رغم الانتصار الساحق الذي حققه انصار فيكتور اوربان رئيس الحكومة المجرية بتصويت اغلبية المشاركين في استفتاء المجر المثير للجدل حول قبول اللاجئين بموجب الحصص التي حددها الاتحاد الاوروبي، فان هذا الانتصار يظل منقوصا لما يشوبه من عوار دستوري بسبب عدم استيفائه للنصاب القانوني اللازم. وفي الوقت الذي يلوح فيه الاتحاد الاوروبي والمنظمات الدولية بما فيها المفوضية الاوروبية بعدم الاعتراف بنتيجة الاستفتاء، تقف بلدان مجموعة فيشجراد وهي تشيكيا وسلوفاكيا وبولندا مؤيدة للتوجه الذي اختارته شريكتهم المجر فيما اعلنت عن توجه مشابه واحتمالات اجراء مثل هذا الاستفتاء. في ظل اجواء سادها الكثير من التوتر المشوب بالكثير من الامل الذي عقدته الحكومة المجرية برئاسة فيكتور اوربان على تحقيق الاغلبية في استفتاء الاحد الماضي في المجر حول رفض مقررات الاتحاد الاوروبي بشأن تحديد حصص قبول المهاجرين، ورغم تكثيف الحملات الدعائية والاعلامية من جانب الحزب الحاكم في المجر، نجحت فصائل المعارضة المجرية في تحقيق مبتغاها من خلال استجابة الكثيرين من الناخبين المسجلين في القوائم الانتخابية لمقاطعة هذا الاستفتاء، ما اسفر عن عدم تحقيق النسبة الدستورية المطلوبة للاعتراف بشرعية نتائجه وهي مشاركة ما لايقل عن 50% من اجمالي عدد الناخبين والذين يقدرون بما يزيد على ثمانية ملايين ناخب. وكانت النتائج شبه النهائية كشفت عن ان نسبة المشاركة في استفتاء المجر لم تزد على 45% فقط من اصوات الاعداد المسجلة في القوائم الانتخابية الرسمية، ما ينال عمليا من الانتصار الساحق الذي حققه الحزب الحاكم الرافض لتوزيع اللاجئين بين البلدان اعضاءالاتحاد الاوروبي، بموافقة 95% على ما طرحه الحزب من توجهات معارضة لرفض مقررات الاتحاد الاوروبي بهذا الشأن. وكانت الحكومة المجرية طرحت الاستفتاء حول هذا التوجه في سؤالها: هل أنت مع فرض الاتحاد الأوروبي توزيعا إلزاميا لمواطنين غير مجريين في المجر من دون موافقة البرلمان المجري. وقد سارعت المفوضية الأوروبية الى اعلان أن الاستفتاء ليس له أي تأثير قانوني على الالتزامات التى جرى اقرارها. ونقلت المصادر عن دمتريس إفراموبولوس مفوض الهجرة، ما قاله حول ان الدول الأعضاء ملزمة بتحمل المسؤولية القانونية تجاه تطبيق القرارات التى اعلنها الاتحاد الاوروبي بهذا الصدد. ومن جانبه حذر جان كلود يونكر الرئيس السابق للمفوضية من مغبة اجراء مثل هذه الاستفتاءات حول كل قرار يتخذه الوزراء الأوروبيون أو البرلمان الأوروبي، مؤكدا ان ذلك يعني أن سلطة القانون في خطر، على حد قوله . واشارت مصادر الاتحاد الاوروبي الى ان الخطة التي أقرت بتوزيع 160 ألفا من طالبى اللجوء بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ال28 منذ ما يزيد عن العام تظل حبرا على ورق، ولا سيما بعد ان اكدت البيانات الرسمية انه لم يجر توزيع العدد المقرر بموجب خطة الاتحاد. وكان الاتحاد الأوروبي اقر في سبتمبر من العام الماضي خطة