الاتحاد السكندرى بطلا لدورة الوحده الودية للسلة    علاقة غير شرعية.. تفاصيل التحقيق مع عاطل قتل حداد داخل منزل شقيقته في أوسيم    "الأوقاف": رفع قيمة القرض الحسن لهذه الفئة ل 50 مليون جنيه    وزير الخارجية: مصر تؤكد خطورة تأثير ظاهرة التغير المناخي على ندرة الموارد المائية    أسعار اشتراكات الطلبة على بعض خطوط سكك حديد مصر    وزير الخارجية يعلن رفض مصر أي إجراءات تمس بمبادئ الاتحاد الإفريقي    خلال لقائه نظيره الأوكراني.. عبد العاطي يؤكد دعم مصر لجهود إنهاء الحرب بأوكرانيا    فيديو.. أحمد موسى عن أحداث لبنان: لازم نتعلم الدرس    ماكرون يطالب إسرائيل وحزب الله بالتراجع عن التصعيد فورا    انتهاء اختبارات المتقدمين لوظائف معلم مساعد مادة اللغة الإنجليزية    أخبار الأهلي: حرس الحدود يرفض ضم لاعب الأهلي    السوبر الأفريقي.. غدًا المؤتمر الصحفي لمباراة الزمالك والأهلي    أودينيزي يتأهل للدور الثالث في كأس إيطاليا    تحليل عينة كل ساعتين.. تصريح مهم من رئيس "القابضة" بشأن جودة مياه الشرب    بريجيت ماكرون وملكة النرويج تتألقان في عرض ديور (صور)    في لحظة مؤثرة.. أحمد العوضي يبكي بسبب نور الشريف    أمين الفتوى يوضح حكم "قراءة الفنجان"    لمواليد «العذراء» و«القوس» و«الجوزاء».. ماذا يخبئ هذا الأسبوع لأصحاب هذه الأبراج؟    "الكهرباء": تركيب مصيدة قلب مفاعل للوحدة النووية الثالثة بالضبعة في هذا الموعد    واعظات الأوقاف يشاركن في مبادرة «خُلُقٌ عَظِيمٌ» بعدد من مساجد بني سويف    حالة الطقس غدًا الخميس 26- 09-لا2024 بوادي النطرون    «زيرو تحرش».. عام دراسي بدون أزمات وانتشار الشرطة النسائية رسالة طمأنة لأولياء الأمور (فيديو وصور)    أهالى دراو بأسوان لقناة إكسترا نيوز: المياه آمنة ونشرب منها فى أي مكان    أرسنال يرغب في التعاقد مع أوزيل الجديد    مدير الرعاية الصحية للتأمين الشامل بجنوب سيناء: نعمل على تلبية احتياجات المواطنين    خبير شؤون إسرائيلية : الحديث عن استهداف نصف قدرات حزب الله غير صحيح    نائب محافظ الدقهلية يجتمع بأعضاء اللجنة العليا لمواجهة حرق قش الأرز    وزير الصحة: ضخ 133 مليون عبوة أدوية طبية ل364 مستحضرا دوائيا    منذ بداية أغسطس حتى الآن.. خالد عبدالغفار: زيادة ضخ الأدوية محليا ب133 مليون عبوة ل364 مستحضرا دوائيا    رئيس جامعة عين شمس يشهد توزيع شهادات دورات لغة الإشارة المصرية    على هامش اجتماعات الأمم المتحدة.. وزير الخارجية يشارك في فعالية رفيعة المستوى حول المياه    ترحيب واسع بدعم الرئيس السيسي لتوصيات الحوار الوطني.. تعزيز لحقوق الإنسان والإصلاح القانوني في مصر    رئيس جامعة القاهرة يبحث مع وفد مجلس الشيوخ الفرنسD تعزيز علاقات التعاون    خالد الجندى: عمليات التجميل والتحول الجنسى فعل شيطانى للحرب على بنيان