من صحراء جرداء الى التربع على عرش السياحة العالمية,إنها دبى, فمنذ أن تغادر صالة رقم 1 او مطار القاهرة «القديم» وتطأ قدمك مطار دبى الدولى تشعر انك فى عالم آخر لا ينتمى الى عالمنا ..وبمجرد ان تستقل التاكسى الذى يقلك الى مقر إقامتك لن تصدق انك فى دولة عربية ,فالإبهار يأخذك أينما ذهبت حيث الابراج الشامخة والمناظر الخلابة تحلق بك بعيدا فى عالم لا تعرفه وخلال مدة زيارتك ستجد دائما سؤال يطاردك ولن تعرف له إجابة إلا فى أثناء مغادرتك وعودتك الى أرض الوطن, كيف استطاعت هذه الإمارة الصحراوية القاحلة ان تصل الى هذا المستوى غير المسبوق من النهضة السياحية؟ هذا السؤال كان يطاردنى منذ ان وصلت إلى دبى بدعوة من دائرة السياحة والتسوق حيث لا توجد بها وزارة او وزير مسئول عن هذا الملف..ورغم ذلك استطاعت هذه الدائرة او الهيئة جذب 16 مليون سائح خلال العام الحالى وهو الرقم الذى فاق ما حققناه خلال عام 2010 المسمى بعام الذروة السياحية بنحو 3 ملايين سائح.كانت الدعوة بمناسبة افتتاح الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبى لأكبر ملاه للأطفال فى منطقة الشرق الأوسط لتدخل دبى قائمة الدول الكبرى لسياحة العائلات. وعلى عكس ما ألفناه فلم يقابلنا اى مسئول من دائرة السياحة او غيرها إلا قبل مغادرتنا بيوم واحد..فقد تعمدوا ان يتركوا جميع الصحفيين الذين تمت دعوتهم من جميع انحاء العالم كى يعيشوا التجربة بأنفسهم دون ضغط من مسئول او عقد مؤتمرات لتجميل الواقع او عرض الإنجازات..وفى تقديرى عكس هذا النهج ثقة المسئولين فى انفسهم وفيما حققوه على أرض الواقع فقد رفعوا شعار «نحن بلد أفعال لا أقوال»,وبالفعل فخلال مدة الزيارة تجد نفسك لا تخرج من حالة الإبهار الذى يسيطر عليك عند زيارتك معالم دبى حيث الابراج الشاهقة بتصميمات عالمية لا تجدها فى كثير من دول العالم الأول متراصة جميعها على شكل هندسى بديع ..بحيرات اصطناعية تم إدخالها لمدن مختلفة وعلى جانبيها مراكز التسوق العالمية والفنادق والمطاعم المتنوعة..استطاعت هذه المنظومة ان تجذب شرائح مختلفة من السائحين حيث لبت رغبة الباحث منهم عن الاستمتاع بالبحر والغوص فى أعماقه..وكذلك الباحث عن شراء الذهب والملابس ذات الماركات العالمية..ومتطلبات الأسرة التى تبحث لأطفالها عن عالم الألعاب والترفيه.زرنا مركز محمد بن راشد آل مكتوم للتواصل الحضارى والذى تجد فيه مرشدا سياحيا إماراتيا مهمته ان يصطحب جميع السائحين الى داخل مسجد المركز ليشرح لهم بجميع اللغات الأجنبية التى يجيدها بطلاقة معانى الإسلام الراقية وكيف تدعو آيات القرآن الكريم الى التسامح والحب بين البشر وتبغض الكره وتحرم القتل..اختيار دائرة السياحة لهذا البرنامج الفريد من نوعه يعكس وعى القائمين على ملف السياحة بأن مهمتها ليست فقط الترفيه والتسوق بل انها ايضا وسيلة مهمة للتقارب بين الشعوب والثقافات المختلفة.. وقد اكد لى مرشد البرنامج نجاح هذه الفكرة فى تحسين صورة الإسلام لدى السائحين الذين يتوافدون الينا من جميع انحاء العالم حيث نؤكد لهم من خلال المناقشات ان الدين الإسلامى ليس دين عنف وانه قائم على التسامح والمحبة بين الشعوب. ولعل فوز دبى أخيرا بتنظيم أكبر معرض دولى فى العالم «اكسبو2020» الذى لم تحظ بتنظيمه من قبل اى من دول منطقة الشرق الأوسط أو جنوب شرق اسيا يعد دليلا على قدرة دبى على المنافسة مع أكبر و اقوى دول فى العالم،وكذلك هى شهادة لدبى على سمعتها الممتازة فى مجال المال والاعمال وكمركز للاستقرار والتقارب بين مختلف الشعوب والحضارات والأديان والثقافات فى العالم. ولكن يظل السؤال قائما وصارخا بعظمة الإنجاز...