أصدر الدكتور عبداللطيف الزيانى أمين عام مجلس التعاون الخليجى بياناً باسم المجلس تضمن انزعاجاً لدول المجلس من الزج باسم قطر فى قضية خلية الإرهاب التى فجرت الكنيسة البطرسية وقد عكس البيان وتوقيته تطوراً له دلالاته فى علاقة دول مجلس التعاون الخليجى بمصر فى الفترة الأخيرة، والقراءة الدقيقة لهذا البيان تشير إلى عدد من الحقائق الجديرة بالملاحظة التى من بينها أن مثل هذا البيان لا يصدر إلا بعد مراجعة دوائر صنع القرار فى دول المجلس وهو ما يعنى أن هناك اتفاقاً جماعياً بهذا الخصوص وأن البيان تضمن عبارات تتجاوز العرف الدبلوماسى وعلاقات الأشقاء خاصة اعتبار أن المساس بقطر أمر مرفوض ومتسرع ويتضمن البيان على هذا النحو رسالة جماعية بالدفاع عن الموقف القطرى وتصاعد ذلك إلى التهديد المبطن خاصة عندما أوضح أن التسرع فى إطلاق التصريحات دون التأكد منها يؤثر على العلاقات بين مصر ودول الخليج. فضلاً عن أن معدى البيان لم يراجعوا الموقف المصرى والقطرى بهذا الخصوص وخرجوا بقراءات وفهم خاطئ بعيد عن الحقيقة، فبيان وزارة الداخلية المصرية الوحيد الذى صدر بخصوص جريمة تفجير الكنيسة البطرسية تضمن أن مخطط العملية تردد على قطر والتقى بعض قيادات الإخوان المسلمين الذين تحتضنهم الدوحة وتسمح لهم بممارسة أنشطتهم العدائية ضد مصر، ولم يتضمن البيان اتهاماً للسلطات القطرية بالتورط فى الجريمة بل أكد تقديم القيادات الإخوانية دعماً مالياً ولوجستياً للخلية الإرهابية، وتناسى بيان المجلس الموقر رد وزير الخارجية القطرى عقب صدور بيان الداخلية المصرية والذى تضمن تحريضاً ضد مصر واتهاماً لأجهزة الأمن المصرية بالتقصير والادعاءات غير الصحيحة. ولم يزعجه كذلك حديث وزير الخارجية القطرى فى 26 نوفمبر الذى تضمن أن ما سماه الحصار المصرى لقطاع غزة سوف يجعل منها منصة انطلاق سهلة لتنظيم داعش والقائمين على شئون التجنيد فى صفوف ذلك التنظيم ونقلت وكالة رويترز فى نفس اليوم هجوماً لذلك الوزير القطرى على مصر وموقفها من الأزمة السورية وهى تجاوزات لم تزعج مجلس التعاون الخليجي. إن الموقف المصرى بخصوص علاقة قيادات الإخوان بالخلية الإرهابية استند إلى وقائع تم كشفها وجار تحقيقات مكثفة لمعرفة تفاصيل أكثر بخصوصها، ونشير فى هذا الخصوص إلى عدد من الملاحظات التى من بينها ما يلي: أن مصر اعتبرت جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية وساندتها دولا خليجية فى هذا الموقف بل وكشفت فى نفس التوقيت عن خلايا تابعة للجماعة تهدد أمنها القومي. أن جماعة الإخوان على سبيل المثال أصدرت بياناً تنعى فيه الإرهابى «حبارة» واعتبرته ناشطاً سياسياً لا يستحق الإعدام وهو موقف كان يستحق المراجعة من الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجى لأنه يشير إلى صحة ما ورد فى بيان وزارة الداخلية المصرية. أن موقف الملك «عبدالله بن عبدالعزيز» رحمه الله كان متجاوباً بصورة كبيرة مع الموقف المصرى واعتبر - ومعه دول خليجية أخرى - أن الموقف القطرى تجاه مصر يحتاج إلى تغيير وتمت ممارسة الضغوط على قطر لتحجيم نشاط قيادات الجماعة المقيمة على أراضيها أو إبعادهم وهو ما يعنى أن هناك موقفاً خليجياً تضمن اعترافاً بالممارسات القطرية المعادية لمصر. أن تلك الممارسات