بالرغم من التحالف الجدى والفاعل بين حزب الله والرئيس اللبنانى العماد ميشال عون منذ اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريرى فى 2005 وحتى بعد وصول عون إلى سدة الرئاسة فى قصر بعبدا نهاية أكتوبر الماضي، وكذلك التحالف القوى فيما بينهما ضمن مايعرف بفريق 8آذار فى مواجهة تيار المستقبل وبقية مكونات 14آذار وحلفائه، وبالرغم من إصرار حزب الله على وصول عون إلى الرئاسة دون غيره بعد عامين ونصف العام من الفراغ الرئاسى فى لبنان وشل حركة الحكومة ومؤسسات الدولة، فإن توجه حزب الله الأخير من خلال خطاب أمينه العام السيد حسن نصر الله لايصب فى مصلحة عون ،ومايسعى لتنفيذه فى محيطه العربي. فالرئيس اللبنانى من خلال خطاب القسم الذى ألقاه بمجلس النواب اللبنانى نهاية أكتوبر الماضى بعد تتويجه رئيسا للجمهورية ،أكد عروبة لبنان والسعى لرأب الصدع مع الدول العربية خاصة دول الخليج ،بعد تصنيفها لحزب الله منظمة إرهابية ،ومنع مواطنيها من زيارة لبنان،ووقف هبة تسليح الجيش اللبنانى بقيمة 4مليارات دولار من السعودية، وتهديد مستقبل مئات الآلاف من اللبنانيين العاملين بدول الخليج،وضرب الإقتصاد اللبنانى فى مقتل بعد موسم سياحى عربى جاف فى لبنان، ولذلك بادر الرئيس اللبنانى بكسر البروتوكول المتعارف عليه بعد انتخاب الرئيس الذى كان يزور سوريا وفرنسا أولا بزيارة السعودية وقطر فى أول زيارة له خارج الأراضى اللبنانية ،ثم زار مصر والأردن منتصف الشهر الجارى ،ليؤكد للعرب ان لبنان لايزال فى محيطه العربى ساعيا إلى علاقات جيدة ومتوازنة ،من أجل مصلحة لبنان أولا. ولكن خطاب نصر الله الأخير يقول غير ذلك،حيث هاجم نصر الله السعودية وقطر والبحرين، وهدد إسرائيل بالحرب علانية ،وهو الأمر الذى لايصب فى مصلحة عون ولايكلل مساعيه العربية بالنجاح. وتحت عنوان المقاومة, يشارك حزب الله فى حروب فى اليمن والعراق وسوريا من دون أن يشكل هذا توريطاً مباشراً للبنان ،وبالرغم من عدم رضا خصوم حزب الله فى لبنان عن مشاركته فى الحروب خارج لبنان،فقد أكد عون قبيل زيارته لمصر أن سلاح حزب الله مشروع ومهم للبنان،لمساعدة الجيش اللبنانى فى ضبط الحدود ومواجهة العدو الإسرائيلى الذى لايزال محتلا لأراض لبنانية. وسبب خطاب نصرالله فى ذكرى قادة حزب الله الشهداء قلقا لإسرائيل بعد نصيحته للحكومة الإسرائيلية بأنه لا يجب عليها فقط إخلاء خزان الأمونيا فى حيفا، بل عليها تفكيك مفاعل ديمونة النووي، والسلاح النووى الإسرائيلى الذى يشكّل تهديداً لكل المنطقة بما فيها إسرائيل. ويؤكد مراقبون أن نصرالله يقطع الطريق على حرب أمريكية - إسرائيلية على إيران ويبعد توقيت الحرب الإسرائيلية عن لبنان،وذلك بعد التهديدات العلنية للرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب تجاه إيران ومشروعها النووى ،ودعوته الدول العربية لتكوين «ناتو» عربى سنى لمواجهة إيران. واذا كان معارضو الحزب لا يستبعدون تلويح طهران بورقة الجبهة الجنوبية للبنان للرد على التهديدات الأمريكية والاسرائيلية التى تعاظمت مع استلام ترامب للرئاسة الأمريكية، وحتى استخدام هذه الورقة اذا اقتضت الضرورة، الا أنّهم يرجحون أن تقتصر مهمة الحزب وايران فى هذه المرحلة على رفع الصوت والسقف لعلمهما بأن الظروف غير ناضجة لرد أمريكي-اسرائيلى مباشر فى الميدان، نظرا