ما إن أعلنت نتيجة الانتخابات، وتنفسنا جميعا الصعداء، بعيدا عن الفائز، واقترابا من استقرار أمورنا، حتي بدأنا سلسلة أخرى من الصراعات، التي لايبدو قرب انتهائها. لتظل مصر دوما وشعبها، تحت وطأة حرق الدم والصراع الذي لا يفضى في كثير منه، إلا لتزايد الخسائر، بشرية كانت أم اقتصادية، وبدأ فصيل عكاشة يرسم مخطط الوقوع جراء فوز الرئيس المنتخب والتشكيك فيه، وبدأ الفصيل الآخر مخطط الرد، وصرنا نحن بين نارين: نار الثوار التي لا تلبث أن تهدأ، فتعود أكثر اشتعالا، فهل نحن مازلنا نعيش في حالة ثورة؟ وإذا كانت الإجابة بنعم.. يكون السؤال: متي نعيش مرحلة البناء؟ أم تري أن هذه المرحلة سقطت وانهارت.. ولم تعد تهمنا من قريب أو بعيد، عكاشة يبشرنا بكل الشرور الآتية من كل الجوانب، والآخرون مازالوا بالميدان، ومازالت مطالبهم تزداد، ويبدو أنهم بعيدون كل البعد عن البناء، فهل يعقل أن تصبح مؤسسات: مثل مجلسي الشعب والشورى، أو المحكمة الدستورية العليا، واللجنة العليا للانتخابات، وجميع المحاكم أقول هل من المعقول أن تصير هذه المؤسسات وغيرها، موضع تحكيم من الثوار، الذين يقررون كل ساعة ما يجب أن تفعله هذه المؤسسة، أو تلك في حل قضية ما؟ وبالتالي ما كان مشروعا بالليل يصبح مذموما بالنهار، وهكذا إلى ما لانهاية له! صرنا أقرب إلى المزايدات لا المطالبات، صرنا أقرب لتلقي الأوامر من هذا أو ذاك، ونسينا ضمن ما نسينا، أن الديمقراطية أن تعمل.. أن تبني.. لا أن تلتفت للآخر للتشكيك فيه مادام اختلف تفكيرك عن تفكيره، لتثبت وهم أنك أكثر منه وطنية، وهو محض افتراء، وأن لك حقوقا، ليس آخرها، أن يصمت، وأنت فقط تتحدث!! وهو المرض بعينه، الذي يحتاج العلاج وفورا، الديمقراطية حالة تسود فيها الثقة في الآخر، وفي المؤسسات والقانون، واحترام المصالح المتعارضة، وقبول الحلول الوسط، لأنك لست وحدك من تملك حق العيش في الوطن، كما أنني لست وحدي، لأصدر أوامر على بني وطني تنفيذها حسب رؤيتي، التي بالطبع تحمل مصلحتي وأهدافي، ما يجمعني أنا وأنت على قدر اختلافنا مؤسسات لها قواعد ولوائح، ليست جامدة، بل لها طرق محددة لتنميتها، لملاحقة التطور، ولا أعتقد أن من بين هذه الطرق: إخضاعها لمصلحتي ..ومصلحتك ..ولا لمزاج حضرتي ومزاج حضرتك!! بل المعيار الأول والأخير: مصلحة وطني الذي هو بالطبع وطنك، والثقة الكاملة في القدرة الإنسانية على التعامل مع المشكلات المعقدة، دون اتهام مجهز سلفا، قبل البدء في البناء، فما المصلحة في ضرب سيادة القانون في مقتل؟ وما العائد من وراء اغتيال الشرعية ؟ المعنى ببساطة: أن يفرض من يملك بعض أسباب القوة، إرادته قسرا على الآخرين دون سند من شرعية، ولا من قانون، وبالتالي: يصبح مجتمعنا بلا مرجعية نحتكم إليها، فقط تبقي مرجعية الصوت العالي !! وهي ليست مرجعية، بقدر ما هي ظاهرة صوتية قاربت على الانتهاء، حتى لا نعود مرة أخرى لظاهرة تفصيل قوانين خاصة، لأسباب سياسية معلومة للجميع. فهل ننجح في هدم الحصن الأمين والأخير،الذي يمنع الانحراف التشريعي؟ [email protected] المزيد من مقالات أيمن عثمان