رغم معاناتها النفسية الناتجة من عدم تقبلها في مراحل تعليمها المختلفة بسبب إعاقتها، والنظرات القاتلة التي كانت تشاهدها في عيون المعلمين وزملائها الطلاب، ولكنها تحلت بالإصرار والعزيمة، وواصلت مشوار حياتها حتي تخرجت وعملت إدارية في إحدي المدارس، وقررت مساعدة الآخرين رغم ظروفها الصحية فانضمت إلي مشروع محو الأمية وتعليم الكبار بمحافظة الإسماعيلية، واستطاعت في وقت قصير تحفيز أكثر من 300 رجل وامرأة علي محو أميتهم .. في السطور التالية نروي قصة دميانة محروس جرجس التي انتصرت لقيمة العلم. تقول دميانة (30 عاما): عندما كنت طفلة لم أتخطى عامى الثانى، حدثت لى مضعفات مرضية، ذهبنا على أثرها إلى المستشفى، وتم إعطائى حقنة عن طريق الخطأ، نتج عنها إصابتى بشلل أطفال فى أطرافى السفلى، وبعد رحلة علاج استمرت لأكثر من 4 سنوات، أصبح الأمل فى الشفاء يتضاءل شيئا فشيئا، حتى تلاشى مع مضى الوقت، ورضيت بقدر الله، وأصبحت أستخدم الكرسى المتحرك فى كل تحركاتى. وتضيف: بعد انتهاء رحلة العلاج، كان موعد دخولى المدرسة قد حان، أخذتنى والدتى وذهبت بى إلى مدرسة عمر ابن الخطاب فى حى السلام بمحافظة الاسماعيلية لكى تلحقنى بها، سمعت والدتى كلمات جارحة من بعض المسئولين فى المدرسة بسبب إعاقتى، هذه الكلمات التى وقعت على مسامع والدتى كالصاعقة، خلقت بداخلها نوعا من التحدى لجميع من فى المدرسة، وقررت أن أكمل تعليمى ولم تلتفت لجميع التعليقات، التى زادت مع مرور الوقت سواء من الطلبة أو المعلمين. وتكمل: لم تدخر والدتى أى جهد فى جميع الاتجاهات لتوفر لى حياة مستقرة وسعيدة، فهى من تتحمل التعب والألم لكى استريح أنا، وهى من تعبت معى فى جميع مراحل حياتى، ولولاها لما أكملت دراستى حتى حصلت على شهادة دبلوم فنى صناعى قسم ملابس جاهزة، وهى أيضا من علمتنى معانى كثيرة عن الإرادة الكامنة بداخل كل منا، والتحدى الذى أصبح سمة من سماتى الشخصية، والإصرار والعزيمة اللذين بدونهما تصبح الحياة لا قيمة لها. وتواصل حديثها: بعد تخرجى بسنوات حصلت على وظيفة عمل إدارى فى مدرسة السلام الابتدائية الجديدة بحى السلام فى مدينة الإسماعيلية، وفى إحدى السنوات أخبرنى مدير المدرسة بأنه يوجد مشروع محو أمية وتعليم الكبار تابع للمحافظة، فوجدنى متحمسة لهذا الأمر، وبالفعل ذهبت إلى المحافظة، وقررت تقديم طلب للمشاركة فى هذا الأمر الوطنى، وتم قبولى، وبدأت الإعداد لتكوين مجموعة وإيجاد مكان للتدريس فيه، ووفقنى الله لذلك، وفى بداية الأمر وجدت صعوبة فى التواصل والتعامل مع هذه الفئات، ولذلك حصلت على دورات تدريبية فى طرق التعامل معهم خاصة أنهم جميعا كبار فى السن، حتى أستطيع إفادتهم وتوصيل المعلومة لهم بشكل صحيح. وقمت بتأسيس فصل لمحو الأمية وتعليم الكبار في بدروم مدرسة النهضة الحديثة بالإسماعيلية، وبسبب وضعي الصحي وجلوسي علي الكرسي المتحرك استخدمت سبورة معلقة للشرح عليها، ووفقني الله بحضور أعداد كثيرة من الرجال والنساء، وحدث بيني وبينهم مودة وألفة خاصة بعدما عرفت الأسباب التي دفعتهم إلي محو أميتهم في هذا السن المتقدم، حيث أخبرتني إحدي السيدات أنها ترغب في المذاكرة لأبنائها الصغار حتي يتفقوا في الدراسة، وأخرى كانت تتمنى قراءة القرآن الكريم فى المصحف الشريف، وسيدة آخري كانت ذاهبة في لموعد مع الطبيب وعندما ضلت العنوان سألت شابا مثل أبنائها عن عيادة الطبيب فقال لها «اليافطة في وشك يا ماما أنتي مش شايفة» فكان هذا الرد حافزا لها لمحو اميتها وتعلم القراءة لكي لا تتعرض لهذا الموقف مرة اخري. واستطعت حتي الآن محو أمية أكثر من 300 رجل وامرأة، ومستمرة في عملي الخدمي الذي أحبه وأفضله عن باقي الأعمال التي أمارسها في حياتي، لأن مساعدة الناس هي العمل الاسمي بالنسبة لي. وتضيف: كنت أعانى من كثرة وقت الفراغ الذى يحيط بى من كل جانب، ولحبى للعمل، قمت بالذهاب إلى أماكن تعليم الحرف اليدوية، ومنها أحد المصانع فى شارك رضا بالإسماعيلية، وتدربت على فن التريكو وتصميم الفساتين وبعض الأعمال الأخرى، واستطعت أن أصل إلى مرحلة الاحتراف فى وقت قصير لأننى أخلص فى عملى، والآن أصبح لى إنتاج متكامل من عمل يدى ومنها أعمال لفساتين أفراح ومناسبات مطرزة بالخرز، ومختلف أعمالى كانت نال إعجاب الكثيرين ممن يشاهدونها. وتكمل: نصحنى بعد أصدقائى المقربون بضرورة ممارستى لنوع من الرياضة الخفيفة لكى أخرج الطاقة الإيجابية الكامنة بداخلى، واقتنعت والدتى بالفكرة وشجعتنى عليها، وبالفعل ذهبت إلى نادى العزيمة بالإسماعيلية، وتقابلت مع الكابتن خالد كامل، واتفقنا على ممارستى للعبة تنس الطاولة، لأنى أعشقها منذ الصغر، وبدأت الانتظام فى التدريبات، وبسبب مرعاة الكابتن خالد لى وتشجيعه المستمر، استطعت الوصول إلى مرحلة الاحتراف فى شهور معدودة، وشاركت فى أول بطولة لى وكانت فى مدينة العريش، وحصلت على المركز الثانى، ومستمرة فى ممارسة هذه اللعبة الشيقة حتى الآن. وفى ختام حديثها توجه دميانة رسالة إلى كل أقرانها قائلة: « لا حياة مع اليأس وكل واحدا منا لديه أشياء كثيرة جميلة بداخله، وعلينا عدم الاستسلام أو اليأس، لأنهما بداية طريق الإحباط والفشل، وتطالب الدولة بالاهتمام بذوى الإعاقة فى المحافظة البعيدة عن العاصمة، وتحلم بأن تكون بطلة فى الرياضة التى تحبها وهى تنس الطاولة.