وسط حالة التراشق والانقسام حول مشهد الخامس والعشرين من يناير 2011.. وجدل الآراء وتباين الرؤي. يصبح من الضرورى أن نستمع إلى أصوات العقل والعلم والهدوء.. التى تسعى إلى تحليل المشهد بلا انحياز.. وتقديم رؤية شاملة تكشف كل أبعاده وزواياه المختلفة.المؤرخ الكبير الدكتور عاصم الدسوقى واحد من أبرز هذه الأصوات بلا شك. فى صباح شتوى دافئ برغم الغيوم، تخلله من آن لآخر رذاذ حبات المطر، كنت أقف وزميلى المصور فى الموعد المحدد على باب شقة المؤرخ الكبير الدكتور عاصم الدسوقي، بحى العجوزة.. سرعان ما انفتح الباب ليستقبلنا «الأستاذ» بابتسامة مرحبة، وملامح مشرقة، تعكس وقار العلماء وهدوئهم.. وداخل غرفة مكتبه، أطلت المكتبة الضخمة التى تحوى عشرات - بل مئات- الكتب، خلف مكتب خشبى أنيق، فى مشهد أوحى لى بأننى قد دخلت إلى «الخلوة العلمية» الخاصة بالمؤرخ الكبير، وأننى بصدد حوار مهم ومثير. وفى الحوار، الذى دار حول ذكرى ثورة 25 يناير، والتى أصبحت تمثل «أيقونة الانقسام» فى المجتمع.. بدا الأستاذ عصيا على التصنيف، بعيدا عن الانحياز الكامل لأى فريق، إذ كيف يصنف أو ينحاز عالم حقيقى يعبر عن قناعته ويقول كلمته ثم يمضي؟.. ولعل أكثر لحظات الحوار إثارة، والتى قد تربك القارئ الذى اعتاد على الانحياز بجهل أو هوي، كانت عندما أجاب الرجل بكلمة «طبعا» عن سؤالين متتاليين هما: هل ترى أن ما جرى كان مؤامرة؟ وهل ترى أنه كان هناك صادقون كثر فى يناير؟.. بل إنه زاد ليقول إن الشعارات التى أطلقتها الثورة كانت تعبر عن مطالب 99% من الشعب.. كم يبدو هذا مربكا للمنحازين يا سيدي.. إلا القادرين على الفهم والتعلم والتوازن والمراجعة. فى البداية.. قلت للدكتور عاصم الدسوقي: مع حلول ذكرى ثورة يناير فى كل عام، يحدث ما يمكن أن نسميه «نوة يناير»، والتى تتمثل فى حالة من الجدل السياسى والمجتمعى بين من يؤيدون الثورة ومن يعتبرونها مؤامرة كاملة، خصوصا أننا على مدى السنوات تزداد المعرفة لدينا ويتكشف المزيد من المعلومات، وإن كانت المعلومات الكاملة حول ما جرى لم تظهر حتى الآن.. كيف تنظر إلى ما جرى فى يناير.. وألا يقلقك هذا الانقسام الحالي؟ قال: هذا صحيح.. فالأحداث التى تلت يناير حتى الآن تلقى ظلالا من التساؤل والشك والريبة حول ما حدث فى يناير 2011، وإلا فلو كان ما حدث فى يناير هو ثورة بالمعنى العلمى والتاريخى وفقا للثورات التى قامت فى تاريخ الشعوب ما حدث هذا الجدل. إذن فهو جدل مرتبط بطبيعة ما حدث. وحتى نفهم هذا لا بد أن يكون فى بالنا الموقف الدولى وتطوره بعد انتهاء الحرب الباردة بين المعسكر الرأسمالى الغربى بقيادة أمريكا ومعسكر الاتحاد السوفيتي، والتى كانت قد بدأت عام 1947 بعد الحرب العالمية الثانية، واستمرت حتى أعلن الرئيس الروسى ميخائيل جورباتشوف سياسة المكاشفة والمصارحة وإعادة النظر «البيروستريكا»، وهو ما أدى فى النهاية إلى تفكك الاتحاد السوفيتى عام 91، وأظهرت بعض الوثائق والمذكرات أن أمريكا كانت قد نجحت فى استقطاب جورباتشوف، وحصل