استهل الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» الشهر الثاني لولايته بتعيين مستشار جديد للأمن القومي وتأكيد التزامه بتحقيق وعوده الانتخابية بإصدارعدد من قرارات رئاسية تنفيذية وأعلن بأن مؤيديه هم الذين يشكلون مستقبل الحزب الجمهوري.. كما انه واصل هجومه الشرس والعنيف على الصحافة والاعلام.. ذاكرا أن «الميديا» (الصحافة وغيرها) بما «تفبركه» من أنباء تعد «عدو الشعب الأمريكي». على أساس أن وسائل الاعلام لازالت لا تريد أن ترى الإنجازات والوعود التي يحققها الرئيس وإدارته وانها مصرة على «نشر الأكاذيب» و»الأخبار المفبركة». ثم جاء «ترامب» بخططه وتصوراته مساء الثلاثاء إلى الكونجرس أمام مجلسى الشيوخ والنواب ليتحدث الى الشعب مباشرة. ويظهر «ترامب» تحديه لمعارضيه بينما تسعى إدارته وبالتشاور مع الكونجرس لدفع أجندة «ترامب» الانتخابية فيما يخص التعامل مع ملفات المهاجرين غير الشرعيين وخفض الضرائب وإلغاء القوانين المقيدة للصناعات والمنتجات الأمريكية بالإضافة إلى محاربة الإرهاب. وقد ذكرت وزارة الدفاع أن قادتها قدموا للبيت الأبيض خطة للقضاء على داعش والقاعدة وغيرها من الجماعات الارهابية لا تقتصر الحرب فيها على العراق وسوريا. كما أن هذه الخطة تشمل بجانب الأساليب العسكرية الطرق الدبلوماسية والمالية والاستخبارية والسيبرية لمواجهة الارهاب والقضاء عليه. من جهة أخرى ما لفت انتباه الدوائر الأمريكية في الأيام الأخيرة اشتداد الحملة الأمنية على امتداد الولايات لمطاردة المهاجرين غير الشرعيين واعتقالهم وترحيلهم. وذكر «ستيفن ميللر» كبير مستشاري «ترامب» والذي يكتب خطبه وخطط تحركاته السياسية أن القرار الخاص بحظر السفر لمواطني 7 دول اسلامية سيعود قريبا وأن ما يجري حاليا هو اعادة صياغته بحيث يتجاوز العوائق القانونية التي تعرقل تنفيذه. وأشار الي أن القانون الجديد من حيث مضمونه والهدف المراد تحقيقه لا يختلف عما تم الإعلان عنه من قبل وأثار ضجة كبرى وبالتالي تم تعليقه. ولم يعد سرا أن «ستيف بانون» المستشار الاستراتيجي ل «ترامب» ومعه «ستيفن ميللر» يمثلان التشدد اليميني الايدولوجي في البيت الأبيض. «بانون» في لقائه بمؤتمر للمحافظين من الجمهوريين منذ أسبوع شدد على أن الهدف الرئيسي للادارة هو سعيها الى ما يمكن تسميته ب «تقويض أركان المؤسسة الأمريكية». وأن هذه المواجهة مستمرة يوميا في واشنطن.كما أن علي الادارة أن تحارب الاعلام وأن تحقق ما يفيد الوطنية الأمريكية. ان «ايدولوجية» بانون وخطابه «الشعبوي» صار موضع اهتمام دوائر عديدة في واشنطن تحاول أن تفهم من خلال مظاهرها قراءة توجهات ادارة «ترامب» في المرحلة المقبلة. اختيار الجنرال «ماكماستر» كمستشار جديد للأمن القومي أشاع بلا شك ارتياحا ما فى أوساط واشنطن. خاصة أن «ماكماستر» كما تم ذكره في تعليقات من عرفوه عن قرب صاحب معرفة واسعة وتفكيراستراتيجي عميق وشامل. والأمر الأهم أنه ليس