تستعرض أهم عملة عضلاتها فى الأسابيع التى تلت فوز دونالد ترامب فى انتخابات الرئاسة الأمريكية. حقق الدولار صعودًا حادًأ جدًا مقابل سلة من عملات أهم البلاد الغنية، وهو الآن أعلى بنسبة 40% بالمقارنة بعام 2011. كما ارتفعت قيمته أيضًا بالنسبة لعملات السوق الناشئة فانخفضت العملة الصينية إلى أدنى مستوى لها مقابل الدولار منذ 2008، ويقال إن المسئولين الصينيين القلقين يتدبرون فرض تقييدات على السيطرة الأجنبية بواسطة الشركات المحلية للتحكم فى الضغط إلى أسفل. وتشهد عملة الهند انخفاضًا أدنى من كل الأوقات مقابل الدولار، كما غاصت عملات آسيوية أخرى فى أعماق غير مرئية منذ الأزمة المالية فى التسعينيات. وقد ظل الدولار يكتسب قوة تدريجيًا طوال سنوات، ولكن دافع الارتفاع الأخير هو أفق متوقع لتحول فى السياسة الاقتصادية الأمريكية. لقد راهن المستثمرون -وصح توقعهم- على أن ترامب سيخفض الضرائب وينفق أكثر من الأموال العامة على إصلاح القاعدة الاقتصادية المتدهورة وإن إنفاقًا ماليًا كبيرًا سيدفع الاحتياطى الفيدرالى إلى رفع معدلات الفوائد على نحو أسرع للتحكم فى التضخم. وقد ارتفعت حصيلة السندات فى عشر سنوات إلى 2٫3 فى المائة من 1٫7 فى المائة عشية الانتخابات. والحصيلة الأكبر مغناطيس يجذب تدفق رأس المال. وبين 9 نوفمبر يوم إعلان فوز ترامب فى الانتخابات وإجازة عيد الشكر (24 نوفمبر) ارتفع الدولار بمقدار 3% مقابل سلة من عملات العالم الغني، ومثل هذه القفزة فى هذا الوقت القصير نادرة وتفسر حماسة اقتراضات الدولار فى أثناء هذا الوقت قفز الدولار بقوة إلى أعلى، وتحملت الحكومات وتحملت المشروعات التجارية خارج أمريكا ديونًا ضخمة بالدولارات. وحينما يرتفع الدولار وينمو الاقتصاد الأمريكى يبدو ذلك فى الظاهر شيئًا إيجابيا. وهناك سابقة يستشهد بها كثيرًا هى فترة رئاسة رونالد ريجان الأولى، زمن تكرار العجز فى الميزان التجارى ومعدلات فائدة عالية فصعد الدولار وصارمحوريًا فى العالم. وكان نفوذ أمريكا النسبى باعتبارها قوة تجارية فى تراجع مستمر وانخفض عدد البلاد التى كانت أمريكا أكبر سوق لصادراتها من 44 فى عام 1994 إلى 20 بلدًا بعد عشرين عامًأ. ولكن تفوق الدولار باعتباره وسيلة تبادل ومخزنًا للقيمة ظل دون تحد. وفى عام 2014 نشأت منطقة دولارية من أمريكا وبلاد تتحرك عملاتها فى موازاة الدولار اتسعت لما يقرب من 60% من سكان الأرض و60% من ناتجهم الإجمالي. وبصعود الدولار ترتفع تكلفة خدمة الاقتراض، وليس من المصادفة أن بعض أكبر الخاسرين حديثًا مقابل الدولار كانت عملات مثل البرازيل وتشيلى وتركيا ذات الديون الدولارية الضخمة. وهناك أضرار لدولار أقوى بالنسبة لأمريكا أيضًا. فسوف يتسع العجز التجارى عندما تعتصر عملة قوية الصادرات فتنخفض وتمتص الواردات فترتفع. وفى أيام ريجان أذكى عجز متصاعد نيران نزعة حمائية (سياسة حكومة لحماية الصناعة القومية ضد المنافسة الأجنبية تستخدم وسائل الرسوم الجمركية والرسوم على الواردات والإعفاءات). وقد قام ترامب الرئيس المنتخب بتسييس العجز الذى يراه شاهدًا على أن قواعد التجارة العالمية غيرعادلة وفى غير مصلحة أمريكا لمصلحة بلاد أخرى. وتؤدى زيادة العجز إلى ارتفاع إمكان تهديده بفرض رسوم جمركية عالية على واردات من الصين والمكسيك فى ادعاء تحقيق التوازن التجاري. وإذا خضع لميوله الحمائية قد تكون العواقب فى المدى الطويل فى غير مصلحة الجميع. ويكرر معلقون تعبير «عصر ترامب» على المرحلة التى أعقبت فوزه فى الانتخابات بكاملها، فهى مرحلة بدأت بالتصويت لا لتغيير حزب، بل لتغيير نظام سياسي. وقد رفع ترامب إلى المنصب على مد من غضب شعبى ضد المؤسسة، فالأمريكيون العاديون لم يقتسموا شيئًا من عوائد الرخاء، وظل دخل الرجل الأمريكى أقل من السبعينيات وبقى الحراك الاجتماعى شديد الانخفاض بحيث لا يحمل أملاً بشيء أفضل. وغرس الغضب الكراهية فى الشعب الأمريكي. وحينما يشعر الأمريكيون العاديون بأنهم ضحايا نظام جائر فإنهم يلومون النخب فى واشنطن على غبائها وعدم قدرتها بحيث لا تستطيع التصدى للأجانب ولرأس المال الكبير، كما يستنكرون وسائل الإعلام. وكثير من ناخبى الطبقة العاملة البيض يشعرون بتهديد التدهور الاقتصادى والسكاني. ويتصور بعضهم أن الآلة الحزبية للديمقراطيين وثيقة الصلة بالمؤسسة اشترت الأقليات العرقية. وفى السوق المصرية كان هناك سعران للدولار بسبب نقصه؛ السعر الرسمى وسعر السوق السوداء. وكانت نتيجة تعويم الجنيه المصرى أن سعر السوق السوداء أصبح هو السعر الفعلي. ومصر دولة مستوردة، وسعر الدولار مؤثر فى كل الأسعار المحلية. وقد أدى قرار التعويم إلى زيادة ملحوظة فى الأسعار، كما ضغط على عجز الموازنة لأن الدولة تستورد المنتجات البترولية والقمح من الخارج ولابد أن يرتفع سعرها بالجنيه المصرى ارتفاعًا يعكس الارتفاع فى سعر الدولار، مما يسبب ضغطًا إضافيًا على هذا العجز. وتستهدف الحكومة المصرية تخفيض عجز الموازنة والدين العام ولكن ارتفاع سعر الدولار سيكون له تأثير عكسى كما لاحظ باحثون مصريون. لمزيد من مقالات ابراهيم فتحى ;