الله    تستغل ابنتيها القصر.. قرار عاجل من النيابة ضد التيك توكر "وحش الكون"    كلامها حلو.. هشام عباس يكشف تفاصيل ألبومه الجديد وموعد طرحه    انطلاق الملتقى الثامن عشر لشباب المحافظات الحدودية بمسرح فوزي بأسوان    وليد فواز يكشف سبب خوفه من دوره في مسلسل «برغم القانون».. قللت وزني    "اليوم" يسلط الضوء على الأوضاع فى لبنان بعد الهجمات الإسرائيلية بالجنوب    وزير التموين يجتمع مع رئيس البريد وممثلى شركة فيزا العالمية لبحث أوجه التعاون    رئيس الوزراء: الدولة مستمرة في برنامج الطروحات وتعظيم الاستفادة من الأصول    ما حكم قراءة سورة "يس" بنيَّة قضاء الحاجات وتيسير الأمور؟    سكرتير عام مطروح المساعد للأهالي: التصالح هو ميراثك للأجيال القادمة    الإمارات تُعلن استشهاد 4 من قواتها المسلحة إثر تعرضهم لحادث    الصحة اللبنانية: 15 شهيدًا في غارات إسرائيلية على الجنوب    وزير الدفاع: التحديات الإقليمية تفرض علينا أن نكون على أهبة الاستعداد    13 مليون جنيه إجمالي إيرادات فيلم عاشق بدور العرض السينمائي    تنظيف وتعقيم مسجد وضريح السيد البدوي استعدادًا للمولد (صور)    وزير النقل اللبناني: لا توجد مشكلات لوجيستية بمطار بيروت.. وملتزمون بقوانين الطيران العالمية    إجراء 267 ألف تدخل طبي في مستشفيات التأمين الصحي الشامل    «صحة المنوفية»: إدارة المتوطنة قدمت خدماتها ل20 ألفا و417 مواطنًا في مجالات الفحص والمكافحة    عملت وشم فشلت في إزالته هل صلاتي باطلة؟.. رد حاسم من داعية (فيديو)    ضبط نحو (14) ألف قضية سرقة تيار كهربائى خلال 24 ساعة    حارس ليفربول: 5 أمور تحسنت في مستوى محمد صلاح تحت قيادة آرني سلوت    إمام عاشور يكشف مفاتيح الفوز على الزمالك ودور اللاعبين الكبار في تألقه    القبض على عنصرين إحراميين يديران ورشة لتصنيع الأسلحة النارية بالقليوبية    إصابة 7 أشخاص فى مشاجرة بين عائلتين بقنا    تشيلسي يكتسح بارو بخماسية نظيفة ويتأهل لثمن نهائي كأس الرابطة الإنجليزية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بيتهوفن.. امبراطور بلا بيت ولا وطن
نشر في الأهرام اليومي يوم 02 - 12 - 2016

يعتبر «لودفيج فان بيتهوفن 1770-1827 من أعظم الشخصيات التاريخية الفنية فى العالم ليس لأنه موسيقى عظيم التأثير، عبقرى الفكر، كثير الإلهام فحسب.. بل لأنه ترك بصمات موسيقية مؤثرة فى الشعوب، متطورة تشع جمالاً إبداعياً سامياً، وتستقطب الشعوب الراقية والمثقفة فى أن واحد،وتستقطب أصحاب الأحاسيس الجياشة وتجيء شهرة «بيتهوفن» ليس لأنه نجح فى تطوير الموسيقى العالمية على أعلى مستوى . . بل لقد نجح فى دراسته الموسيقية بدرجة جعلته يجعل من كل جملة موسيقية معنى شديدة التأثير، جميلة التعبير، تخاطب المشاعر.
...............................................................
