عبر عشرات القصص وحكايات الحب التي عاصرتها بين طلابي وطالباتي علي مدي ثلاثين عاما تكونت في ذاكرتي بانوراما كاملة عن أسباب الاحباط والفشل العاطفي التي يعاني منها الشباب الجامعي. وترجع في مجملها إلي التنشئة الاجتماعية والجنسية الخاطئة التي يتوارثها الآباء والأمهات عن أجدادهم ثم يورثونها لأبنائهم وبناتهم, تلك التنشئة التي تسعي إلي إسدال ستار كثيف من التكتم علي الحقائق الجوهرية التي تشكل عصب الحياة الأسرية وتكمن بداخلها كل بذور السعادة أو التعاسة والنجاح أو الفشل, ويؤدي إغفال هذه الحقائق إلي ايجاد قصور بنيوي في وعي وإدراك الأجيال الجديدة مما يدفعهم إلي التخبط والارتباك والرغبة في المغامرة لاكتشاف المجهول ومن ثم الدخول في متاهات ذات بدايات براقة ومبهرة ونهايات مظلمة تغلفها الكآبة واليأس والانكسار النفسي والهزيمة الوجدانية التي تجبر هؤلاء الشباب علي العودة إلي الموروثات التقليدية التي تزخر بكم هائل من القيم المغلوطة والمحظورات التي تفتح الأبواب أمام المزيد من القهر والحرمان والانغلاق النفسي والضمور الانساني لدي الأغلبية العظمي من الشباب, كما تدفع الكثيرين منهم إلي الانحراف والازدواجية في الفكر والسلوك الذي يتجلي في العديد من التشوهات النفسية والاضطرابات العقلية والسلوكية. وقد تأملت هذه المشكلات وعايشتها وتابعت تداعياتها المأساوية, فكم من الطاقات الإبداعية أهدرت وكم من الشباب الواعد والشابات الواعدات أخطأوا الطريق الصحيح بسبب اخفاقهم في تجارب الحب والتواصل الانساني مع الجنس الآخر. ومن حصيلة الآراء والتأملات أستطيع أن أقول إن الأسرة المصرية لاتزال تعيش داخل حلقات مغلقة يحكمها الخوف من المعرفة لأن المعرفة الحقيقية تؤدي إلي خلخلة الثقافة السائدة والتقاليد الراسخة التي تكلست وأصبحت لها سطوة وقدسية وتحصنت خلف تفسيرات دينية خاطئة ومغرضة, فالأم والأب يحرمان أطفالهما من معرفة الإجابات الصحيحة علي الأسئلة المشروعة, ويلجأ الأطفال إلي المصادر الأخري التي تزودهم بالإجابات التي تقودهم إلي الخطيئة دون أن يدروا, ويتباهي الأهل بجهل بناتهم وأبنائهم فلا يهتمون بتوعيتهم وتنويرهم وتزويدهم بحقائق الحياة العاطفية والجنسية توهما منهم أن ذلك يقع في دائرة العيب, ثم تأتي المدرسة لكي تكرس هذه الأوضاع الخاطئة فلا تحفل بتزويد التلاميذ بالمعلومات الأساسية عن دورة الحياة والعلاقات السوية بين الجنسين ويكبر الصغار ويذهبون إلي الجامعات ويتفوقون في العلم, ولكن يظل هناك ركن خاو داخل عقولهم ونفوسهم عن كيفية الاقتراب الصحيح من الجنس الآخر, وتظل صورة الفتي في ذهن الفتاة متأثرة بصورة الأب, كما تظل صورة الفتاة في ذهن الفتي متأثرة بصورة الأم المستكينة الصابرة أو التي تتحايل علي ظروفها القهرية بشتي أساليب الدهاء الأنثوي وعندما يحدث الاقتراب بين الفتي والفتاة في رحاب الجامعة يظل كل طرف محتفظا بداخله بمخزون الخبرة الطفولية الخائبة التي اكتسبها من مرحلة الطفولة في الأسرة ومرحلة المراهقة مع رفاق الدراسة. ويؤسفني أن نظم التعليم الجامعي لاتزال مقصورة ومقصرة في حق هؤلاء الشباب إذ تحصرهم داخل قوالب حجرية يقتاتون فتات المعرفة من المذكرات الضحلة والمراجع العتيقة وتحاصرهم بآلاف المحرمات والمحظورات فلا يجدون وقتا لممارسة الحب بصورته الصحيحة السوية أو اكتساب المعرفة الحقيقية من مصادرها المتنوعة أو ممارسة الفكر الخلاق من خلال الأنشطة التي تشحذ طاقاتهم, ويتعلمون من خلالها كيف يتفقون ويختلفون ويحترمون الذين يختلفون معهم ومن خلال هذا الخضم الزاخر بالحيوية والحرية يتعلمون الاختيار الصحيح فيحسنون اختيار الرفاق والرفيقات والمواقف والآراء ويسعون لاكتشاف مفاتيح البهجة الحقيقية.. بهجة المعرفة, وبهجة الحب, وبهجة الحياة. د.عواطف عبدالرحمن