بعد إعلان سياسة «البيروستريكا» على جائزة نوبل. ثم ظهر بعد ذلك مصطلح النظام العالمى الجديد لأول مرة على لسان الرئيس الأمريكى جورج بوش الأب فى 91 وهو يسعى إلى تجييش العالم لإخراج العراق من الكويت بعد احتلالها، قائلا إن ذلك للدفاع عما سماه النظام العالمى الجديد، دون توضيح معناه. وظهرت بوادر هذا النظام بتفكيك الكيانات الكبرى والقضاء على أفكار الروابط القومية، وتفكيك أى وطن حتى إلى وحدات على أسس طائفية، عرقية أو دينية أو مذهبية. وبعد بوش الأب جاء الرئيس الأمريكى بيل كلينتون الذى ساعد إقليم تيمور الشرقية على التحول إلى دولة، بدعوى أنه يسكنه ثلاثة أرباع مسيحى وأنهم يخضعون لحكم إسلامى فى إندونيسيا. وهكذا عندما تدخل أمريكا أى منطقة فإنها ترفع شعارات حرية الإنسان وحقوق الإنسان وحق تقرير المصيرلتنفذ تحتها ما تريد. هذا هو المشهد العالمى إذن؟ نعم كان هذا هو المشهد. وسنجد أنهم سيبدأون الخطوات التنفيذية لتوجهاتهم بعد ذلك. ففى 2004 كتب شمعون بيريز مقالا عن الشرق الأوسط الكبير. والحقيقة أن الترجمة الصحيحة للمصطلح وفقا للسياق هى «الشرق الأوسط العظيم». فهو كان يريد أن يقول إن الشرق الأوسط سيصبح عظيما إذا ما تم تقسيمه إلى وحدات، هى 73 دولة. (كررها: 73 دولة). ومصر فى هذا المشروع مقسمة إلى خمس دول، هى سيوة والنوبة وسيناء ودولة مسيحية ودولة إسلامية. وقد تمت ترجمة هذا المقال للغة العربية ونشر فى الصحافة العربية. وفى العام التالى فى 2005 بدأت كوندوليزا رايس بعد أن أصبحت وزير الخارجية الأمريكية تتحدث عن «الفوضى الخلاقة»، أى كيفية تنفيذ هذا المشروع، عبر هدم الأنظمة الموجودة وإعادة البناء من جديد على أسس طائفية. وفى ذلك الوقت كان كل رؤساء الدول فى المنطقة مع أمريكا، لكن فى نفس الوقت فإن أى رئيس لم يكن ليسمح بتفكيك بلاده، وعندئذ يصبح الحل بالنسبة للأمريكان هو أنه «يمشي». ومن هنا جاءت 2011. وقد بدا أنه سيناريو مرسوم، لأنه لا يمكن أن تحدث ثورة فى بلد ثم تنتقل بعد اسبوعين إلى بلد آخر وهكذا. هذا التتالى كان غريبا؟! فى التاريخ هذا لا يحدث. بعد الثورة الفرنسية فى 1789 لم تقم ثورة فى هولندا أو بلجيكا. وبعد ثورة روسيا عام 1917 لم تقم ثورات فى بلدان مجاورة. إلا الشرق الأوسط وما حدث لدينا. على طول كده، يناير وفبراير ومارس، وجدنا الأمور ماشية، فى مصر وليبيا وسوريا ثم اليمن. إذن فالهدف هو إسقاط الأنظمة ثم الإتيان ببدائل من القوى الإسلامية، التى ستقول بالطبع إنها تريد أن تحكم بالشريعة، فتتم استعادة مصطلحات مثل أهل الذمة والجزية عن المسيحيين، فتثور الفتنة وتشتعل الحرب الأهلية، فتتدخل أمريكا نفسها لفض النزاع، وتعمل وقتها بالمثل الشعبى عندنا «شيل ده من ده يرتاح ده عن ده»، وأن يذهب كل واحد لحاله. أى التقسيم ؟! نعم.. وهذا هو السيناريو الذى كان مرسوما لهذا الربيع، سواء فى تونس أو مصر أو اليمن أو سوريا. ولكن الأمور لم تتجه إلى هذا الغرض. بهذا الشكل أنت تدعم وجهة النظر التى ترى أن ما جرى كان مؤامرة؟ طبعا.. لتحقيق هذا الهدف البعيد، المتمثل فى الفوضى الخلاقة، ومعنى النظام العالمى الجديد. صحيح أن الناس خرجت متحمسة يحركها الشعور بالظلم والإهانة..... أقاطع قائلا:... هذا ما أسأل عنه.. هل ترى أنه كان هناك أيضا صادقون كثر فى يناير؟ طبعا.. الجماهير كلها لما وجدت الفرصة تحركت.. وسأحكى لك ما جرى معى يوم 25 يناير نفسه. يومها كنت مدعوا للحديث فى الإذاعة عن يوم الشرطة. ذهبت إلى مبنى التليفزيون ولكن فوجئت بأن المذيع نزل للتسجيل معى فى غرفة صغيرة فى الدور الأرضى وليس فى الاستديو كالمعتاد. تعجبت وقتها ولكن أجريت الحوار وخرجت من المبني. قررت أن أتمشى فى شارع بولاق أبو العلا حتى محطة مترو جمال عبدالناصر. وعندما وصلت وجدت تجمعا من الناس عند دار القضاء العادي. فلم أنزل إلى المحطة «وقلت أما أروح أشوف الحكاية دي»، فعرفت أنهم متظاهرون وأنهم سيذهبون إلى ميدان التحرير. فمشيت معهم قليلا، ونظرا لارتباطى بمواعيد رجعت إلى المترو. أضحك وأقول: بهذا فأنت شاركت فى الثورة يا دكتور؟! يضحك أيضا ويقول: بالمصادفة.. كان هذا ما جرى بالضبط.. أردت استطلاع أمر هذا التجمع عند دار القضاء على غير العادة. لعلك أردت استكشاف الأمر بحس المؤرخ.. ماذا كانوا يقولون خلال فترة وجود معهم؟ كانوا يتحدثون عن سقوط الظلم ويقولون: «كفاية 30 سنة»، فى إشارة لحكم مبارك. وكلها كانت مطالب ثورة تعبر عن حاجات 99% من الناس. تتعلق بأزمة الأكل والمرتبات والعمل وغيرها. نعم.. وربما اختناق الإطار العام فى المجتمع أيضا بالكامل ؟! هذا هو التوظيف الذى تم للأمور. فالشعب المصرى بطبعه صبور تاريخيا. لكن الثورة تأتى فى نقطة معينة عند إحساسك بالإهانة أو المساس بالكرامة. والإهانات التى دفعت الناس للخروج فى يناير لها أكثر من صورة، مثلا: واحد تعلم ولم يجد وظيفة. أو وجد وظيفة لكنه عجز عن الزواج، أو واحد كفؤ فى عمله لكنه لا تتم ترقيته لأن الترقيات تذهب للمحاسيب. هذه الأوضاع كلها، ماذا كانت البدائل الممكنة لتغييرها بدون ثورة؟. نحن نتفق على وجود ذلك الجانب من المؤامرة والخطط الخارجية، ونتفق أيضا على سوء الأوضاع الداخلية إلى درجة وصول الناس إلى حالة من الاختناق. فكيف كان يمكن أن يأتى التغيير بعد 30 عاما؟. هنا كان لابد أن يستجيب الحكم القائم لأفكار وحاجات الناس.. ويتصرف. تقصد قبل يناير؟ طبعا. لكنه لم يستجب.. كانت الصحافة تكتب.... «خلاص يبقى هو دفع الثمن. أمال أنا رئيس ليه؟. المفروض أنه عنده أجهزة معينة للاستشعار. وياما اتعملت مؤتمرات. لو كان فيه حد قرأ مضمونها وعرض عليه مطالب الناس. أو تحليل مضمون للمقالات أو حتى النكت اللى كانت بتطلع». كان يقال إن هناك أجهزة أمنية قوية تستطيع قراءة الشارع.. فلماذا لم ينعكس هذا فى الاستجابة؟ هو دفع الثمن لأنه لم يراع الجماهير التى يحكمها. فالمصرى صبور جدا (كررها مرتين)، وحبال الصبر عنده طويلة جدا. لكن فى ظل ضياع الكرامة قد تأتى شرارة تشعل الموقف. حتى لو كانت الشرارة مفتعلة من الخارج؟ نعم.. حتى لو كانت مفتعلة.. فصاحب المشاكل والاحتياج سيجدها عندئذ فرصة للتعبير عن مشاكله كمتنفس أخير.. ولأن هذه الشرارة جاءت خارجية فهذا ما أدى إلى تلك «الشبهة والصنعة» لما جرى فى يناير.. «لكن الثورة مش كدة». كيف؟ أى ثورة لابد أن تكون لها قيادة، وناس يرتبون لها، ويختارون الوقت المناسب. هذا هو الحال فى التاريخ. ونحن فى مصر مثلا نطلق مجازا مسميات، مثل الثورة العرابية وثورة 1919 مسمى ثورة، مجازا، لكن علميا هما ليستا ثورتين، «شوف ازاى بقي»، برغم أن هذا الكلام يثير الناس ضدي. لماذا هما ليستا ثورتين بالمعنى العلمي؟.. وما تطبيق ذلك على «يناير»؟ يتحدث الدكتور عاصم الدسوقى ببطء وهدوء، بأسلوب أقرب إلى الشرح العلمى فى قاعة محاضرات، فيقول: لأن الثورة تبدأ بقلب نظام الحكم القديم، وقلب الحاكم، وأن يجلس الثوار فى مقاعد السلطة، فتصبح السلطة فى أيديهم، فيبدأون فى إصدار القرارات واتخاذ الإجراءات التى تحقق الأهداف. وفى هذه الحالة يطلق عليها مسمى «ثورة». فمصطلح الثورة يعنى التغيير؛ التغيير الجذرى للمجتمع (يشدد على كلمة الجذري). أما فى ثورتى عرابى و1919 فإنهما لم تحققا أهدافهما والثوار لم يحكموا. .. ويناير؟ قبل الحديث عن يناير دعنى أقول لك إن 23 يوليو 1952 فى المقابل مما سبق، ينطبق عليها مسمى «الثورة»، لأنها بدأت بالانقلاب على الملك، والثوار تسلموا الحكم. ثم أصدروا القرارات تباعا، حول الإصلاح الزراعى ومنع الفصل التعسفى وتخفيض الإيجارات وغيرها. لكن بعض أساتذة علم السياسة يسمونها «حركة الجيش» وليس «الثورة» ؟! هم أنفسهم (الضباط) قالوا فى البداية إنها «حركة الجيش المباركة». أتدرى من قال إنها ثورة؟. طه حسين. فقد كتب فى مقال له فى الأهرام: «قولوا ثورة». هذا رجل خريج فرنسا ويعلم ما تعنيه المصطلحات. لأنها قلبت الحكم. أما ما حدث فى 25 يناير فهو أنه تم قلب رأس الحكم، ولكن بقى النظام - أى نظام الحكم- كما هو. هذه الأمور إذا لم تذكر صراحة لن نفهم ما يحدث. فبعد قلب مبارك جاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولم تحدث أى تغييرات لكن ظلت فلسفة الحكم كما هي. وبعد ذلك جاء محمد مرسى كحاكم جديد. فهل حدث تغيير فى فلسفة الحكم؟ لا أبدا. فليس هناك فرق بين الإخوان والحزب الوطنى فى الحكم. فالاثنان هما رجال أعمال. ورأسمالية تحكم وتريد المكسب ولا علاقة لها بالناس. هناك لجنة السياسات فى الحزب الوطنى وهناك مكتب الإرشاد فى الإخوان. هو نفس الحال. ستجد أن شعار الثورة حول العيش والحرية والكرامة باقيا على حاله. بهذا الشكل كيف نسمى «25 يناير»؟ انتفاضة أم حركة إصلاح أم ماذا؟ سمها انتفاضة.. حالة ثورة.. غليان فى الشارع.. قام بتحديد الشعارات من المطالبة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، التى هى حاجات الجماهير الحقيقية التى لم يشعر بها الحكم وقتها.. وعدم تحقق هذه الشعارات هو الذى يفسر لنا سبب التجمعات والتظاهرات المستمرة على مدى السنوات الماضية حتى الآن، فلو كانت الثورة حققت أهدافها لماذا أقوم بالمظاهرات؟. الآن.. كيف نحتفل بذكرى 25 يناير؟.. ما نراه هو أن أهل يناير عندما يحتفلون فإنهم يدعون إلى ثورة جديدة باعتبار أنه لا شيء تغير.. والآخرون يلعنون كل ما جرى فى يناير.. فكيف نتعامل مع الأمر الآن ولأجل الغد؟ لأجل الغد، هناك مطلب سلمى يمكن أن تتبناه الصحافة، وهو أنه كى يتوقف الحديث عن عمليات التخريب وغيرها لا بد من تحقيق شعارات الثورة. وأن نقوم بتجميعها مرة خري، وهى العدالة والعيش والحرية. أين مصر منها الآن؟ الأمور تأخذ مسارا آخر. «بجد والله». فأى ثورة لها أسباب، وإذا كنا نريد منعها لا بد من معالجة أسبابها. والثورة من البداية قامت على شعارات وجدت استجابة عند الجماهير، حتى لو لم يكن هذا هو هدفها الحقيقي. لذلك لابد الآن من تحقيق هذه الأهداف. وقناعتى هى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى بداخله قضية العدالة الاجتماعية، منذ أن كان وزيرا للدفاع وقام وقتها بدفع أموال الغارمات من ميزانية الجيش، برغم أن هذا لم يكن مطلوبا منه. لكن أتمنى أن يخرج الرئيس الآن فى خطاب جماهيرى ويوضح كل العقبات والمعوقات والمحددات وأن يطالب الناس بالوقوف معه. لأن الأوضاع لم تتغير، والضيق يزداد على الناس. الدولة تقول إن سوء الأوضاع الاقتصادية هو محصلة تراكمات على مدى السنوات الست بعد 25 يناير، وإنه كانت تتم زيادة الأجور مثلا لمواجهة أى احتجاجات فئوية، وبالتالى فهى تعمل الآن على مواجهة آثار كل ذلك بالتدريج. نعم تحاول بالتدريج، لكن أين الخطوة المبشرة؟. وحتى عندما تم تعويم الجنيه ومنع الاستيراد فى البداية قلنا إن هذا حل جيد. ولكن سرعان ما وجدنا أن الاستيراد عاد مرة أخري. وهو ما يعنى أن الأزمة ستظل مستمرة وسيظل سعر الدولار مرتفعا. لأننا نستورد به. وفى الماضى محمد على حتى يكون مطلق اليد قرر أنه لابد ان يكون هناك إنتاج وألا يكون هناك استيراد إلا لمستلزمات الإنتاج حتى يتم توفيرها ذاتيا. ولذلك فقد كان يقوم بالتصدير ولا يستورد. ووفقا لشهادة أساتذة المالية العامة الذين درسوا الأحوال فى عصره بشكل تخصصي. فإن محمد على عندما انتهى حكمه كان ميزان المدفوعات لصالح مصر لأول وآخر مرة. أى أن الصادرات أكثر من الواردات. لأننى عندما أصدر آخذ وعندما أستورد أدفع.. المسألة بسيطة. ربما يكون هذا ما جعل العالم يتآمر على محمد على ويهزمه، وبالتالى فإن التجربة الحالية تحتاج إلى شيء من التدرج وعدم المواجهة مع العالم ؟! أنا معك.. لكن الغرب حارب كوبا وهى استطاعت أن تقف كما هى حتى اليوم.. الأمر يحتاج إلى إرادة ومكاشفة مع الناس بحجم المؤامرات من الخارج.. ومن الداخل أيضا من المحتكرين وكبار التجار الذين يخفون السلع فترتفع الأسعار.. كما يحتاج إلى أن تكون لدينا إرادة وفلسفة للاتجاه إلى الصناعة عبر تشجيع فتح المصانع حتى نبدأ الإنتاج وننمى قدراتنا الذاتية فنملك قرارنا.. لا أن تقتصر التنمية على الاستثمار عبر جذب الشركات الأجنبية فقط. أخيرا.. قلت للمؤرخ الكبير الدكتور عاصم الدسوقي.. شكرا يا أستاذنا.