وهذا لا يتأتى إلا من إنسان يعرف ما يؤلف ويحاكى الأحاسيس الإنسانية بغض النظر عن نوعية ثقافتها وجنسيتها، كان «بيتهوفن» شخصاً خجولاً، مهذبا، عاطفياً، قام والده بتعليمه الموسيقى فى البداية ووضعه على أول الطريق ولكنه سرعان ما انشغل عنه بشرب الخمر متناسياً الدور الأبوى الذى كان مفروضا أن يقوم به مع هذا الصبى النابغة فكان لا يحاول أن يعلمه أكثر أو يلهمه .. بل كان يهمله رغم أن هدفه الأساسى كان أن يكسب من ورائه المال تماماً كما حدث مع «موتسارت» الذى نجح والده فى الحصول من خلاله على المال والشهرة. وكان «بيتهوفن» أيضاً رث الملابس نظراً لحالة الفقر التى كانت عليه أسرته حيث أنه كان أخا لولدين أخرين لكن لم يكن لهما شأن مع الفنون أو الموسيقي، وقد ترك المدرسة وهو فى سن العاشرة والتفت إلى دراسة الموسيقى خاصة موسيقى «باخ» و»هايدن» وكان أيضاً متأثراً بدراسة الموسيقى بجانب قراءته فى الفلسفة والشعر، ومولعاً بجمال التعبير الموسيقى للآخرين فاستهواه هذا العلم تماما وكان تواقا لمعرفة كل كبيرة وصغيرة فى عالم الموسيقي، وترك مدينة «بون» وسافر إلى «فيينا» التى كانت فى ذلك الوقت العاصمة الموسيقية للعالم كما كانت العاصمة الثقافية لأوروبا وقام بعزف مؤلفات «موتسارت» فى العديد من الحفلات لدرجة أن «موتسارت» قال عنه «هذا العازف الجديد القادم من بون سيكون له شأن فى يوم ما». لكن طاقته الموسيقية المتدفقة جعلته يعزف إلى مشاهير العازفين المشهورين فى «فيينا» ولاقى الاستحسان سواء من الجمهور أو الموسيقيين المتخصصين.
كان «بيتهوفن» متقلب المزاج، شخصية لا يمكن شراؤها، كان يعتز كثيراً بشخصيته وأيضاً بموسيقاه وفشل أكثر من مرة فى قصص حب مع فتيات كثيرات وكان وحيدا لكنه لم يأبه لهذه الوحدة فى البداية لكن ما كان يعانيه من ضجيج مستمر فى اذنيه بعد ذلك جعله يبتعد عن المجتمع شيئاً فشيئاً لدرجة أنه كان يخجل من إخبار الناس بضعف سمعه الذى كان أكثر ما يؤلمه نفسيا وذلك بالطبع انعكس على موسيقاه التى كانت شديدة العمق، ورغم ذلك نجح فى تصوير الشكل الموسيقى للسيمفونية لدرجة جعلت الأوساط الموسيقية تنبهر بضخامة العمل السيمفونى لدرجة أنك عندما تستمع لموسيقاه تشعر أنك فى سلام، لكن ضعف سمعه جعله يفقد التوازن حيث كان يعانى من الظروف الحالكة. وكانت همومه كبيرة وكثيرة فهو يسعى دائماً لتطوير الموسيقى العالمية لكنه يعانى من حالة صحية رديئة، وحدث أن نصحه الأطباء بالسباحة فى نهر الدانوب كوسيلة مساعدة للعلاج ولكن هذه الطريقة فشلت كما أن أحلامه الكثيرة التى كانت تراوده كالزواج والأسرة والحصول على المال فشل فيها تماماً مما أدى إلى هروبه إلى الريف للاعتكاف والبعد عن المجتمع فأصبح فى عزلة شديدة جعلته يكره الناس والمجمع ويعيش فى يأس مطلق فأصبحت احلامه تضعه فى مأزق حزينة وكان لا يستطيع أن يعبر عن هذه الحالة المرضية إلا موسيقيا فأبدع الجمال فى تسع سيمفونيات راقية وخمسة كونشرتات للبيانو نالت نجاحاً مذهلا و 24 سوناتة للبيانو، وكونشرتو واحد للكمان والأوركسترا الذى يعتبر علامة تاريخية فى تاريخ هذا الموسيقى العظيم، واوبرا وحيدة هى «فيدليو». لكن خلاصة القول بأن هذا العبقرى الذى عاش معاناة صحية وأسرية شديدة التعقيد.. أصبح من العلامات المضيئة فى التاريخ الموسيقى وأصبحت الموسيقى بالنسبة له هى الحبيبة المخلصة والزوجة الحنون والعشيقة التى لا تفارقه أبداً لكنه رغم وحدته ومرضه ومعاناته وفقره، استطاع أن يكون أعظم موسيقى عرفته الأمم، وأصبح رمزاً للموسيقى فى العالم.. فالموسيقى اليوم هى «بيتهوفن» و»بيتهوفن» هو الموسيقي.
