انتهى الشوط الصعب من لعبة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان المفضلة لإشباع شهوته نحو السلطة بتمرير تعديلاته الدستورية لتوسيع صلاحياته عبر البرلمان فى 21 يناير الماضى والدعوة إلي استفتاء شعبى عليها فى 16 أبريل المقبل .. وحان الوقت الآن لبداية الشوط الثاني - ولعله يكون الأخير، ودون الحاجة إلى أشواط إضافية - في سيناريو السلطان العثمانى الجديد لينعم بالحكم وتحويله من النظام البرلماني إلى الرئاسي غير مكتفٍ ب14 عاما متصلة فى بؤرة الضوء. وجاءت ضربة البداية انطلاقا من المحطات الأوروبية لاستقطاب الجاليات التركية فى الخارج والتأثير على قرارهم بشأن الاستفتاء المصيرى .. ومع إعلان أردوغان اعتزامه الترويج لتعديلاته «المُفصّلة» خلال جولته الأوروبية الأخيرة، كانت الأصوات المعارضة فى صدارة المشهد وخصوصا فى فيينا عندما أعلن وزير خارجية النمسا، سيباستيان كورتس أن بلاده لا ترحب بزيارة الرئيس التركي في إطار حملته للاستفتاء حول الدستور، وقال كورتس صراحة : «بإمكانه أن يأتي إلى أوروبا والنمسا في زيارات رسمية ثنائية، لكن ليس لتصدير الحملة الانتخابية التركية إلينا»، مما يعنى أن ثمة مخاوف تنتاب الحكومة النمساوية من عواقب زيارة أردوغان في تعميق حالة التوتر والانشقاقات داخل الجالية التركية في البلاد، البالغ عددها نحو 360 ألف شخص. وإذا كانت النمسا من أبرز معارضي انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وتتسم مواقفها حيال هذه القضية، بالتشدد والحدّة، على مدى أكثر من 10 أعوام، فالموقف الألمانى الأكثر مرونة نسبيا، والمرحب بإقامة شراكة مميزة بين تركيا والقارة البيضاء دون التلويح بالعضوية الكاملة لم يمنع الحكومة الألمانية من اتباع اللهجة التحذيرية نفسها لإقصاء أردوغان عن محاولاته لكسب تأييد أتراك المهجر باعتبار ألمانيا تضم أكبر الجاليات التركية في العالم، بينما عبر سياسيون ألمان عن رفضهم الظهور العلني لأردوغان ولقاءاته الجماهيرية في البلاد. وسارع الألمان بتنبيه أردوغان بمجرد أن تحرك رئيس الوزراء التركى وساعده الأيمن بن على يلدريم وقاد مظاهرة حشد وتأييد أمام آلاف الأشخاص منذ أسبوع في مدينة أوبرهازون الألمانية بهدف الترويج للتعديل الدستوري، بما لا يدع مجالا للشك أن الآلة الدعائية التركية تسعي بقوة وإصرار لنشر أسلحتها فى شوارع أوروبا بحثا عن تذكرة العبور لدستور أردوغان، وذلك بعد أن شهد الشوط الأول من المباراة تعبئة الشارع التركى فى الداخل للتصويت ب «نعم» على الاستفتاء وسط معارضة تتمسك حتى هذه اللحظة بأمل أن يتفهم الشعب ويعي حيل وألاعيب الرئيس التركى للسيطرة على الحكم منفردا، بينما سيارات الشرطة والأمن تجوب العاصمة أنقرة والمدن المجاورة للضغط على الناخب وترغيبه - أو بالأحرى ترهيبه - ليوقع لأردوغان وجماعته علي «صك» ملكية كرسي الرئاسة! إذن، من الواضح أن خطة أردوغان لاستغلال منصة أوروبا في الدعاية للتصويت ب »نعم« تم وأدها، وهو ما قد يؤثر بشكل أو بآخر على سير ونتائج استفتاء الدستور الذي سيرسخ سلطاته أكثر وأكثر.