فى الثامن من مارس يحتفل العالم باليوم العالمى للمرأة ومن المفترض أن مصر أيضا أطلقت عام 2017 ليكون عاما للمرأة وهو من المفارقات المبكية _ المضحكة خصوصا انه فى هذا الوقت نشهد تراجعا كبيرا فى مكانة المرأة بدء من الممارسات فى الشارع وصولا إلى حجم العنف الذى يمارس ضدها . السينما طوال تاريخها كانت ترمومتر بشكل أو بآخر لصورة المرأة وذلك من حيث تواجد المرأة فى السينما او الصورة التى تعالجها السينما وتقدمها لنماذج نسائية مختلفة سواء المرأة العاملة أو المقهورة او تلك المعيلة والمسئولة عن أسرتها بالكامل، أو الموظفة الكادحة وغيرهن من النماذج التى قدمتها السينما وناقشتها، ولا يستطيع أحد من المتابعين للسينما أن ينكر أن هناك مخرجين رجالا قدموا نماذج نسائية شديدة الإشراق وتحتفى بالمرأة أكثر من مخرجات نساء اكتفين بتقديم نموذج المرأة الباحثة عن الحب . ........................................................................كيف اقتحمت المرأة المصرية السينما؟ كانت العشرينيات من القرن الماضى فترة مليئة بالمد الثورى والرغبة فى التحرر من وطأة الاستعمار، ولم تتردد المرأة المصرية التى كانت ترتدى اليشمك فى هذه الفترة أن تخرج جنبا الى جنب بجوار الرجل فى مظاهرات 1919، وما تبع ذلك من دعوات قاسم أمين لتحرر المرأة وبالطبع كانت هناك نماذج لسيدات احتككن بالثقافة الأوروبية ورغبن فى التحقق والتواجد رغم الظروف الاجتماعية القاهرة لهن ، لذلك لم يكن غريبًا عليها أن تقف مع الرجل فى مهنة الإخراج. ومن خلال الباحثين والراصدين لتاريخ السينما المصرية سنجد أن قائمة المخرجات العاملات فى السينما ضمت فى تلك الفترة أكثر من 12 مخرجة ابتداء من عزيزة أمير (1901) التى أخرجت فيلمين هما «بنت النيل» و «كفرى عن خطيئتك»، وعبرت فيهما عن قوة التقاليد والقهر الاجتماعى الذى تعانيه المرأة، وصولًا إلى أمينة محمد وفاطمة رشدى وبهيجة حافظ. من عزيزة أمير لآسيا داغر وأسست «عزيزة أمير» شركة إنتاجها والتى أطلقت عليها اسم «إيزيس» وهى أول سيدة مصرية اقتحمت مجال الانتاج ولم تلتفت لما كان يقال إن هذا هو مجال للرجال فقط ، وقدمت فيلمها الصامت «ليلي» من إنتاجها وبطولتها ويعتبر أول فيلم عربى يعرض فى السينما نجاح «أمير» فى السينما فتح الطريق أمام غيرها لاقتحام هذا المجال الذى كان جديداً وغريباً وقتها على المرأة فدخلت إلى دائرة الإنتاج كل من «فاطمة رشدي» و«آسيا داغر». «بنت النيل» هو الفيلم الثانى ل«عزيزة أمير» من إخراج «عمر وصفي» وبطولة كل من «عزيزة أمير» و«عباس فارس» و«أحمد علام» و«حسن البارودي». وفى بداية الثلاثينيات قامت بإنتاج فيلمها الثالث بعنوان (كفرى عن خطيئتك) بطولة «توفيق المردنلي» و«زكى رستم» و«زينب صدقي» والذى تكبدت فيه خسائر كبيرة ليس لشيء سوى أنه فيلم صامت تم عرضه فى ظل منافسة من الأفلام الناطقة. هذه الخسارة كانت سبباً وراء توقف «عزيزة أمير» عن الإنتاج لفترة ظلت فيها تراقب تطور الحركة السينمائية.. وفى عام 1939عادت «عزيزة أمير» مرة أخرى إلى السينما من خلال إنتاج وتمثيل فيلم «بياعة التفاح» أول أفلامها الناطقة، عن قصة من تأليفها، وساعدها فى كتابة السيناريو المخرج «حسين فوزي» الذى أسندت إليه مهمة إخراج الفيلم، وكان الفيلم بداية الانطلاق ل«محمود ذوالفقار» واستمرت عزيزة أمير فى الإنتاج فأنتجت 25 فيلما من ضمنها فيلم «الورشة» عام 1940 ثم فيلم «ابن البلد» عام 1942 وختمت مشوارها الفنى بإنتاج فيلم (خدعنى أبي) عام 1951 .