ايدولوجيا في توجهاته الاستراتيجية والسياسية (كما كان الحال مع الجنرال «مايكل فلين» الذي تم استبعاده). وأشير الى انه في نطاق اهتماماته العديدة وخبرته المتميزة في منطقة الشرق الأوسط يدرك أن الاسلام دين لا ايدولوجية وأن أغلب المسلمين لا صلة لهم بالارهاب. وقد حرص المعلقون أثناء حديثهم عن «ماكماستر» على الاشارة الى أن الجنرال القادم «صريح وجرىء» في مخاطبة رؤسائه. وهو الذي سيختار فريق عمله الجديد وأن هذه هي مهمته وليس مهمة آخرين في إدارة «ترامب». كما أنه يتمتع بثقة الرئيس «ترامب» وبالتالي ستكون لديه كل أدوات استقلالية القرار بعيدا عن مواجهات ونزاعات القوى داخل البيت الأبيض. وحديث أهل واشنطن في الأيام القليلة الماضية انصب أيضا على الخارجية الأمريكية وعلى تساؤلات تخص أدوارها ومهامها في ادارة «ترامب» كما بدت خلال الشهر المنصرم. فقد ذكرت صحيفة «واشنطن تايمز» المؤيدة ل»ترامب» أن نحو 100 من المناصب الخاصة بعملية صناعة الدبلوماسية والعلاقات الدولية في الخارجية الأمريكية لا تزال شاغرة ولم يتم تعيين من يشغلها. وأن «ريكس تيلرسون» وزير الخارجية يبدو وحيدا في مبنى الخارجية. أما صحيفة «واشنطن بوست» من جهتها فقد نبهت الى أن الخارجية قد تم تهميشها في الشهر الأول للإدارة. اذ أن ردود الأسئلة الخاصة بالملفات الدولية تأتي فقط من البيت الأبيض. ولم يدل وزير الخارجية بأى تصريحات للصحفيين. ولم يصاحبه الصحفيون في رحلاته الخارجية ( كما جرت العادة). كما أن الوزير «تيلرسون» لم يحضر لقاء «ترامب نتنياهو» رغم تواجده في واشنطن. والأمرالملفت للانتباه أن الخارجية الأمريكية لم تجر موجزها الصحفي اليومي حتي الآن. وهي عادة أتبعتها منذ عقود وتعد تأكيدا لحرص واشنطن على الظهور يوميا وعلى الهواء مباشرة أمام العالم كله للرد على أسئلة الصحفيين ومناقشة مواقفها من قضايا العالم وأزماته.. والتذكير دائما كان يأتي في اطار«الشفافية». الا أن الخارجية ذكرت يوم الجمعة الماضي انها ستعاود الموجز الصحفي بدءا من 6 مارس المقبل. ولكن لم تحدد بعد من سيكون المتحدث باسمها وهل سيكون الموجز يوميا أم لا؟ بالاضافة الى الاشارة الى احتمال تغيير طبيعة الحضور الصحفي واللجوء الى مشاركين آخرين عبر «السكايب». مثلما يحدث حاليا في الموجز الصحفي بالبيت الأبيض. ان ما حدث مؤخرا في البيت الأبيض من منع لبعض مراسلي الاعلام الأمريكي (مثل نيويورك تايمز وسي ان ان) من حضور مؤتمر صحفي «مواز» أقامه «شون سبايسر» المتحدث باسم البيت الأبيض أثار بلا شك قلق المؤسسات الاعلامية وغضبها أيضا. وقد أعلنت بوضوح أنها «تعيد تقييمها لأدائها المهني» وأنها سوف تقوم دائما بأداء دورها ومهمتها في خدمة قرائها ومشاهديها حفاظا على حق المواطن في متابعة الرئيس ومراقبة أدائه في ادارة شئون البلاد. والنقاش الساخن حول هذا الملف الحيوي قائم وبالتأكيد مستمر ويحتل حيزا كبيرا من اهتمام أهل واشنطن.. وأهل الاعلام!