التوزيع الإجباري للمهاجرين واللاجئين على أعضائه بهدف تخفيف حدة الأزمة على إيطاليا واليونان بعد تدفق غير مسبوق لنحو مليون من طالبي اللجوء في العام نفسه . وقد سارع فيكتور اوربان رئيس الحكومة المجرية الى اعلان رفضه لهذه القرارات وعدم قبول فرض الهجرة غير الشرعية التي وصفها بانها السم الذي لا يريد ان يتجرعه، فيما اتخذ قراره بانشاء نظام دفاعي على الحدود مع صربيا وكرواتيا المجاورتين ، واجراء الاستفتاء الشعبي حول هذه القضية. وحذر اوربان من مغبة تاثير الحصص المقررة من جانب الاتحاد الاوروبي على الهوية الثقافية والدينية لأوروبا، مؤكدا عدم جواز املاء بروكسل أو أي جهاز أوروبي آخر لشروطه بهذا الشأن. واضاف اوربان ان الحكومة تعتقد في أن القرار بشأن تحديد الحصص الإلزامية لا يمكن أن يُتخذ بعيدا عن البرلمان المجري، الذي قال انه الجهة الوحيدة التي تملك الصلاحيات والحقوق التي تخول لها ذلك. ومن اللافت ان اوربان لم يكتف بمثل هذه التصريحات، حيث تزعم حزبه الحاكم حملة اعلامية كاملة العدد، في محاولة لحفز الناخبين الى المشاركة في الاستفتاء، والتصويت مع ما طرحه من توجهات رافضة قبول الهجرة. ورغم ما تتسم به بعض توجهات اوربان من عدالة حول احقية المواطن الاصلي في التمتع بكامل حقوقه في وطنه الاصلي، فان ما انتشر من شعارات ينال من حقوق ابناء الوطن غير الاصليين ممن كانوا انتقلوا الى المجر بشكل شرعي في سنوات سابقة، وهو ما حذرت من مغبته الكثير من المنظمات الاجتماعية غير الحكومية في المجر والتي تبنت شعارات مقاطعة الاستفتاء، وهو ما اسفر عمليا عن النتائج سالفة الذكر. وبهذه المناسبة رد المعارضون للاستفتاء على الشعارات المؤيدة لرفض الهجرة بشعارات مضادة تقول بوجود ما يقرب من مليون مجرى يريدون الهجرة الى غرب اوروبا . وكان اوربان رئيس الحكومة المجرية قد سارع عقب الاعلان عن النتائج الاولية لاستفتاء الاحد الماضي الى تأكيد ان الاتحاد الأوروبي لن يكون قادرا على فرض إرادته على المجر، فيما اشار تعليقا على عدم مشروعية الاستفتاء بسبب عدم مشاركة النصاب القانوني وهو 50% من عدد الناخبين المسجلين، الى ان الأولوية هي لنسبة الرافضين.وأضاف اوربان قوله: بروكسل أو بودابست، تلك هي المسألة، وقد اخترنا بودابست. لقد قررنا أن مسألة الهجرة تدخل ضمن نطاق السلطة المجرية. وكشف رئيس الحكومة المجرية عن أنه ينوي اقتراح تعديل دستوري يعكس من خلاله إرادة الشعب، دون أى ايضاحات تتعلق بما قد يتضمنه هذا التعديل . ومضي أوربان ليقول إن عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم الأحد 3٫29 ملايين من أصل 8٫24 ملايين ناخب مسجلين، هو أعلى من عدد الناخبين الذين وافقوا في العام 2003 على انضمام المجر إلى الاتحاد الأوروبى وقدرهم 3,05 ملايين ، معتبرا أن هذا السلاح سيكون قويا بما فيه الكفاية. وقد اعرب زلاتان كوفاكس المتحدث الرسمي باسم الحكومة عن ذات التوجه فيما قاله حول انه إذا بلغت نسبة التصويت ضد الحصص