وكما اشتهرت «عزيزة أمير» بأنها رائدة السينما المصرية جاءت «ألماظه بطرس داغر» والتى عرفت باسم «آسيا داغر» لتكون رائدة الأفلام التاريخية فى مصر والوطن العربي، وتعد ثانى منتجة سينمائية بعد «عزيزة أمير» واستمرت فى الإنتاج لسنوات طويلة خاصةً بعد توقف شركات «إبراهيم وبدر لاما» و«عزيزة أمير»، وأصبحت شركتها (لوتس فيلم) التى أسستها فى عام 1927 هى من اقدم وأكثر شركات الانتاج رسوخا وانجازا . السبعينيات وتراجع عدد المخرجات لكن شيئًا فشيئا راح عدد النساء المخرجات يتقلص، وقد تكون السبعينيات هى الفترة الأكثر تراجعا فى تاريخ المرأة -المخرجة، حيث اكتفت النساء العاملات فى السينما بالتمثيل والإنتاج (آسيا ومارى كويني) أو العمل فى غرفة المونتاج (رشيدة عبدالسلام ونادية شكري) إلى أن ظهرت المخرجة نادية حمزة وقدمت فى الثمانينيات عشرة أفلام تحمل اسم «النساء». وبغض النظر عن التقييم النقدى لتجارب نادية حمزة فهى من القليلات اللواتى دافعن بقوة عن قضايا المرأة، وإن كانت المعالجات تتم غالبا فى شكل ميلودرامي، ومن أفلامها «النساء» (1985)، «نساء خلف القضبان» (1986)، «حقد المرأة» و «القانون امرأة للأسف» (1988)... وفى تلك الفترة أخرجت نادية سالم فيلما بعنوان «بواب العمارة»، وقدمت المخرجة الراحلة أسماء البكرى - التى تخرجت من مدرسة يوسف شاهين - فى أفلامها نماذج للمرأة المقهورة ضحية الظروف من القهر الذكورى لقسوة المجتمع. المخرجة الاكثر إثارة للجدل ثم كان الظهور القوى للمخرجة الأكثر جدلا فى السينما المصرية وهى «إيناس الدغيدي» التى عملت لفترة كمساعد مخرج لمجموعة من أهم المخرجين فى السينما المصرية مثل صلاح أبو سيف، حسن الإمام، بركات، كمال الشيخ وأشرف فهمي. بدايات الدغيدى مع الإخراج كانت من خلال فيلم «عفوا أيها القانون» (عام 1985) وتوالت الأعمال من «امرأة من زمن الممنوع» و«لحم رخيص». و رغم بداية إيناس الدغيدى القوية، إلا أنها أصبحت تستسلم لقوانين السوق السينمائى وتعمل على زيادة المشاهد الجريئة فى أفلامها، من خلال معالجة سطحية لقضايا مهمة، قدمتها فى أفلام مثل «دانتيللا»، «كلام الليل»، «مذكرات مراهقة»، و«الباحثات عن الحرية». ورغم الاختلاف حول القيمة الفنية لأعمال إيناس الدغيدى فستظل بجرأتها وآرائها حالة خاصة بين المخرجات فى السينما العربية. وواضح أن نموذج المخرجة إيناس الدغيدي، تلك المرأة المثيرة للجدل صاحبة الشخصية القوية، أصبح بمثابة «البعبع» الذى يخيف منتجى السينما المصرية، والدليل على ذلك هو أن «الدغيدي» كانت هى المنتجة لكل أفلامها.. قبل أن تتوقف وتكتفى بأن تصبح فقرة ثابتة فى البرامج التى يرغب مقدميها فى اثارة الجدل أو لفت الانتباه. الفن فى حد ذاته يعكس تلك الصورة بشكل أو بآخر، فالمرأة المصرية التى كانت سباقة للعمل فى مجال الإبداع ووقفت جنبا إلى جنب بجوار الرجل، ونافسته، أصبحت الآن تعانى تراجعًا فى عدد العاملات فى مهنة الإخراج والإنتاج، وذلك قياسًا إلى الدول العربية التى تشهد سنويًا زيادة فى أعدادهن، ورغم أن هناك عددا معقولا من خريجات المعهد العالى للسينما واللاتى يقدمن تجارب مبشرة، إلا أن استمرارية المرأة فى مجال الإخراج والإنتاج، بات مشكلة حقيقية فى ظل تردى الوضع الاجتماعى . التسعينيات تخلو من المرأة إلا قليلا أما فى منتصف التسعينيات وبعد النجاح الذى حققه فيلم «إسماعيلية رايح جاي» فأصبح عمل المرأة فى مهنة الإخراج السينمائى ضربا من الخيال خصوصا مع سيطرة «النجم» والفكر المحافظ وظهور مسميات مثل السينما النظيفة وفن الأسرة، رغم وجود الكثير من الموهوبات ممن تخرجن من المعهد العالى للسينما فى تلك الفترة ومنهم ساندرا نشأت، التى قدمت مشروع تخرج لفت إليها الأنظار بعنوان «آخر شقاء»، ثم عملت مساعدة للمخرج سمير سيف فى فيلميه «المولد» و «الراقصة والسياسي» ومساعدة للمخرج يسرى نصر الله فى فيلمه «مرسيدس» وقدمت فيلما ً تسجيليا عن المونتير الأشهر والأهم فى السينما المصرية كمال أبو العلا فى عام 1998 أنجزت نشأت فيلمها الروائى الطويل الأول «مبروك وبلبل» الذى نالت عنه جائزة أفضل إخراج فى مهرجان الإسكندرية، ثم توالت تجاربها الإخراجية، والتى تنتمى كلها إلى السينما التجارية، لذلك تختلف تجربة ساندرا عن سابقتها فى مسألة اهتمامها بقضايا المرأة، إذ يمكن أن نطلق عليها اسم «مخرجة استوديو» كون همها طرح نفسها فى السوق السينمائية عن طريق تقديم ألوان سينمائية مختلفة، مثل الرومانسى والكوميدى والأكشن، كما ظهر فى أفلامها «حرامية فى كى جى تو»، «ليه خلتنى أحبك»، «حرامية فى تايلاند»، «ملاكى اسكندرية،والمصلحة. أما المخرجة هالة خليل - والتى تخرجت أيضا من المعهد العالى للسينما فى التسعينيات - لم تحصل على فرصة إخراج عملها الأول إلا بصعوبة شديدة خصوصا أن هالة كانت تصر على تقديم عمل سينمائى مختلف عما تشهده السوق السينمائية تماما مثلما جاء فيلمها الروائى المتوسط «طيرى يا طيارة» وهو من أجمل الأفلام التى تتناول المشاعر النسائية فى مرحلة المراهقة، ثم كان لها ما تريد سنة 2003 حين انجزت فيلم «أحلى الأوقات» مع المنتج محمد العدل، وهو الفيلم الذى لاقى نجاحًا جماهيريا ونقديًا وحصد الكثير من الجوائز فى المهرجانات المصرية والعربية، وتركز هالة خليل على المرأة فى أفلامها، وتحديدا على المشاعر التى تبدو بسيطة لكنها فى الحقيقة أكثر تعقيدا من سواها من المشاعر، وهذا ما سيتضح فى فيلمها الثانى «قص ولزق. وصولا الى آخر أفلامها «نوارة «والذى حصدت عنه النجمة «منة شلبى «على جائزة أحسن ممثلة من مهرجان دبى السينمائى اضافة الى جوائز أخرى من مهرجانات عربية. أما المخرجة الثالثة والتى لمعت منذ مشروع تخرجها وفيلمها الروائى القصير «قطار السادسة والنصف» فهى كاملة أبو ذكري، التى قدمت حتى الآن ثلاث تجارب، أولها «سنة أولى نصب»، والذى كان فيلما تجاريا عملت من خلاله كاملة على طرح اسمها كمخرجة متميزة تملك أدواتها الفنية فى السوق السينمائية، ومن بعده قدمت فيلمها الأكثر تماسكا «ملك وكتابة» الذى حصد بعض الجوائز فى مهرجان الاسكندرية وغيره، ثم جاء فيلمها «العشق والهوي» ، و فيلمها المميز والذى مثل مصر فى الكثير من المحافل الدولية «واحد صفر»، وفى 2016 قدمت «يوم للستات».. وتتواجد كاملة فى الدراما التليفزيونية بشكل مستمر. ورغم أن هناك العديد من المخرجات اللواتى يعملن كمساعدات للإخراج أو أتيح لهن تقديم مشاريع أفلام قصيرة أو تجارب روائية أولى تم إنتاجها من خلال ميزانيات متوسطة وتنتمى أفلامهن إلى ما يعرف بالسينما المختلفة إلا أنهن مازلن يقفن فى طابور الانتظار ويحلمن بتجاربهن الجديدة مثل هالة جلال وهالة لطفى ونوارة مراد و نادين خان ومريم أبو عوف وغادة سليم وإيمان حداد وغيرهن كثيرات. .وبالطبع تشهد الدراما التليفزيونية تواجدا أكبر للمرأة المخرجة .