أثار إعلان فوز مرشح حزب الحرية والعدالة, الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين, الدكتور محمد مرسي, بمنصب رئيس الجمهورية, مخاوف عديدة في الخارج والداخل, وهي مخاوف يدركها الدكتور مرسي وجماعته جيدا, فالرجل نجح مرشحا لجماعة تعمل منذ أكثر من ثمانية عقود من أجل برنامج يرمي إلي إقامة دولة الخلافة الإسلامية, دولة ترفع فيها الحدود بين الولايات أو الأمصار, تتعالي علي الجنسية, فيصير الدين هو الرابطة. ووفقا لهذه الرؤية رأي قادة الجماعة, وعلي رأسهم المرشد السابق مهدي عاكف, أن الأولوية لرابطة الدين, ومن ثم فلا غضاضة أن يتولي ماليزي أو باكستاني رئاسة مصر, فهي مجرد مصر من أمصار تجمع بينها رابطة الدين. أنتج هذا الفكر مقولة أن المسلم الباكساني أقرب إليه من المسيحي المصري, وترتب علي ذلك نظرة شك وريبة في المسيحي المصري دعت المرشد السابق للجماعة إلي القول بأنه في ظل حكم الجماعة فلا مكان للمسيحي المصري في الجيش, فسوف يستبعد مقابل دفع الجزية. ووفقا لرؤية الجماعة, وفرعها في فلسطين وقطاع غزة تحديدا حركة حماس- فقد جري النص في ميثاق الحركة علي أن فلسطين من البحر المتوسط إلي نهر الأردن أرض وقف إسلامي لا يجوز التفريط في شبر منها, وهي أرض لابد من تحريرها, وإذا كانت موازين القوي اليوم لا تسمح بذلك, فمتروك للأجيال القادمة مواصلة عملية تحرير أرض فلسطين. عملت الجماعة بقوة ودأب من أجل الوصول إلي السلطة, وذلك حتي تبدأ في تطبيق برنامجها, وإذا كانت الجماعة قد أحرزت نجاحات في عدد من الدول العربية سواء بشكل كامل كما في السودان, أو جزئي كما في الأردن في وقت سابق- وغزة, فأن نجاحها في الوصول إلي رأس السلطة التنفيذية في مصر أمر مختلف تماما, فمصر درة الشرق وتاجه, أكبر دولة عربية, الجائزة الكبري في تقارير غربية وضعت لتفتيت المنطقة, منها عادة ما يخرج النموذج والمثال, الفوز بها سيكون بمثابة الضوء الأخضر لعمل نظرية الدومينو الأمريكية التي وضعت في أعقاب الحرب العالمية الثانية والتي كانت تقول بأن سقوط دولة من دول وسط وغرب أوروبا في قبضة الشيوعية سيكون بمثابة سقوط قطعة من قطع الدومينو المتراصة بشكل معين, سقوط أولها يقود إلي سقوط باقيها في لمح البصر, من هنا كان الاحتفال بفوز الدكتور محمد مرسي صاخبا لدي الفروع في غزة وعمان وغيرها من المناطق والأقاليم. وبقدر ما كانت السعادة غامرة لدي الأنصار في الفروع, بقدر ما كانت المخاوف كبيرة لدي عواصم غربية وإقليمية, وأكبر كثيرا لدي فئات من المصريين يشعرون بتهديد كبير من وضع أساس لدولة دينية في مصر. لم تكن المشاعر في الخارج والداخل خافية علي الدكتور مرسي والجماعة, ففي الخارج كان احتفاء الأنصار في الفروع مصدرا للبهجة والسعادة, وكانت مخاوف عواصم غربية وإقليمية مصدرا لحسابات معقدة, فتعمق مشاعر القلق والخوف إقليميا ودوليا يمكن أن يرتب سياسات تعيق مشروع الجماعة, وهو أمر كان سابقا علي إجراء الانتخابات, فقد بادرت الجماعة بفتح حوارات مع واشنطن مبكرا, وتكثفت الحوارات مع تقدم الجماعة في الانتخابات البرلمانية, وتعمقت أكثر مع قرار تقديم مرشح علي منصب الرئيس, ويبدو أن قرار الجماعة كان واضحا لطمأنة العواصمالغربية وفي مقدمتها واشنطن علي استقرار معاهدة السلام مع إسرائيل, وعدم المساس بها, واحترامها, مع الوعد بالعمل علي دعم المكون الثاني للسياسة الأمريكية تجاه المنطقة وهو ضمان تدفق الإمدادات النفطية من منطقة الخليج. كان خطاب الدكتور محمد مرسي الأول بعد الفوز واضحا قاطعا لا لبس فيه, كلمات قصيرة معددوة يفهمها العقل الغربي عندما تتم ترجمتها إلي اللغات الأوروبية احترم الاتفاقات والمعاهدات الأقليمية والدولية. جملة قصيرة واضحة الدلالة أوصلت الرسالة إلي حيث مكان الاستقبال. وما كان كذلك حال الرسالة إلي الداخل, فالفئات القلقة عديدة ومتنوعة منها القوي المدنية من ليبرالية ويسارية, ومنها المرأة, الأقباط......, لم تكن رسالة الدكتور مرسي لهم واضحة, عبارات عامة فضفاضة عادة ما نسمعها في مناسبات مماثلة, لا حديث وجه خصيصا لأي من هذه الفئات, لم يتحدث عن الحقوق والحريات العامة, لم يتحدث جملا محددة ودقيقة عن دولة المواطنة والقانون, لم يتعهد بمحاربة أشكال التمييز, لم يقطع بحل القضايا العالقة لدي هذه الفئات, فقد بدا واضحا من كلمة الدكتور مرسي الأولي للشعب بعد انتخابه, أنها كلمة عامة وجد لديه من الوقت كي يسرد أسماء المحافظات المصرية ويتحدث عن شرائح مجتمعية وصولا إلي سائقي التوك توك, ولم يخصص بضع ثوان لنفي رصيد متراكم للجماعة يجعل من رابطة الدين الأساس, يري المسلم الباكستاني أقرب إلي المسلم المصري من مواطنه المسيحي, لم يتطرق إلي قضايا التمييز ويتعهد بالتصدي لها, بل لم يتحدث عن قضية العدالة الاجتماعية ككل, وفيها ما يكفي من طمأنة لفئات واسعة من المصريين, العدالة الاجتماعية التي تعني الحق في المسكن والعلاج والتعليم وحد أدني للأجور, لم يتحدث عن قيمة المواطنة والمساواة ومناهضة أشكال التمييز في المجتمع المصري, لم يفرد مساحة للنعهد بالقضاء علي مصادر شكوي تاريخية لفئات مصرية عديدة, يبدو أن حرص الجماعة علي توصيل رسالة الطمأنة للخارج, كان كافيا من وجهة نظرهم ولا حاجة بعدها لرسالة أخري للداخل, مع أن الأخيرة هي الأهم والأبقي. سيادة الرئيس المنتخب, رسالتك إلي الخارج وصلت, وجري تسلمها ورد المستلم باتصال هاتفي شاكرا, ولكن رسالتك إلي فئات عديدة من شعبك لم تصدر منك بعد, فهل نراها قريبا ونبدأ عهدا جديدا يعلي من قيمة الهوية المصرية, يقيم دولة المؤسسات وحكم القانون.. أم أن هناك موانع أيديولوجية تحول دون ذلك ؟ المزيد من مقالات د.عماد جاد