يقول «بيتهوفن» متحدثا عن طريقته المميزة فى التأليف الموسيقى – تظل الأفكار الموسيقية تراودنى فى ذهنى مدة طويلة، وأغير وأبدل عدة مرات فيها وهى ما زالت موجودة فى ذهني.. ثم عندما تكتمل الفكرة تماماً.. استعد لكتابتها بعد عدة تغييرات وتبديلات أجريها على الورق لكننى أشعر وأحس بها وكأنها تعزف أمامى .. لكنها ما زالت على الورق.. وبالرغم من قوة ذاكرة بيتهوفن، فإنه لم يحدث أن ذهب إلى مكان ما فى حياته، إلا وكانت معه أقلامه وأوراقه لتنفيذ فكرة موسيقية معينة أو كتابة فكرة مقطوعة موسيقية قد تستلهمها أفكاره الغاية فى الجمال والمليئة بالمشاعر الإنسانية العميقة.. كما أن «بيتهوفن» كان كثيراً ما يثور غضبا من المطابع التى كانت تخطيء فى بعض الأحيان فى بعض أعماله الموسيقية حيث أنها كانت تستدعى الكثير من الوقت لتصحيح هذه الأخطاء فكان يغضب بحدة متأثرا بهذه الأخطاء التى كانت تعوقه عن العمل وتأخذ من وقته الكثير.
لكن «بيتهوفن» كما نعلم أشتهر أيضاً بالكبرياء حيث كان الموسيقيون فى عصره يعاملون معاملة الجهلاء والخدم، فكانوا يدخلون من الأبواب الخلفية، ثم يجلسون مع هؤلاء الخدم لتناول الطعام بعد كل حفل موسيقي، أما هو فكان لا يعترف بذلك، وكان يصر دائماً على دخول القصور من أبوابها الرئيسية وذلك أنطلاقاً بأن الفنان إنسان شامخ يجب معاملته على أرقى مستوي، كما أنه كان قارئا مثقفا شديد الاهتمام بالكتب بمختلف أنواعها، فقرأ كثيرا لشكسبير وأفلاطون وجوته وشيلر والمعنى أنه قام بتثقيف نفسه بارادته الشخصية وقد ساعدته هذه الثقافة كثيراً فى نمو شخصيته الموسيقية.