كيف تحولت هذه الإمارة الصغيرة التى ليس لديها اى مقومات سياحية تذكر بخلاف صحراء قاحلة وميناء صغير للصيد وقدر يسير من الذهب الأسود الى افضل مدن العصر واهم مركز عالمى للمال والأعمال والسياحة؟ ليس من العيب على الإطلاق ان ندرس هذه التجربة التى حازت على تقدير العالم ولا توجد غضاضة فى ان نتعلم من تجربتهم التى جعلت من السياحة صناعة تدر دخلا سنويا وصل هذا العام الى 19 مليار دولار. ولعل هذا المبدأ كان السبب الرئيسى وراء هذه النهضة فقد لجأت دبى الى أهم وأكبر خبراء العالم فى جميع المجالات سياحية كانت او تجارية او عقارية..بل إنها لجأت الى استيراد أيدى عاملة من جميع انحاء العالم وخاصة من الهند وباكستان وماليزيا..ولهذا لم اتفاجأ حينما قابلت مدير العلاقات العامة بدائرة السياحة انس علوش ووجدته يحمل الجنسية المغربية ولم يجد المسئولون غضاضة فى الاستعانة بأجنبى أهلته اللغات العديدة التى يجيدها وخبرته فى هذا المجال ان يحتل هذا المركز. وهذا المبدأ تحديدا جعل من دبى ارضا للفرص وملاذا لأصحاب العقول النابهة والمبدعة فهى لا تنظر الى جنسياتهم او دينهم بل الى خبراتهم ورؤيتهم وكفاءتهم ..واصبحت حاضنة لجميع الثقافات والحضارات فدفعت الجميع للعمل فى تناغم وأوجدت لديهم الرغبة فى الإبداع حتى تتحقق النهضة التى طمح فى تحقيقها حاكم دبى الشيخ محمد بن راشد.وبالطبع أدى احتضان الإمارة لجميع الجنسيات الى إيجاد خلية نحل تعمل بانتظام فى بناء المشروعات والبنية الأساسية لخلق صناعة سياحة بمفهوم جديد لا يعتمد على المقومات التقليدية مثل الشواطئ ورحلات السفارى فى الصحراء..بل يقوم على بناء مشروعات تحقق عائدات مضافة تفوق ما تحققه السياحة التقليدية مثل مراكز التسوق الضخمة المنتشرة فى جميع مراكز الجذب السياحى ..والبحيرات الصناعية التى تم حفرها لإنشاء مارينا دبى حيث تصحبك على صفحاتها اليخوت فى رحلة ممتعة لتشاهد مئات المطاعم التى تراصت على ضفاف البحيرة.. فضلا عن العديد من المشروعات الترفيهية المختلفة التى نجحت فى زيادة معدلات انفاق السائحين التى بلغ متوسطها 2050 دولارا للسائح وهو ما لم تحققه اية دوله سياحية اخري.. ولكى تكتمل منظومة صناعة السياحة الحديثة كان هذا المشروع الضخم الذى تم دعوتنا لحضوره وافتتحه الشيخ محمد بن راشد الأثنين الماضى والذى سيجعل من دبى قبلة لسياحة العائلات حيث يضم المشروع أكبر ملاه ترفيهية للأطفال وبداخله جناح ضخم لأهم معالم الدول العربية وكان لمصر النصيب الأكبر بمجسمات ضخمة للأهرامات وآثار منطقة الجيزة. والآن وضعت دبى رؤيتها لجذب 20 مليون سائح بحلول عام 2020..وحددت مهمتها كما تقول دائرة السياحة فى دبى فى تعزيز اقتصادها من خلال جذب السائحين وذلك من خلال جعل دبى الوجهة الأفضل التى يوصى بها فى العالم للترفيه والأعمال و العمل على رفع المكانة الدولية للعروض السياحية والتجارية بشكل يتسم بالابتكار والفاعلية وإعادة تحديد توقعات المسافر من خلال طرح حلول متطورة وخدمات متميزة وتولى تجارب رائدة تعمل على حث الناس على زيارة دبى والعودة إليها مجددًا. اثبتت دبى بما لا يدع مجالا للشك ان العرب قادرون على إبهار العالم إذا ما توافرت الإرادة الحقيقية وتوحد الهدف بين ابناء الوطن الواحد.. ولعل تجربة الشيخ محمد بن راشد لا تختلف عن رؤية الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى افتتح العديد من المشروعات القومية مثل مشروع الجلالة الذى سيجعل من العين السخنة أكبر مقصد عالميا للسياحة و قناة السويس الجديدة والتى كانت موضوع نقاش مع بعض المسئولين الاماراتيين الذين توقعوا ان تجذب استثمارات سياحية مختلفة على جانبيها تماثل منطقة مارينا دبي.