فى بداية شهر نوفمبر الحالى أضاف العالم الفيزيائى البريطانى البروفيسور ستيفن هوكنج 74 عام جائزة جديدة إلى حصيلته من الجوائز العلمية التى لا تتوقف منذ عقود. الجائزة الجديدة التى حصل عليها تحمل اسم "جائزة إنجاز العمر" منحتها له رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماى فى حفل جوائز "فخر بريطانيا". ويعد هوكنج المصاب بإعاقة مزمنة أحد أبرز علماء الفيزياء النظرية وهى أحد فروع الفيزياء التى توظف النماذج الرياضية والتجريدات للمعادلات الفيزيائية فى محاولة لفهم الطبيعة واستنباط القوانين الفيزيائية التى تفسر سلوك الأجسام الطبيعية، والهدف من ذلك هو تفسير الظواهر الفيزيائية ومن ثم التنبؤ بها. العالم المثير للجدل انتهز الفرصة ليؤكد أنه، وعلى الرغم من إنجازاته العلمية ونظرياته الخاصة بالكشف عن أسرار الكون وتطوير علم الفيزياء، لن يتمكن من مساعدة رئيسة وزراء البلاد فى حل المشكلات التى ينتظر أن تنجم عن قرار بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبى. ومن المعروف أن هوكنج كان من أبرز المعارضين لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبى حيث وقف فى مقدمة مجموعة من العلماء البريطانيين الذين حذروا من الأثر الضار لتصويت الشعب البريطانى بالموافقة على الخروج من الاتحاد الأوروبى لما يعنيه ذلك من إضعاف لقدرة بريطانيا على الإسهام فى العلم والبحث. وكما هو متوقع فى تلك البلاد التى تعتمد على العلم فى التقدم وتخطى ما تواجهه من تحديات، تغاضت رئيسة الوزراء البريطانية عن انتقادات هوكنج، ووجهت له جزيل الشكر وقالت : "إنه رجل مدهش. إنه بكل بساطة واحد من العلماء الأكثر إثارة فى تاريخ عصرنا". ويبدو أن السياسة ليست الشاغل الرئيسى لهوكنج. فلم تمر سوى أيام على تكريمه إلا وخرج على العالم بتحذير عجيب! فقد تناقلت وسائل الإعلام العالمية تصريحات تحدث فيها هوكنج عن فناء البشرية، كاشفا أن الألفية الحالية ستشهد فناء البشرية ومحوها من على وجه الأرض! وقال هوكنج : "علينا الاستمرار فى السفر إلى الفضاء لأجل مستقبل البشرية، فأنا لا أعتقد أننا سوف نبقى على قيد الحياة ألف سنة أخرى من دون الهروب إلى خارج كوكبنا الهش". ومن العجيب أن لقي مقترح هوكنج حفاوة بالغة من قبل الجمهور. ولم تكن تلك هى المرة الأولى التى يطلق فيها العالم الفيزيائى تحذيره العجيب. فقد سبق أن أعلن ذلك التحذير فى شهر إبريل الماضى خلال محاضرتين ألقاهما فى دار الأوبرا بسيدنى فى استراليا، حيث تم نقل صورة ثلاثية الأبعاد له عبر تكنولوجيا التصوير المجسم (ثلاثى الأبعاد) من مكتبه بجامعة كمبريدج فى بريطانيا، أى أنه ألقى محاضرة عبر الكرة الأرضية دون أن ينتقل من مكتبه أو يتكبد مليما واحدا! وفى بداية العام الحالى، تحدث هوكنج أثناء إلقائه محاضرة على موظفى هيئة الإذاعة البريطانية ال"بى بى سى" بقوله إن استمرار تقدم العلوم والتكنولوجيا سيزيد من احتمال نهاية العالم؛ ففرص وقوع كارثة عالمية ستزداد مع مرور الزمن حيث ستصبح هذه الكارثة واقعا لا مفر منه بعد مرور "آلاف عدة" من السنين. ويعتبر العقل الاصطناعى من بين هذه المخاطر لأن العقل الاصطناعى إذا تساوى مع العقل البشرى سيتغلب عليه لقدرته على تعديل نفسه بسرعة متزايدة، بينما لا يستطيع البشر منافسته لأنهم يتصفون بسرعة ارتقاء بيولوجى محدودة، مما سيؤدى فى النتيجة إلى سيطرة العقل الاصطناعى على البشرية. كما يعتقد هوكنج أن البشرية قد تقضى على نفسها بنفسها وذلك بواسطة أسلحة التدمير الشامل التى ازدادت قدرتها مئات بل آلاف الأضعاف وأصبح انتشار هذه الأسلحة قضية عالمية، وكان الطابع العدوانى للإنسان البدائى قد ساعده فى الحصول على الطعام وكسب مساحات جديدة للصيد، وها هو هذا الطابع يهدد الآن البشرية بالقضاء عليها. وقال العالم البريطانى إن الهندسة الجينية وتطوير الفيروسات أمر أخطر من الأسلحة النووية ذاتها؛ لأن إنتاج أسلحة التدمير الشامل يحتاج إلى مصانع كبرى وتكنولوجيا متطورة بينما يمكن تعديل جينات وإنماء فيروسات فى مختبر صغير غير خاضع للرقابة. وإذا لم يحقق البشر السيطرة على الاحتباس الحرارى ستكرر الأرض مصير كوكب "الزهرة" حيث تعتبر الحياة مستحيلة. وسيؤدى انتشار الجفاف وإزالة الغابات إلى زيادة كميات ثانى أكسيد الكربون فى الهواء، زد على ذلك ذوبان الثلوج والأنهار الجليدية، مما يقلل طاقة الشمس التى تعكسها الأرض إلى الفضاء ويزيد درجات الحرارة على سطحها. البعض يعتقد أن تصريحات هوكنج ما هى إلا نتيجة متشائمة لتفكير عالم فيزيائى نظرى مقعد يقترب من عامه ال75. بينما يرى البعض الآخر أن الرجل يمثل تيارا فكريا وعمليا يتزعمه بعض رجال الأعمال والعلماء بهدف إرسال بشر إلى الفضاء وإنشاء مدينة على سطح المريخ، حيث يتمثل هدف إحدى شركات القطاع الخاص حاليا فى إنشاء صواريخ فضاء يمكن إعادة استخدامها كالمكوك بحيث تصبح رحلات البشر إلى الفضاء أقل تكلفة. وبغض النظر عن الأسباب الكامنة وراء تحذيرات هوكنج، وحقيقة تكرار ظهور المُنادين بقرب انتهاء الحياة على كوكب الأرض منذ مئات السنين، فإن لكوكب الأرض علينا حقا حتى يجد أحفادنا بعد ألف عام البيئة الصحية الملائمة لاستمرار الحضارة وتطورها وهو ما لن يتحقق إلا بالعمل الجاد المتضافر مع الأخلاق والقيم الإنسانية المتحضرة التى تعمل من أجل العمران والبناء وليس من أجل الهدم والهيمنة والدمار. إنها رسالة متكررة لكل زمان ومكان ويندر أن تجد من يهتم بها!! لمزيد من مقالات طارق الشيخ;