ومن الغرابة يا عزيزى القاريء أن نعلم أن هذا الامبراطور قد عاش طوال حياته دون بيت ودون زوجة ودون وطن، ولم يملك «بيتهوفن» فى حياته أكثر من الإلهام والفكر والبساطة والموهبة وحب الطبيعة.. والمعنى أنه لم يملك شيئاً مادياً فى حياته، واستطاع أن يعطى العالم الموسيقى والجمال والتأمل والأنغام التى عاشت وستظل بين المثقفين تبعث الارتياح والسلام والتفاؤل.. هذا هو لودفيج فان بيتهوفن. فهل نقدر قيمة أعماله وفنونه الرفيعة؟ ربما
ورغم أن الصمم لم يمنع «بيتهوفن» من الإبداع، ولم يمنعه من مواصلة تقديم أعظم الأنغام للعالم، وكذلك لم يمنعه من الإستمرار فى البحث عن الجديد سواء كانت سيمفونية أو سوناتا أو رباعية لكن هذا الصمم منع عنه الاحتكاك بالمجتمع، بالمعارف بالأصدقاء وهو القائل «الصداقة منبع السعادة، أى أنه يرى أنه يستمتع بالصداقة والأصدقاء لدرجة أنه جعل هذه الصداقة منبعا للسعادة إلى هذا الحد كان يتمسك بالصداقة والأصدقاء لكن هذا الصمم اللعين جعله يبتعد رويدا رويدا عن أصدقائه ومجتمعه لكنه كان مضطرا فكما أحب طوال حياته الخير للآخرين كذلك أحب الصداقة.. كما أنه كان نبيل الخلق، بمعنى أنه عندما يشعر بأنه أساء إلى أحد عن غير قصد كان يبادر بالاعتذار فور وهى سمة غير موجودة حتى عصرنا هذا، وكان دائماً وأبداُ يسعى للارتقاء بفنه وأعماله بالتطوير والتجديد والتحديث ومواكبة ومنافسة الموسيقيين الآخرين، ان يرى قدراته بأنها كثيرة ومتنوعة رغم أنه قال فى مناسبة «أشعر أحيانا بأننى أكثر مخلوقات الله شقاء، لكنه كان يحاول الإنتصار على اليأس وقد نجح فى هذا إلى حد كبير بل الى أبعد الحدود، وأعماله الفنية الأكثر من رائعة أكبر دليل على ذلك
وتقول إحدى القصص بعد تقديم سيمفونيته السابعة فى «فيينا» – التى تصور مدى إعتزازه بفنه وقدراته – بأن «بيتهوفن» كان يسير مع صديقه الشاعر «جوته» يتحدثان عن الحفل الناجح والسيمفونية السابعة – التى لاقت نجاحاً ملموسا فى أول عرض لها قال «بيتهوفن» أن الملوك والأمراء لا يملكون القدرة على الإبتكار وتقديم الفنون لكنهم يقدمون فقط الأوسمة والألقاب إلى من يشاءون ، لذلك أن أعظم الناس فى العالم هم الكتاب من أمثالك والموسيقيون من أمثالي.. فنحن نستطيع عمل ما لا يستطيع غيرنا عمله « ولكن هذا الحديث لم يعجب «جوته» ولكن بالصدفة كانت تقترب منهما عربة تجرها الخيول فتوقف «جوته» عن السير وخلع قبعته للأمير القادم تحية له أما «بيتهوفن» فأكتفى بابتسامة ساخرة على هذا الموكب وأيضاً على من يحيون هذا الموكب ولم يسلم «بيتهوفن» أيضاً من هجوم النقاد عليه فيما يخص السيمفونية السابعة فمنهم من قال أنها دون المستوي، ومنهم من قال بأنها لا تستحق أن تسمع، وآخرون قالوا أنها نتاج موسيقى أهوج سكير !! وأن كاتبها أو مؤلفها يستحق دخول مستشفى الأمراض العقلية!! حتى الموسيقى الألمانى «فيبر Weber» قال عنها بأنها مثيرة للضحك.. والخلاصة بأننا أمام سيرة ذاتية لفنان لاقى الكثير من المتاعب منها الوحدة والنقد والهجوم والفقر واعتلال الصحة وضعف السمع فى البداية ثم إصابته بالصمم لكنه تغلب عليهما جميعا ونجح بدرجة جعلته يسمو بمشاعر الإنسان ويحاكى شعوب العالم بلغة عالمية لا تحتاج إلى مترجم. يا سادة إنه «لودفيج فان بيتهوفن» إمبراطور الموسيقى العالمية