لغتنا يسر لا عسر، ونحن نملكها كما كان القدماء يملكونها، ولنا أن نضيف إليها ما نحتاج إليه من ألفاظ لم تكن مستعملة فى العصر القديم . كلمات قالها عميد الأدب العربى دكتور طه حسين يصف بها هذه اللغة السلسة السمحة الجميلة بمفرداتها وسياقاتها وثراء صورها وتراكيبها، وهى أيضا الجميلة بشعرها ونثرها وأدائها اليومى كما يراها الدكتور عبدالله التطاوى أستاذ الأدب العربى. ومع كل هذا فماذا فعلنا لها فى يومها العالمى الذى مر صامتا كاسفا لم يحفل به أحد ماذا فعلنا فيما نحن ماضون فى تدريسها لأبنائنا وكأنها »النحو« فقط واسم ان وخبر كان ونائب الفاعل والمبنى للمجهول، متناسين أو ربما ناسين أن هناك مستويات ستة للغة ربما لا يعرفها معظمنا هى المستوى الصوتى والمستوى الصرفى والمستوى النحوى والمستوى المعجمى ثم المستوى الإملائي وأخيرا المستوى الوظيفى. ففى المستوى الصوتى مثلا يقول الدكتور عرفة عباس فى كتابه عن اللغة العربية الصحيحة إن سلامة الصوت ضرورة لصحة النطق وما يستتبعه من سلامة الحروف وما يستلزمه من وضوح الألفاظ وصحة دلالتها على معانيها المرادة، فى حين يعمد علم الصرف وهو المستوى الثاني الى تتبع التغيرات الحادثة فى ألفاظ الكلمات كى يتغير لأجلها المعنى سواء بالزيادة أو بالنقص، فالصرف اذا هو علم توليد الكلمات فى اللغة واشتقاقها لتكبيرها وإنمائها فتفى بحاجة المتحدث، وفى المستوى النحوى فإن النحو هو العلم الذى يهتم بدراسة الجملة العربية وأحكامها وقواعد تركيبها والعوامل النحوية الداخلة عليها وأقسامها وإعرابها لأن الاعراب السليم للجمل العربية هو الذى يصل بنا إلى فهم المراد، ولن يتحقق الاعراب السليم إلا بتصور بناء الجملة، كذلك فإن المعاجم فى المستوى المعجمى تفيد فى ضبط حروف المفردات ليسهل نطقها نطقا سليما، كما تتضح الأخطاء اللغوية الشائعة وقد استقرت فى واقعنا اللغوي المعاصر وهى على خلاف الصواب والأمثلة فى لغتنا كثيرة تحول فيها الخطأ إلى صواب. ثم نأتى إلى آخر المستويات فى لغة عربية صحيحة وهو المستوى الإملائي الذى يهتم بدراسة قواعد الإملاء والخط وعلامات الترقيم الصحيحة شرطا لتأدية المعنى بصورة سليمة لا لَبْس ولا غموض فيها. لغتنا هى كل هذا وأكثر لأنها الإبداع وتفوقها على نفسها فى كل لحظة منه. ان أوجب واجب علينا أن نهتم به الآن هو أن نرعى مشروعا شاملا وقويًّا لتجديد المناهج اللغوية لهذه اللغة التى يحميها خالقها فى حين نصر نحن عامدين على تشويه صورتها- أم أنه مجرد الاهمال- وهى لغة القرآن الكريم بينما من يقومون بتدريسها مازالوا لا يدركون أنهم من طريقتهم فى تدريسها يحولون هذه اللغة السمحة الضحية فى أيديهم كاللغة المعقدة كاللوغاريتمات فتكون النتيجة هى كراهة أبنائنا الدارسين لها. لم نفكر يوما فيما يبدو فى فلسفة اللغة التى حولناها من اليسر إلى العسر على ألسنة بعض إعلاميينا ومسئولينا فيما يقعون فيه من أخطاء فادحة وفاضحة. كيف اذا نعيد للغتنا الشريفة وجاهتها وقوتها وتفوقها فربما نعود كما كنا منتجى ثقافة ولسنا مستهلكيها وعلينا أن ننظر حولنا لنرى كيف تحترم شعوب العالم لغتها.. فى اليابان مثلا يدرس الطفل فيها ست سنوات لغته الأم ثم يبدأ بعدها فى التطلع الى ما حوله من لغات العالم، والأمثلة من دول العالم كثيرة حتى إن بعض الشعوب ترفض أن تحادث الأغراب من غير أبناء لغتهم بغيرها مهما كانوا يعرفون من غير لغات العالم. هل فكرنا يوما فى أن نعيد إلى مدارسنا يوما نظام كتاتيب تحفيظ القرآن بدلا من رياض الأطفال التى يدرس فيها أطفالنا لغة أجنبية بدلا من لغتنا العربية؟ وهل هذا يفسر سرا من أسرار تفوق آبائنا وأجدادنا فى لغتنا التى لا نكاد نعرفها؟ وهل نسأل التاريخ كيف فرضت لغتنا فى فترة من فترات قوتنا نفسها عندما أصر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عام 1960 على إلقاء خطاب مصر فى الجمعية العامة للأمم المتحدة باللغة العربية ودعا العالم العربى كله إلى الاشتراك فى تأسيس المكتب العربى فى الأممالمتحدة لمدة ثلاث سنوات يدفعون خلالها تكاليف إقامة هذا المكتب وبعدها وبعد انتصار اكتوبر 1973 اعتمدت الجمعية العمومية لهيئة الأممالمتحدة يوم 18 ديسمبر فى نفس العام اللغة العربية لغة عمل رسمية لتكون احدى ست لغات تعمل بها الأممالمتحدة هى العربية والإنجليزية والفرنسية والصينية والروسية والإسبانية؟ وكيف سيكون موقفنا اذا علمنا أن لغتنا العربية الآن يتكلم بها 422 مليونا بمن فيهم الوطن العربى والأهواز وتشاد واريتريا ومالى والسنغال وعرب اسرائيل والصومال ومسلمو تركيا، وماذا اذا زدنا على ذلك أن عددا كبيرا من لغات العالم قد تأثرت باللغة العربية فأخذت من مفرداتها مثل اللغة التركية والفارسية والكردية والأردية والماليزية والإندونيسية والألبانية اضافة الى السواحلية ولغة الهوسا، أما فى منطقة البحر المتوسط فقد تأثرت اللغات الاسبانية والبرتغالية والمالطية والصقلية بلغتنا. ان لغتنا هى هويتنا وهى نحن من نفكر ونتكلم بها وهى التى تميزنا عما سوانا. لمزيد من مقالات سامى فريد