داوت مصر أوجاعها بالصبر والحكمة سنوات عديدة، إلا أن الحكمة هذه المرة تقتضى «عدم الانتظار» أطول من ذلك، فلدى مصر من القرائن والشواهد والأدلة ما يكفى لبدء الرحلة الصعبة على نفس كل مصرى، وهو أن تأخذ بلاده دولة عربية إلى مجلس الأمن الدولى لاستصدار قرار دولى «لمعاقبة قطر» بوصفها دولة داعمة للإرهاب، ونشر الأفكار المتطرفة، واحتضان «جماعةالإخوان» الإرهابية المتورطة فى عمليات الإرهاب الذى يعصف بمصر، والسؤال الذى سوف يقفز هنا هو «لماذا قطر.. ولماذا الآن؟»، والإجابة لأن المجتمع الدولى والقوى الفاعلة فيه فيما عدا بريطانيا صانعة الإخوان بدأت تدرك بحساب «التكلفة والعائد» أنها تدفع ثمنا باهظا من جراء تسامحها مع هذه الجماعات الإرهابية، وأبرز هؤلاء هو دونالد ترامب الذى يأتى بسياسة هى أقرب ما تكون إلى «تجفيف منابع الإرهاب» بصورة حازمة ونهائية، لذا فنحن أمام لحظة نادرة، وهى أن الولاياتالمتحدة وروسيا وفرنسا والصين فيما عدا بريطانيا تجمع على ضرورة مواجهة الإرهاب، وغالبية هذه الدول صنفت الإخوان كجماعة إرهابية، أما فيما يتعلق بقطر، فإن هناك بوادر انزعاج دولى من «البلطجة السياسية» التى تمارسها، وأوهام القوة التى راحت تسيطر على القائمين على أحوال هذه الدويلة الصغيرة، وبالرغم من أن القذافى ساورته هذه الأوهام أيضا، إلا أن الأصابع الأجنبية التى تخيل أنه استأجرها هى التى تآمرت عليه وقتلته!. وأحسب أن «النقطة الفيصل» هنا هى أننا لا يعنينا مصير الزمرة الحاكمة فى قطر، ولكن ما يهمنا بجد هو أن تواصل قطر التمويل والإسناد والحشد السياسى والدعائى وتبرير «الإرهاب» والتحريض ليل مساء على قتل الجنود والضباط، والتحريض على هدم الدولة المصرية، والحصار الاقتصادى، والآن بوضوح شديد «الفتنة الطائفية فى مصر». وأولى الحقائق أن قطر تحتضن قيادات الإخوان ومنظرهم القرضاوى، وأن كثيرا من القيادات الوسيطة، بل وكثير من أعضاء الجماعة ذهبوا ويذهبون إلى قطر، وتقول الداخلية المصرية إن مهاب قاسم المتهم الرئيسى فى تفجير الكنيسة «البطرسية» سبق أن ذهب إلى قطر خلال 2015، وارتبط بقيادة جماعة الإخوان الإرهابية هناك، وعاد بعد ذلك إلى سيناء لتنفيذ عملياته الإرهابية، مع استمرار تواصله مع قيادات الجماعة بقطر، والمدهش أن قطر اعترفت بذلك بدون خجل، مع الإصرار على أنها لا تشجع الإرهاب. والأمر الثانى أن موقع هافينجتون بوست باللغة العربية الذى يديره وضاح خنفر الإخوانى الذى كان رئيسا لقناة الجزيرة من قبل لا يتوقف عن التحريض ومحاولة إشعال الأوضاع فى مصر، ففى أحد المقالات المليئة بالتحريض والخيال المريض يذهب الكاتب إلى القول «ربما نجد عناصر من الشركات الخاصة التى أسسها نجيب ساويرس تتحول إلى ميليشيات داخل الدولة بذريعة حماية الكنائس التى عجزت الدولة عن تأمينها»؟!. والنقطة الثالثة هى أن قطر هى راعية جماعة الإخوان ليس الآن ولكن منذ سنوات طوال، وناصبت النظام المصرى السابق العداء، بل وشاركت بالتمويل والتخطيط والتحريض فى عملية إسقاط النظام، إلا أن الدولة المصرية بقيت «صامدة» بفضل «نواتها الصلبة.. المؤسسة العسكرية المصرية»، ومن ثم فإن جماعة الإخوان وقطر لم تبديا سعادة بإزاحة المعزول محمد مرسى بعد احتجاجات شعبية حاشدة فى 2013، وبالقطع فإنهما تريدان بل تعملان