الزيارة التي قام بها الرئيس فلاديمير بوتين لاسرائيل ولم تستغرق اكثر من يوم واحد اثارت الكثير من الدهشة والاحتجاج تجاه ما تضمنته من زيارة لحائط المبكي وللحفائر الاسرائيلية تحت المسجد الاقصي .. وتصريحات تقول ان التاريخ اليهودي محفور في حجارة القدس. وبغض النظر عن هذه التصريحات التي قد يأخذها البعض علي محمل المجاملات فان ما دار في مباحثاته مع نتانياهو يستحق الكثير من التامل في ابعاده ونتائجه المستقبلية من منظور جدلية العلاقة بين روسيا والعديد من بلدان المنطقة. الساعات القلائل التي قضاها بوتين في اسرائيل كانت اكبر كثيرا وأبعد مدي من اختزالها في تصريحات حول يهودية احجار القدس او اعتماره بالقلنسوة اليهودية وجولته بين الحفائر الاسرائيلية تحت المسجد الاقصي, لما تضمنته من دلالات وتصريحات كشفت عن الكثير من التوجهات. وكان كثيرون من العرب والفلسطينيين تناولوا ما قاله بوتين في اعقاب تأديته لبعض الشعائر علي مقربة من حائط البراق( المبكي) علي اعتبار انه اهانة للعرب وتراثهم وتجاهل لحقائق تاريخية تقول ان حائط البراق وقف ومعلم إسلامي خالص وجزء لا يتجزأ من المسجد الأقصي المبارك, ولا حق لغير المسلمين في هذا الحائط أو في المسجد الأقصي المبارك,وكل الوثائق الدولية تؤكد إسلامية حائط البراق ومنها لجنة شو البريطانية حسب تصريحات مؤسسة الاقصي للوقف والتراث.ومن اللافت ان زيارة الرئيس بوتين لحائط البراق وتعمد مرافقيه ان تشمل الزيارة تفقده للسراديب والحفريات الاسرائيلية تحت المسجد الاقصي جاءا قبيل زيارته للاراضي الفلسطينية والتي احتفل فيها مع مضيفيه من الفلسطينيين باطلاق اسمه علي احد شوارع بيت لحم بعد ان كانوا سبق واحتفلوا مع سلفه دميتري ميدفيديف باطلاق اسمه علي احد شوارع رام الله في العام الماضي. وتعليقا علي تخليد اسمه وهو لا يزال علي قيد الحياة قال بوتين في حديثه الي الصحفيين الروس انه فوجئ بهذا القرار الذي لم يناقشه احد فيه وانه شعر بالحرج حين اعلنوه بذلك ولكنه لم يكن ليستطيع الاعتراض خوفا من اغضاب مضيفيه,مؤكدا ان الاصرار علي رفض هذه المجاملات يمكن ان يبدو بمثابة الاهانة لاخرين, وهو ما اعتبره الكثيرون مجاملة تبدو علي طرفي نقيض مما قاله خلال زيارته لحائط المبكي. وبعيدا عن هذا الشق من الزيارة الذي يمكن ادراجه تحت بند المجاملات التي تعوزها الحصافة, نتوقف عند اصرار الجانبين الاسرائيلي والروسي علي تكرار الاشارة الي عدد من الوقائع التاريخية ومنها وقوف الاتحاد السوفييتي وراء تأسيس اسرائيل ومبادرة الاعتراف بها, الي جانب تواصل هجرة اليهود وغير اليهود من بلدان الاتحاد السوفييتي السابق وروسيا الحديثة اليها ليكونوا الاكثر عدوانية ضد العرب ورفضا للسلام في المنطقة.