لأن معطيات الحرب داخل سوريا ترجح كفة فوز الحزب وإيران، مما يجعل من الحزب قوة ضاربة وفاعلة خارج الحدود اللبنانية بعد خوضه الحرب داخل سوريا منذ 6سنوات،وحصوله حسب التقارير الاستخبارية على السلاح النوعى من الصواريخ التى تهدد العمق الإسرائيلى ليس فقط فى حيفا ولكن كل فلسطينالمحتلة. وزير الاستخبارات الإسرائيلى يسرائيل كاتس قال بعد خطاب نصر الله، إنه إذا أقدم حزب الله على قصف العمق الإسرائيلي، فإن إسرائيل سترد بضرب كافة الأهداف المتاحة فى لبنان. وأكد كاتس أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يخدم بصورة مطلقة المصالح الإيرانية، وأنه يستعد للتضحية بالدولة اللبنانية من أجل خدمة هذه المصالح، مطالبا بفرض عقوبات على حزب الله تؤدى إلى شل نشاطاته، ويجب ممارسة الضغوط على إيران لتكف عن تمويل ودعم الحزب. ومن جانبها حظرت الولاياتالمتحدةالأمريكية السفر إلى لبنان لدواع أمنية،وفسر البعض القرار الأمريكى بأنه يأتى ليخدم الأجندة الإسرائيلية قبل كلّ شىء، وكأن الإدارة الأمريكية الجديدة أرادت من خلاله إعطاء الإسرائيليين ما يريدونه فى لبنان، بل إن البعض لم يتردّد فى الربط بين البيان الأمريكى من جهة ومواقف رئيس الجمهورية ميشال عون بشأن حزب الله وسلاح المقاومة من جهة ثانية، باعتبار أنّ وقوف رئيس الجمهورية إلى جانب حزب الله وتأكيد شرعية سلاحه، لحماية لبنان فى مواجهة التهديدات الإسرائيلية المستمرّة أزعج الإسرائيليين، وسرع فى المقابل بصدور البيان الأمريكى بحظر السفر إلى لبنان. كما أن موقف عون من حزب الله وشرعية سلاحه ،أحبط المراهنين على فقدان الحزب لجزء كبير من شرعيته عبر خسارته لأبرز حلفائه فى الساحة المسيحية، ممن كانوا يراهنون على موقف عون من سلاح حزب الله بعد وصوله إلى قصر بعبدا، ولكن عون قطع الطريق عليهم ووقف بجوار الحزب وسلاحه، مما اعتبره البعض أنه أضعف موقف عون عربيا وأمريكيا. وبعدما تجاوبت الدول العربية التى زارها عون خاصة السعودية وقطر مع مطالب لبنان، بعودة السياحة الخليجية والاستثمارات إلى لبنان،وكذلك الوعد بتفعيل هبة تسليح الجيش من جانب السعودية ،والوعد بحل مشكلة العسكريين اللبنانيين المخطوفين لدى داعش من جانب قطر،جاء خطاب نصر الله ليؤكد أن عون يمشى فى طريق غير طريق حزب الله، بالرغم من نصرة عون للحزب وسلاحه، فعون الذى يسعى لرأب الصدع مع الدول العربية الفاعلة فى لبنان،لايجد تجاوبا فى موقف الحزب من تلك الدول مما يهدد مصلحة لبنان قبل مصلحة الحزب ،ويعيد جهود عون العربية لنقطة الصفر، فهل تتجاوب الدول العربية مع مطالب عون، دون النظر لما يقوله نصر الله ويصر عليه الحزب، أم أن سياسة الحزب وتهديداته ستزيد من مخاوف دول الخليج من الحزب المدعوم إيرانيا ،وبالتالى تحجم عن مساعدة لبنان، الذى يعانى من ركود اقتصادى منذ بدء الحرب داخل سوريا منذ 6سنوات،ووجود حوالى مليونى نازح سورى يهددون لبنان اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا؟وهل ستكون تهديدات نصرالله الشرارة التى تشعل حربا ثالثة بين الحزب وإسرائيل يدفع لبنان ثمنها من إقتصاده وبنيته التحتية؟ أم ان الأمر لايعدو كونه حرباً نفسية متكررة بين الحزب وإسرائيل لإبعاد الأضواء عن التهديدات الأمريكيةلإيران بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض؟