال يعقوب الشارونى تمتاز باهتمامه بالفتاة وإبراز دورها الإيجابى فى الحياة ، وأنه جعل منها شخصية محورية فى أعماله . * ونرى نموذجًا آخر للفتاة الفاعلة الشجاعة شديدة الثقة بالنفس ، فى قصة « سندريلا وزينب هانم خاتون « ، للكاتب عبد الوهاب المسيرى . فسندريلا هنا فتاة ذكية مثقفة ، لا تعتمد على جمالها فقط لجذب انتباه الأمير ، بل على قوة شخصيتها ، مما يجعل الأمير يطلب الزواج منها. إن عبد الوهاب المسيرى يعيد كتابة بعض القصص الشعبية بهذه العصرية ، التى يعطى فيها للفتاة الدور الفاعل الإيجابى فى أحداث القصة . – وفى قصة « السلطان نبهان يختفى من سندستان « لفاطمة المعدول ، توجد نماذج نسائية لديها الوعى السياسى والوطنى ، والقدرة على اتخاذ القرار ، بداية من السلطانة حبهانة وحبة الرمان وعزيزة وعلية . فعندما يبكى الجميع لغياب السلطان ، تقف « حبة الرمان « وتقول : « كفاكم بكاء ... إن السلطان قوى وشجاع ، وأنا متأكدة أنه تركنا نحن الشعب ، حتى نستطيع أن نعمل ونفكر دونه « . – وفى قصص رانية حسين أمين ، فى سلسلة « فرحانة « ، تضع كل قصة الطفلة « فرحانة « فى موقف ، لتختار سلوكياتها التى تتنوع عبر القصص ، فى إطار التدرب على اكتساب المهارات الحياتية المعاصرة من خلال التفكير الناقد . إنها مواقف يتعرض لها مختلف الأطفال ، وتجبرهم على أن يحكموا بأنفسهم على سلوكيات « فرحانة « . أى أن التوصل إلى الحكم على السلوك لا يأتى من الخارج فى شكل توجيه مباشر ، وإنما يستنتجه الأطفال القراء أنفسهم من خلال القصص . – وفى قصص « حكايات لنور القلب « ، للكاتبة نعم الباز ، وهى مجموعة قصصية كتبتها المؤلفة للمكفوفين ، تعتمد كل قصة منها على البطل والبطلة اللذين كف بصرهما ، وأصبحت لديهما حواس أخرى قوية . وتظهر فى هذه الحكايات صورة الفتاة القادرة على مواجهة المشكلات الصعبة وعلى اتخاذ القرار ، والتى تتحمل المسئولية وتعرف حقوقها وواجباتها . كما أنها تتحدى التصورات القديمة ، وتفكر بأسلوب موضوعى وعصرى فى القضايا المختلفة على الرغم من فقدانها حاسة البصر . كما نجد الفتاة القادرة على الاختيار ، والتى تمارس حقوقها فى اختيار الزوج ومواجهة التصورات القديمة . فعندما طلب عماد « هنية « للزواج ، رفضت أمها وقالت لها : « لابد أن تتزوجى مكفوفًا مثلك ، حتى لا يأتى يوم يتضايق فيه زوجك أو يغار من المتزوجين من فتيات لم يفقدن البصر « ، لكن « هنية « صممت على الزواج من « عماد « ، كما ظل «عماد» مصممًا على الزواج منها رغم أنها كفيفة ، ولم يهتما بالأفكار الشائعة القديمة .. « وهكذ تقدم القصص المصرية الحديثة والمعاصرة للأطفال ، نماذج إنسانية حية لشخصيات من الفتيات والسيدات ، إيجابيات ، لهن مشاعر وأحاسيس وطموحات ، وأدوار فى الحياة لا تقل عن أدوار الرجل ، وقد استفدن من قدراتهن إلى أقصى درجة ، لتحقيق نوع من المساواة بين حقوق المرأة وحقوق الرجل .