القطرية التى كانت مرفوضة طبقاً لبيان المجلس مشروعة بل وأن توجيه اتهامات لعناصر الجماعة يعتبر مساساً بقطر وحسب وجهة نظر جديدة يصبح أمرا مرفوضا. أن هذا البيان لا يرتب فى النهاية موقفاً سياسياً أو تغييراً استراتيجياً فى علاقة دول المجلس بمصر ولكنه يكشف عن مسار الاحتقان والتوتر المكتوم فى علاقات الطرفين. أن بيان مجلس التعاون يكشف عن حجم الأزمة التى تشهدها العلاقات المصرية السعودية والتى تتسع حالياً لتشمل قضايا متعددة وتكشف كذلك عن أن دوائر صنع القرار فى السعودية لا تكتفى بأزمة العلاقات الثنائية وإنما نجحت فى أن تجذب معها المنظومة الخليجية باستثناء سلطنة عمان. لقد كتبت أنا وغيرى عدة مرات نطالب بضرورة الحوار الاستراتيجى بين مصر والسعودية، ومصر ودول الخليج حوارا يتم خلاله طرح جميع الملفات التى تشهد تبايناً فى المواقف وتأكيد ثوابت هذه العلاقات ومتغيراتها، ولعل الأمر يتطلب هنا إعادة التأكيد عليها فمن الثوابت التى يجب أن تدركها دوائر صنع القرار فى السعودية أن مصر هى أكبر الدول العربية وأن من حقها أن تصيغ مسارات حركتها وسياساتها الخارجية بما يتفق مع مصالحها الإستراتيجية ولا يضر بمصالح أشقائها وأنها لا تقبل أن تتنازل عن إرادتها أو ترتهن هذه الإرادة بأى ثمن وأن الطابع القومى للشخصية المصرية يؤكد أن المصريين لا يقبلون أن يمن عليهم خاصة الأشقاء بما يقدمونه لها وقت الأزمات رغم كل التقدير لذلك. أن مصر أعلنت ولا تزال أن الأمن القومى الخليجى ركيزة أساسية للأمن القومى المصرى وعندما أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى عبارته الشهيرة «مسافة السكة» كان ولا يزال يقصد مواجهة أى تهديدات يتعرض لها أمن الأشقاء فى الخليج، وهذا لا يعنى أن يتم توجيه الموقف المصرى لصالح رؤى مختلفة من قضايا المنطقة، فمصر ترى أن المحافظة على كيان المؤسسات والدولة السورية أهمية استراتيجية للأمن القومى العربى والأمن القومى المصرى ومن حقها ذلك، وترى قطر والسعودية مساعدة الفصائل المسلحة وضرورة إسقاط النظام، ويتباين الموقف القطرى والسعودى تجاه بعض التفاصيل، فالسعودية ترى التغلغل الإيرانى فى سوريا خطراً إقليمياً ولا تعتبر قطر كذلك ورغم ذلك لم تتخذ الرياض موقفاً من الدوحة بهذا الخصوص، كما أن التطورات الجارية فى سوريا أثبتت صحة الرؤية المصرية بل إن مصادر روسية أكدت أخيرا أن السعودية بدأت تغير موقفها من بشار الأسد فى المرحلة الانتقالية توافقاً مع الموقف الروسى والتركى وموقف الرئيس الأمريكى الجديد. وبخصوص قضية اليمن فإن الموقف المصرى كان ولا يزال واضحاً وهو حماية الأراضى والأمن القومى السعودى ورفض التدخل الإيرانى ولكن دون المشاركة فى عمليات برية داخل اليمن وهو نفس الموقف المصرى خلال حرب تحرير الكويت عندما رفضت مصر تجاوز قواتها للحدود العراقية واقتصرت على تحرير الأراضى الكويتية. إن دوائر صنع القرار السعودى عليها أن تراجع بعض السياسات التى لا تتفق مع طبيعة علاقات الأشقاء ولعل الاندفاع الجارى فى علاقات الرياض بأديس أبابا والذى وصل إلى زيارة مستشار الملك لسد النهضة وحديث التليفزيون الإثيوبى عن مباحثات ثنائية لاستثمارات فى المشروعات المرتبطة بهاذا السد وكذلك زيارة وزير الخارجية القطرى إلى