وكان الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز استهل كلمته التي القاها ترحيبا ببوتين في نتانيا علي شاطئ المتوسط لدي افتتاح النصب التذكاري لشهداء الجيش الاحمر في الحرب العالمية الثانية بقوله ان خمسة من وزراء الحكومة الاسرائيلية الحالية من المهاجرين السوفييت فضلا عما يزيد علي المليون ونصف المليون سوفييتي هاجروا الي اسرائيل ويساهمون اليوم في دعم وتطوير مؤسساتها العلمية والعسكرية. وكان بوتين بحث خلال زيارته الي مكتب نتانياهو في القدس المسائل المتعلقة بتطوير التعاون بين البلدين في مجالات الفضاء والصناعات العسكرية المشتركة الي جانب ما سبق وتوصل اليه الجانبان من مشاريع تعاون في مجال تكنولوجيا النانو واستثمار مكامن النفط والغاز في مياه البحر المتوسط بما لا يكفل وحسب سد حاجة إسرائيل الداخلية وحسب, بل ويضعها ضمن قائمة البلدان المرشحة لتصدير الغاز حسب تصريحات ستانيسلاف تسيجانكوف مدير قسم النشاط الاقتصادي الخارجي في غازبروم اكبر مؤسسات الغاز في العالم.وكان نتانياهو قد صارح بوتين بمخاوفه من احتمالات تطور الاوضاع في كل من ايران وسوريا وطالبه بالضغط علي طهران لاقناعها بالتوقف عن تخصيب اليورانيوم عالي المستوي ونقل ما قامت بتخصيبه من هذا اليورانيوم الي الخارج واغلاق منشأة فوردو علي مقربة من مدينة قم الايرانية. وحول الشأن السوري اعرب نتانياهو عن مخاوفه من استمرار تسليح سوريا باحدث المضادات الصاروخية واحتمالات وقوع ما تملكه من اسلحة في ايدي المتطرفين في حال اضطرار نظام الاسد الي الرحيل.اما عن السلام وتحقيق التسوية الشاملة في الشرق الاوسط فلم تسجل الزيارة والمباحثات تقدما يذكر منذ طرح خلال زيارته السابقة لاسرائيل في عام2005 فكرته حول عقد مؤتمر سلام في موسكو كانت اسرائيل العقبة الرئيسية علي طريق انعقاده.ومن اللافت بهذا الصدد ان بوتين حرص خلال تناول هذه الموضوعات في لقائه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعد ساعات من مباحثاته مع نتانياهو علي تأكيد ضرورة عدم التسرع في اتخاذ اية خطوات احادية الجانب في اشارة علي ما يبدو الي اصرار الفلسطينيين علي اعلان دولتهم بموجب ما تقدموا به من مطالب الي مجلس الامن والجمعية العامة للامم المتحدة. وثمة من يقول ان هذا التصريح جاء استجابة لرغبة اسرائيلية تعكس حقيقة سياسات نتانياهو الرافضة لتنفيذ كل ما جري الاتفاق بشأنه مع الفلسطينيين وبما قد يعيد الي الاذهان ما سبق وقاله الرئيس الامريكي السابق بيل كلينتون حول ان الاسرائيليين المنحدرين من اصول سوفيتية هم العقبة الرئيسية علي طريق عملية السلام. وكان كلينتون قالان رئيس وكالة سوخنوت اليهودية شارانسكي رفض توقيع مسودة اتفاقية السلام مع الفلسطينيين في عام2000 عندما كان وزيرا إسرائيليا, مفسرا رفضه بأنه أتي من أكبر دولة في العالم إلي أصغر بلد ولهذا فإنه لا يستطيع سلخ نصف بلده.ولعله من المناسب ايضا في هذا الصدد استعادة ما سبق وقاله لنا الرئيس السوفييتي السابق ميخائيل جورباتشوف حول ان قراره حول السماح بهجرة اليهود الي اسرائيل واستئناف العلاقات الدبلوماسية معها سيساهمان في سرعة التوصل الي التسوية السلمية المنشودة وانهاء النزاع العربي الاسرائيلي.... ويالها من احلام ليلة صيف لا تنتهي منذ غروب شمس الرابع عشر من مايو عام.1948