بالفعل معاقبة التحالف الذى أزاح «مرسى عميل قطر» من رئاسة مصر، ومن بين هذا التحالف الكنيسة على المصرية. والنقطة الرابعة وهى لا تحتمل أى نوع من الشكوك، وهى أن الجماعات الإرهابية الأخيرة، وجميع التنظيمات الإرهابية فى مصر بل والعالم خرجت من عباءة الإخوان الإرهابية، وأن الخيوط جميعها قادت ولاتزال تقود إلى الإخوان وأتباعهم فى عملية الاغتيال للنائب العام ومحاولة اغتيال مفتى الجمهورية الأسبق الشيخ على جمعة، كما أن محمد البلتاجى أحد قادة الإرهابية قالها بوضوح «إن ما يحدث فى سيناء سوف يتوقف فى اللحظة التى يعود فيها المعزول مرسى إلى منصبه». والنقطة الخامسة تتعلق بأن أجهزة الاستخبارات الغربية بدأت تدق ناقوس الخطر لحكوماتها من عواقب سياسة تشجيع الحركات الإرهابية بدعوى أنها «حركات معارضة» أو «حركات إسلامية معتدلة»، وفى تقرير خطير مسرب إلى الصحافة ووسائل الإعلام الألمانية، وجهت وكالة الأمن الداخلى (بى.أف.فى) وجهاز «خدمة المخابرات الفيدرالية» الألمانيان اتهامات صريحة لقطر وبعض دول الخليج الأخرى بأنها تدعم الإسلام المتطرف فى ألمانيا، ونقلت صحيفة «الأندبندنت» البريطانية تفاصيل موسعة عن التقرير لعل أبرزها هو تحذير هاتين المؤسستين من تنامى الدعم «للسلفية الأصولية» فى ألمانيا، وأن أتباعها يصل عددهم إلى عشرة آلاف شخص، وهم فى حالة تزايد، ويذهب التقرير إلى أن ذلك يأتى ضمن استراتيجية طويلة المدى لإظهار النفوذ، وأن عدة مؤسسات تورطت فى ذلك مرتبطة بحكوماتها. ويبقى فى النهاية أن هذه مؤشرات على تغير، وصراعات تجرى يمكن للمرء أن يدرك بعض دوافعها، إلا «الحماقة القطرية» التى فاقت جميع الحدود، ولم يعد هناك مبرر لاستمرار السكوت على السلوك الرسمى القطرى. إلا أن الغريب هو أن يستمر الغرب وخاصة يساره فى إبداء سذاجته أو »عظاته الكارثية«، فهذا اليسار الغربى وإن كان قد أدان غزو العراق، إلا أنه هلل »للفوضى الخلاقة«، وحرض برنارد ليفى على تدمير ليبيا، والآن فإن جريدة عريقة مثل لوموند الفرنسية تسقط بقوة حين تعلق فى افتتاحيتها على أحداث الكنيسة بالقول »إذا كانت الأنظمة تتوالى، فإن المسيحيين المصريين ليسوا فى مأمن من وضعهم ككبش فداء، وأهداف بديلة فى الصراع القائم منذ عقود بين جهاز الدولة وأكثر الفصائل عنفا فى الحركة الإسلامية على ضفاف النيل«، ثم يأتى التناقض فى افتتاحية اللوموند بعد الإشادة بإعلان الحداد الوطنى لتقول »ولكن هذا لن يغير الوضع، لأن الأقباط ليسوا فقط هدفا للمتطرفين الذين يريدون زعزعة استقرار النظام من خلال إجباره على الدفاع عن الأقلية المسيحية من أجل نزع الشرعية عنه لدى الأغلبية المسلمة«، وهنا سؤال: هل هذا جهل أم غاية فى التآمر »من قال إن غالبية المسلمين المصريين يعترضون على حماية إخوانهم الأقباط من الإرهاب»؟! الخلاصة العجيبة هى فى روشتة لوموند ووحدة مجتمع قوى سيكون قادرا على محاربة التطرف فى مصر.. ولهذا السبب فإن مشروع القانون الأخير الذى يضع جميع المنظمات غير الحكومية تحت وصاية الدولة لا يسير فى الاتجاه الصحيح.. إذن هذا هو الأمر »تمويل الجمعيات الأهلية«، وأحسب أيها القارئ الكريم أنك سوف تتعجب »لماذا كل هذا الصراخ على التمويل الأجنبى«، وأن يتدفق بعيدا عن الدولة؟!.. ولا تعليق؟! لمزيد من مقالات محمد صابرين