أثيوبيا والحديث عن استثمارات قطرية أثيوبية فى مشروعات السدود على نهر النيل تمثل استفزازاً لا مبرر له وتأخذ العلاقات الخليجية المصرية إلى منحى بعيد يصعب مستقبلاً التحكم فيه ويثير استياءا شعبيا على دوائر صنع القرار فى مصر قد يرتب مواقف فى غير صالح هذه العلاقات، لأن هذه الممارسات تمس الأمن القومى المصرى بصورة مباشرة وتحتاج إلى وقفة وحوار مكثف. إن الموقف السعودى من هذه القضايا بدأ يتغير، فعلى سبيل المثال تغيرت مواقف وتصريحات وزير الخارجية السعودى الذى كان يشدد على التدخل العسكرى - حتى البرى - ضد النظام السورى وأنه لا مكان لبشار الأسد فى أية تسوية سياسية، وتغيرت هذه المواقف أخيرا إلى ضرورة الحل السياسى وأن يمكن أن يكون هناك دور لبشار الأسد فى المرحلة الانتقالية وذلك بفعل الضغوط الدولية والإقليمية وهو تقريباً نفس الموقف المصرى الذى يرى أولوية محاربة الإرهاب فى سوريا وهو ما لا تراه دولة مثل قطر، وفيما يتعلق بالأزمة اليمنية فإن الضغوط الأمريكية والبريطانية وآخرها زيارة كيرى إلى الرياض والتى أكدت عدم قدرة العمليات العسكرية على حل الأزمة والعودة إلى خارطة الطريق الأممية، بل إن واشنطن ذهبت إلى أبعد من ذلك فلقد سحبت عدداً من خبرائها العسكريين الذين ينسقون فى الرياض عمليات عاصفة الحزم، وجمدت مؤخراً بعض صفقات الأسلحة التى سبق الاتفاق عليها مع السعودية حتى لا تستخدم فى العمليات العسكرية فى اليمن وهو موقف يشير إلى ضغوط سوف تؤدى لتغير فى الموقف السعودى نفسه. إن مصر مطالبة بعدم اتخاذ أية خطوات تصعيدية للرد على بعض الممارسات التى تمس أمنها القومى والبحث عن اطار لحوار استراتيجى مع الأشقاء فى السعودية ودول الخليج تؤكد خلالها أن علاقاتها بتلك الدول لها الأولوية القصوى وأن دعم الأمن القومى لدول الخليج ليس ترفاً سياسيا أو منةً من مصر ولكنه ضرورة تفرضها متطلبات الأمن القومى المصرى والعربى وأن دول الخليج عندما تتخذ مواقف جماعية لمساندة قطر وتتجاهل الموقف المصرى بهذا الخصوص ليس فى مصلحة أحد، وأن سياسة التهديد الجماعى ليست مطلوبة ولا مبرر لها، كما أنه من الضرورى الإشارة إلى أن ما يجرى فى المنطقة يتطلب حواراً واعياً بعيداً عن الاستعلاء ومحاولة فرض الإرادة، فالتقارب الإيرانى التركى من خلال الغطاء الروسى يصب فى مصلحة إيران ويهدد الأمن القومى العربى بشموليته، وأن عودة الدور الإقليمى لمصر لا يسحب من الدور الإقليمى لدول الخليج فالتحالف المصرى الخليجى لا يزال هو الصيغة المثلى التى تحقق المصالح الإستراتيجية للجميع. إن التوتر القائم فى العلاقات المصرية / السعودية يتطلب جهدا خليجيا لاستيعابه على قاعدة «لا منتصر ولا مهزوم» وعلى أساس احترام إرادة كل طرف، ولعل سلطنة عمان تكون الطرف الأكثر تأهيلا للقيام بهذا الدور هو الشيخ محمد بن زايد وأمير الكويت، وسوف تتجاوز مصر أزمتها الاقتصادية رغم كل الضغوط الدولية والإقليمية التى تتعرض لها وعندها سوف تذكر لك التقدير من وقف إلى جانبها، وسوف تواصل الدعم والحماية والتضحية للأشقاء كما فعلت من قبل ومع التأكيد للجميع أن السياسة المصرية تُصاغ فى القاهرة ولا يمليها عليها أحد وبما يتفق مع المصالح الإستراتيجية المصرية فى النهاية. لمزيد من مقالات د. محمد مجاهد الزيات