الأخلاق قوة، ليست ضعفا، كما يُشاع. عديمو الأخلاق هم من يعتبرونها كذلك. جرِّب تطبيق المبدأ الأخلاقي، في كل موقف؛ ستجده يمدك بطاقة نفسية ومادية هائلة. انظر إلى أمور مثل: العفو عند المقدرة، وكظم الغيظ عند الغضب، والأمانة عند الاستيداع، والاستعفاف عند الاستهواء، والتعفف عند تيسُّر الحرام.. واحمد الله أنك من أهل الالتزام بالأخلاق في حياتهم. في العالم اليوم ينام ملايين البشر، ويستيقظون، على كتب التعاليم غير الأخلاقية، التي تقول لهم إن الغاية تبرر الوسيلة، أو إن القوة فوق الحق، أو إن السوط يغلب العدل، أو إنه بالظلم يُساس الناس، أو أنك إذا أجَعت كلبك تَبِعك، وإذا حَبِسته خضع لك. وهلم جرا من المبادئ الفاسدة، والأقوال الساقطة، التي غزت، بكل أسف، مجالات الإعلام، وميادين السياسة، ومعاقل الاقتصاد، وحتى بيوت الأغنياء والبسطاء، فضلا عن رؤسائهم وقادتهم، وربما علمائهم ووعاظهم. لقد جربتُ أن ألتزم بالمبدأ الأخلاقي في أكثر من موقف، فما وجدت أعظم، ولا أروع، من أن يستمسك المرء بذلك المبدء.. إنه أمر يبعث على النفس شعورا بالراحة والسكينة، ويمنحك إحساسا بالقوة والسيطرة، ويُعطيك بالفعل حياة مضاعفة. أما أثر تعاملك بالأخلاق على من تتعاملُ معهم، فهو أمر يستحق التقدير والمتابعة. ابتسمة حُلوة على وجه برئ، أو إدخال للعدل في حياة مظلوم، أو تلبية حاجة فقير من نال أو غذاء. لقد لخص الشاعر أبو الفتح البستي ذلك بقوله: "أحسِنْ إلى النّاسِ تَستَعبِدْ قُلوبَهُمُ.. فطالَما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ". والأمر هكذا، رفع الإسلام مكانة الأخلاق إلى حد أنه قرنها بتوحيده سبحانه وتعالى، وجعلها أيسر الطرق، وأقصرها إلى الجنة، وأثقلها في ميزان العبد يوم القيامة. فأمة الإسلام هي أمة الأخلاق، وكم من دول فُتحت، وقلوب اهتدت، وبيوت صلُحت، بتأثير أخلاق الإسلام، وتعامل المسلمين به، حتى مع أعدائهم. وانظر إلى هذا التعامل الأخلاقي، من قِبَل النبي يوسف، عليه السلام، لما قالت له امرأة العزيز: "هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ". (يوسف: 23). والمراد بربه، وفق العلماء، هو: سيده، أي زوجها، الذي اشتراه من مصر، وقال لها: "أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا". (يوسف:21). لقد رعا يوسف، عليه السلام، حق الله، وحق المخلوقين، ودفع الشر بالتي هي أحسن، وقال: "متى أفسدت امرأته كنت ظالمًا بكل حال، وليس هذا جزاء إحسانه إلي". لكن ماذا يفعل المرء إذا ابتلي بأخلاقه السيئة أو القبيحة؟ يجيب "أبو حامد الغزالي" في "إحياء علوم الدين" بالقول: "لو لم يكن ممكناً (تغيير الأخلاق) لما أُمر به، ولو امتنع ذلك لبطلت الوصايا والمواعظ والترغيب والترهيب، فإن الأفعال نتائج الأخلاق"، داعيا إلى الاعتدال فيها باعتبارها "صحة النفس". ويكفي في بيان مكانة الخُلُق العظيم في الإسلام، أن شهد الله تعالى، لنبيه محمد، صلى الله عليه وسلم، بأنه على أتمها وأكملها, وذلك أدب القرآن الذي أدّبه الله به. فقال: "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُق عَظِيمٍ". (القلم: 4). وقد تمثل محمد، صلى الله عليه وسلم، أخلاق الإسلام، حتى أصبح قرآنا يمشي على الأرض. عن قتادة، قال: "سألتُ عائشة عن خُلُقَ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقالت: "كان خُلُقه القرآن". وعند مسلم من حديثها أيضا: "كان خُلُقه القرآن، يغضب لغضبه، ويرضى لرضاه". ولهذا كان حسن الخُلُق مطلبا نبويا يدعو به الرسول، ربَه، فيقول: "اللهم كما حسنت خَلْقي فحسن خُلُقي". (أحمد وصححه ابن حبان). ويدعو أيضا فيقول: "اللهم اهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها.. لا يصرف عني سيئها إلا أنت" (مسلم). وبجانب لزومه إياها، ودعائه بها، أوضح الرسول، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مكانة الأخلاق في رسالته، فقال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".(صححه الألباني). ورغَّب أصحابه في أن يستمسكوا بها. فعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُق، وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُق لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ، وَالصَّلَاةِ". (رواه الترمذي وصححه الألباني). [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد;