آن الأوان وقد مرت سنوات على ثورة يناير ان نعيد النظر فى كل التجارب الفاشلة فى إنشاء الأحزاب السياسية فى مصر فلم نستطع طوال هذه السنوات ان نصل إلى صيغة ناجحة لأحزاب سياسية حقيقية واتضح لنا أخيرا إنها كانت مجرد ديكورات سرعان ما سقطت وتكشفت عيوبها وأخطاؤها .. منذ أربعينات القرن الماضى لم تشهد مصر بعد ثورة يوليو وحتى الآن تجربة حزبية حقيقية وناجحة كانت كل تجارب ما بعد ثورة يوليو صورا مكررة من نظام حكم فردى لم يؤمن يوما بالتعددية ولهذا كان من الصعب ان يقال ان مصر عاشت تجربة ديمقراطية حقيقية طوال هذه السنوات.. كانت هناك بعض الظواهر الايجابية التى عاشتها مصر من خلال تجربة حزب الوفد العريق وان تعثر كثيرا ما بين اختفائه أو ظهوره أو تغيير القيادات فيه ولكن فى كل الحالات لم يستطع حزب الوفد ان يصمد أمام تجارب سياسية مشوهة قامت على ثوابت الحزب الواحد ابتداء بهيئة التحرير والاتحاد القومى والاتحاد الاشتراكى وحزب مصر والحزب الوطنى وكلها تنظيمات أصبحت الآن فى رحاب الله ولا يجوز عليها الا الرحمة.. عاش المصريون فى حمى الحزب الواحد اكثر من ستين عاما حتى تجمدت الحياة السياسية تماما وسيطرت على الساحة مجموعات من البشر لم يتغير فكرها ولم تتجدد رؤاها وقد ترك ذلك اثاراً سيئة على المناخ العام فكرا وسياسة وحياة.. فى تجارب ثورة يوليو الأولى مع السياسة كانت تجارب هيئة التحرير والاتحاد القومى والاتحاد الاشتراكى وقد واكبت سنوات الثورة الاولى بعد 1952 ورغم انها قامت على منطق الحشود إلا إنها افتقدت الفكر والبرامج والمنهج وتحولت إلى تجمعات عشوائية كانت اقرب إلى الشلل والتجمعات وكان من الصعب ان تحسب على أساس انها أحزاب سياسية فقد اختفت المعارضة وغاب الرأى الأخر وسيطرت مجموعة من الأفكار والرؤى المعلبة على الشارع المصرى.. فى تجارب ثورة يوليو مع حزب مصر والحزب الوطنى استمرت منظومة الحزب الواحد وان فتحت بعض الأبواب لظهور أحزاب منافسة بعضها من الماضى تمثلت فى عودة حزب الوفد الجديد أو حزب التجمع أو الشعب مع عودة بعض رموز الماضى مثل فؤاد باشا سراج الدين وابراهيم شكرى وحلمى مراد كان من أخطر ما فى هذه التجربة انها فتحت الابواب لجماعة الإخوان المسلمين فى صفقة سياسية بغيضة دفعت مصر ثمنها سنوات طويلة وانتهت باغتيال الرئيس الراحل انور السادات فى ظل غياب الأحزاب الحقيقية واختفاء المعارضة استطاعت جماعة الإخوان المسلمون أن تملأ الساحة وان تصبح المعارضة الحقيقية ومن هنا اقتسمت مع النظام الشارع المصرى ولعبت دورا كبيرا فى الاقتصاد والتعليم والحياة البرلمانية حين اقتسمت البرلمان والشورى ومعهما حق الشرعية فى ممارسة العمل السياسى بعيدا عن عين الدولة التى أغمضت عينيها عن الأنشطة الخفية للجماعة فى كل شئون الدولة.. فى هذا الوقت وجدت الجماعة فرصتها فى النقابات المهنية والجامعات والاتحادات الطلابية والمساجد والزوايا والعشوائيات أمام غياب كامل للعمل السياسى الحقيقى. حين جرت انتخابات 2010 كانت صورة الشارع المصرى قد تم تقسيمها إلى تيارين هما الحزب الوطنى بكل سيئاته وجماعة الإخوان المسلمين بكل أطماعها وفى ظل الغياب الكامل لمؤسسات الدولة عن هموم الناس وقضايا المجتمع جاءت ثورة يناير لتطيح بالنظام وتجد جماعة الإخوان المسلمين فرصة ذهبية فى القفز على السلطة أمام فراغ سياسى رهيب غابت فيه كل القوى السياسية ابتداء بالنخبة المصرية وانتهاء بالأحزاب التقليدية التى فقدت كل جذورها ومقوماتها فى الشارع لم تكن لدى الإخوان المسلمين خلفية سياسية حقيقية ولم تكن كوادرهم قادرة على ان تدير شئون وطن فى حجم مصر البشرى والتاريخى وسرعان ما اختفوا من الساحة.. حين خرج المصريون فى حماية جيشهم يطالبون فى 30 يونيه بإسقاط الإخوان كما اسقطوا فى 25 يناير تجربة سياسية واقتصادية لم تحقق أحلامهم فى الاستقرار والرخاء.. كان رحيل النظام السابق وفشل تجربة الإخوان فى الحكم بداية مرحلة جديدة هى التى تعيشها مصر الآن وهى تجربة بلا سياسة أمام ضرورات فرضتها ظروف الأمن وعودة الاستقرار ومواجهة الأزمات التى حلت بمصر فى كل المجالات وهنا نستطيع ان نرصد بعض الظواهر التى شهدتها مصر فى سنوات ما بعد ثورة يناير: أولاً: ان النخبة المصرية خرجت بهزيمة ساحقة فى صراعها مع الإخوان المسلمين بعد قيام ثورة يناير ورحيل النظام السابق وحالة الفراغ السياسى الرهيب الذى سيطرت عليه جماعة الإخوان وأطاحت بالنخبة واستولت على زمام الحكم ثانياً : ان الدولة بكل مؤسساتها وفى مقدمتها الجيش والشرطة كانت تقود معركة ضارية فى سيناء ضد الإرهاب حرصا على وحدة الوطن وفى نفس الوقت تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مؤسسات الدولة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فى ظل حرص شديد على الحالة الأمنية الداخلية التى وصلت إلى ما يشبه الفوضى بعد ثورة يناير وهنا غاب البعد السياسى عن فكر الدولة أمام ضرورات أهم وظروف أصعب. ثالثاً: أمام حالة الفراغ السياسى فى الشارع المصرى حاول رأس المال أن يحجز مكانا وسط هذا الفراغ حيث قام رجال الأعمال فى خبطات سريعة بإنشاء بعض الأحزاب التى افتقدت الفكر والأسلوب والمنهج وتحولت إلى أحزاب شخصية بنفس أساليب إنشاء الحزب الواحد من الدولة وكان الفرق ان هذا حزب أقامه مسئول فى السلطة وهذا حزب أقامه رجل أعمال بأمواله وكما فشلت أحزاب السلطة لحقت بها أحزاب رأس المال وكان هذا تأكيد على فشل كل تجارب الأحزاب الفوقية التى خرجت من جلباب سلطة القرار أو من جيوب رأس المال. نحن أمام تجارب فاشلة فى العمل السياسى ما بين الحزب الواحد أو الأحزاب الكرتونية أو الجماعات الدينية أو الأحزاب المالية التى استغلت ظروف ومناخ الفراغ السياسى بحيث يمكن ان يقال ان مصر حتى الآن لم تشهد تجربة حزبية حقيقية إلا ما كان قبل ثورة يوليو وأحزاب مصر القديمة. رابعاً: لا بد ان نعترف بأن حالة الجفاء التى حدثت بين الدولة وشبابها بعد ثورتى يناير ويونيه جعلت الشباب يأخذ مكانا بعيدا عن العمل السياسى أمام شعور بالإحباط والمرارة فقد نجح فى إسقاط نظامين فى ثورتين ولم يحقق حلما من أحلامه فى ان يكون صاحب دور ومسئولية فى صياغة مستقبل هذا الوطن. لقد وجد ثوار يناير أنفسهم فى السجون أو أمام المحاكم فى قضايا تتهمهم بالعمالة والارتزاق وتخلصت ثورة يونيه من كثير من فرسانها ووجد الشباب مجموعة من الأبواق الكريهة تطاردهم على الشاشات بالتسجيلات والأحكام والفضائح .. وكان هذا الجيل الذى كان يوما يمثل الأمل والحلم قد أصبح مطرودا أو مدانا أمام الجميع وفضل هذا الجيل ان ينسحب بعيدا خوفا من الاتهامات أو السجون أو سوء الفهم .. ولا ينبغى ان ننكر المحاولات التى تقوم بها الدولة الآن فى جمع شبابها وقد تجسد ذلك فى مؤتمر الشباب بشرم الشيخ وقرار الرئيس عبد الفتاح السيسى بالافراج عن مئات الشباب من السجون وهناك قوائم أخرى سوف يفرج عنها فى الأيام القادمة.. هذا بجانب إجراءات جادة من الدولة لاحتواء أحلام الشباب فى العمل أو السكن أو المشاركة فى بناء المستقبل. تبقى عندى ملاحظات سريعة ان فشل تجاربنا السابقة مع الحياة الحزبية لا ينبغى ان يجعلنا نكفر بالديمقراطية أو نصدق من يدعى إننا لسنا جديرين بها فقد كانت لنا تجارب ناجحة مع الحريات منذ عشرات السنين.. ويخطئ من يتصور ان إغلاق النوافذ أفضل لأن الشباب الحر اقدر على بناء الأوطان من شباب فى المعتقلات والسجون وان رأس المال يمكن ان يبنى مصنعا او عمارة ولكنه لا يشترى بشراً وان هؤلاء الذين أقاموا الأحزاب السياسية ودفعوا لها الملايين أولى بهم ان يشاركوا فى بناء اقتصاد الدولة وتشغيل شبابها.. كما ان الدولة يجب ان تضع حدا لقضايا التمويل الأجنبى أما بالعفو أو التحقيق أو الإدانة ولا يعقل ان يظل سيف الخيانة مسلطا على رقاب شباب أبرياء إلا إذا كانت هناك عدالة جاذمة وقد تأخرت كثيراً.. هنا أيضا لابد أن تضع الدولة خطة لتشجع الشباب على المشاركة فى العمل السياسى بلا مطاردة أو مصادرة أو تصنيف لأن الفراغ السياسيى فى الشارع المصرى يمثل أزمة حقيقية. ان حالة الارتباك والتخبط التى تعانى منها الآن بعض مؤسسات الدولة خاصة فى جوانب مهمة مثل الاقتصاد والإعلام والمال العام كلها قضايا تتطلب حسا سياسيا فى علاقة السلطة بالشارع وهذه جوانب تقوم فى الأساس على درجة الوعى والمواطنة والمكاشفة وهى أشياء لابد لها من كوادر سياسية تتحمل هذه المسئولية بوعى وكفاءة...
ويبقى الشعر أتيتُكِ نهراً حزينَ الضِّفافِ فلا ماءَ عندي.. ولا سنبلة فلا تسألى الرًّوْضَ كيف انْتَهْيتَ.. ولا تسألى النًهَرَ من أَهْمَلَه أنا زهرةٌ من ربيعٍ قِديمٍ أحَبَّ الجمال، وكم ظلله حقائب عُمرى بقايا سراب وأطلالُ حلمى بها مُهْمَلَة وجوهٌ على العينِ مرَّت سريعاً فمن خان قلبي، ومن دَلله ولا تسألى الشِعْرَ من كان قبلي ومن فى رحاب الهوى رَتّلَه أنا عَابِدٌ فى رِحَابِ الجَمَالِ رأى فى عيونكِ ما أَذْهَلَه يقولون فى القتلِ ذنبٌ كبيرٌ وقتل المحبينَ مَن حَلّلَه أناديكِ كالضوءِ خلفَ الغيوم وأسأل قلبكِ من بَدَّلَه وأصبحتُ كالنهرِ طيفاً عجوزاً زمانٌ من القهرِ قد أَثْقَلَه فهذا الحريقُ الذى فى يديكِ يثير شجوني. فمَن أَشْعَلَه وهذا الشموخُ الذى كان يوماً يضيءُ سماءَكِ مَن أَسْدَلَه أَعيدى الربيع لهذى الضفاف وقومى من اليأسِ.. ما أَطْوَلَه فخيرُ الخلائقِ شعبٌ عنيدٌ إذا ما ابتدا حُلْمَهُ، أَكْمَلَه حَزينٌ غنائى فهل تسمعينَ بكاءَ الطيورِ على المِقْصَلَة أنا صرخةٌ من زمانٍ عريقٍ غَدَتْ فى عيون الورى مَهْزَلَة أنا طائرٌ من بقايا النسورِ سلامُ الحمائمِ، قد كَبَّلَه أنا جذوةٌ من بقايا حَريقٍ وبستان وردٍ به قُنْبُلَة فلا تسألى الفجر عن قاتليهِ وعن سارقيهِ.. ومن أَجَّلَه ولا تسألى النَّهر عن عاشقيهِ وعن بائعيهِ.. وما أَمَّلَه تعالى أحبُّكِ ما عاد عندي سوى الحب والموت والأسئلة زَمانٌ دميمٌ أذلَّ الخيولَ فما كان مني، وما كنت له خيولٌ تعرَّت فصارت نعاجا فمن روّج القُبحَ، مَن جَمَّلَة ومن علَّم الخيلَ أنَّ النباحَ وراء المرابينَ.. ما أجمله هنا كان بالأمس صوتُ الخيولِ على كل باغٍ له جَلْجَلَة فكم أسقط الحقُّ عرشَ الطغاة وكم واجَهَ الزيفَ كم زَلْزَلة فكيفَ انتهى المجدُ للباكياتِ ومن أخرس الحقَّ.. من ضَلَّلَة ومن قال أن البُكا كالصهيلِ وَعَدو الفوارس كَالهَرْوَلَه سلامٌ على كلِ نسرِ جسور يرى فى سماءِ العلا مَنْزِلَة
قصيدة الخيول لا تعرف النباح سنة 2000 لمزيد من مقالات فاروق جويدة