الذى إستطاع أن يسعد الشعوب وفشل فى إسعاد نفسه. ويقول «أرسطو» إن الموسيقى أسمى من أن تكون أداة للهو والسرور بل هى تطهير للنفوس وراحة القلوب، ويقول «شكسبير» أمنحونى الموسيقى غذاء لروحي.. أما «لودفيج فان بيتهوفن» وتقديره للموسيقى فحدث أن أقامت مدينة «فيينا» فى عام 1808 حفلا موسيقيا كبيرا تكريما للموسيقى الفنان «جوزيف هايدن» وذلك للإستماع لإحدى سيمفونياته الجديدة، وكان «بيتهوفن» حاضرا ذلك الحفل وبعد إنتهاء الأوركسترا من تقديم السيمفونية فإذا بالشاب «بيتهوفن» يصعد إلى المسرح وأمام جميع الحاضرين فى دار الأوبرا يقبل يد جوزيف «هايدين تقديرا وإعجابا بهذا العمل الجديد، والمعنى أن شدة إعجاب «بيتهوفن» بالعمل الفنى لم يمنعه من تقبيل يد وجبين «هايدن» أمام جموع الحاضرين وذلك قمة من قمم الأخلاقيات السامية التى تحلى بها إمبراطور الموسيقى العالمية وربما لا يعلم الكثير من الناس بأن اسم «بيتهوفن» لم يلق أى نجاح قبل بلوغه سن الخامسة والعشرين والذى يدقق فى سماع أسلوب «بيتهوفن» يعتقد أنه يؤلف موسيقى حزينة يعكس اسلوب حياته ومشاكله ويأسه من الصمم لكن الواقع غير ذلك تماما. فقد كانت موسيقاه قوة فى جمال، وجمالا فى هدوء، ولم تعرف الإستسلام، ولم تعرف اليأس والإحباط والدليل على ذلك ضربات القدر أو فلنقل السيمفونية الخامسة والتى ما زالت حتى اليوم تجذب إليها السامعين فى كل بقاع الأرض بل إن الكثير من الموسيقيين قد أقتبسوا بداية هذه السيمفونية الرائعة الجمال بإدخال بعض التطويرات عليها ظنا منهم أن المستمع لا يدرى أن هذه السيمفونية الخامسة تقدم الموسيقى العالمية فى أجمل صورة ولا تستطيع أن تعادلها أى سيمفونية عالمية أخرى على الإطلاق، وقد ساهم «بيتهوفن» بهذه السيمفونية إلى المكانة التى ارتفع إليها «هوميروس» و»شكسبير» فى الأدب، ولقد عرف كيف يجعل لها مذاقا خاصا لا يقدره إلا من يتذوق الموسيقى العالمية كما أن أغلب الموسيقيين الذين مارسوا التأليف الموسيقى على الصعيد العالمى تأثروا تأثيرا واضحاً بحياتهم وكانت موسيقاهم تعكس حالته الاجتماعية بكل وضوح فالموسيقى الروسى العظيم» بيتر تشايكوفسكي» استسلم للقدر إستسلاما كليا ويظهر ذلك واضحاً فى السيمفونية السادسة والمعروفة بالسيمفونية المؤثرة فتظهر فى البداية مقطوعات موسيقية قوية لكن نهايتها تدل تماماً على الحالة النفسية التى كان عليها «تشايكوفسكي» وتظهر جليا نغمات الحزن والمعاناة التى كانت عليها إبان تأليفه هذه السيمفونية لكن إمبراطور الموسيقى العالمية لم يفكر أبداً أن ينهى أحد أعماله بالأنغام الحزينة أو الأنغام التى تظهر فيها معاناته وآلامه وذلك فى الحقيقة يدعو للتأمل والتفكير.
لقد ظل هذا المؤلف يعانى من الآلام الصحية سواء فى معدته أو فى أذنيه لمدة سنوات طويلة لكن كل ذلك لم يمنعه من التواصل فى الإبداع، والتواصل فى الفكر والتطوير ولم يمنه ذلك من تأليف السيمفونية تلو السيمفونية ولم يكترث بالأعباء ولم يكن مؤلما له فى أثناء البروفات مع أعضاء الأوركسترا عندما كان يقوم بتغيير السماعات المختلفة على أذنيه مما كان يعطل هذه البروفات ساعات وساعات ولكن كان ذلك قدره كما أنه استطاع أن يقول للعالم بأن المستحيل لا يسكن إلا فى أحلام العاجز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.