الإجبارية 95 بالمئة، فان الرسالة تكون واضحة معتبرا أن نسبة المشاركة أمر ثانوي. وكانت المعارضة نشطت لمواجهة هذه التوجهات التي اتخذتها سلاحا في معركتها ضد الحزب الحاكم استعدادا للانتخابات البرلمانية المقبلة في عام 2018. ونقلت المصادر عن جابور فونا رئيس حزب أقصى اليمين المنافس الحقيقي للحزب الحاكم بزعامة أوربان دعوته لاستقالة أوربان الذي قال انه فشل في الفوز بتاييد الاغلبية الدستورية. وفيما تباينت ردود الافعال تجاه تنظيم الاستفتاء ونتائجة انضم الكثيرون من ممثلي الاوساط السياسية الدولية الى معارضي الداخل ومنهم مارتن شولتز رئيس البرلمان الأوروبي بوصفه الاستفتاء باللعبة الخطيرة لدولة المجر ما ينال من خطة توزيع اللاجئين على دول الاتحاد الأوروبي. وكان شولتز اشار الى أنه ووفقا لشروط توزيع اللاجئين، فليس على المجر استقبال سوى 2000 لاجئ، وبالتالي فإن تنظيم استفتاء حيال هذه المسألة يشكل لعبة خطيرة، معتبراً أن أوربان ينال من مبدأ أساسي للاتحاد الأوروبي، من خلال ما يعرب عنه من شكوك تجاه أُسس التشريع الأوروبي الذي شاركت المجر نفسها في وضعه. وذلك ما رد عليه أندراس جيورك النائب المجري في الاتحاد الأوروبي بقوله أن رئيس الحكومة المجرية لا يُخفي دعم بلاده للاتحاد الأوروبي، وأن حكومة أوربان كانت ومنذ عام 2003، الرائدة في تحريك مفاوضات دخول بودابست إلى الاتحاد. وأضاف جيورك أن حزب التحالف المدني المجري- فيديس الحاكم، سبق واعلن فى أثناء وجوده في المعارضة دعمه وتأييده لانضمام المجر الى الاتحاد الأوروبي، بما يعني ضمنا ان الاستفتاء ليس ضد أوروبا، وإنما تكمن أهميته في حقيقة عدم تجاهل إرادة المواطنين التي يمكن أن تدفع الحكومات أثماناً كبيرة. وعلى النقيض من ذلك اعلن جان أسلبورن وزير خارجية لوكسمبورغ دعوته إلى إبعاد اللاجئين وانتهاكها لمعايير الديمقراطية الأوروبية.وقال أسلبورن في حديثه الى صحيفة دى فيلت الألمانية ان أي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تبني جدرانا من الأسلاك الشائكة في مواجهة اللاجئين الفارين من الحرب، أو تنتهك حرية الصحافة واستقلال القضاء؛ يجب طردها بشكل مؤقت، وإن لزم الأمر نهائيا من الاتحاد. وأضاف قوله إن ذلك هو الحل الأفضل لحفظ انسجام الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وقيمه، معتبرا أن هناك دولة أوروبية واحدة على الأقل تحمي رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، فيما اشار الى أنه سيكون مفيدا تعديل قوانين الاتحاد الأوروبي بما يجعل التصويت على تعليق عضوية إحدى الدول لا يستوجب الإجماع. وقد سارع بيتر سيارتو وزير الخارجية المجري بالرد على تصريحات وزير خارجية لوكسمبرج التي تتسم بالغطرسة على حد قوله، فيما اتهمه بالسعي الى تدمير أمن أوروبا وثقافتها. واضاف الوزير المجري:جان آسلبورن اهان المجر و شعبها و يبدو مرتبكا من جراء الوضع الاوروبي كما انه مرتبك. انه بكل بساطة ليس شخصا يؤخذ على محمل الجد.