كانت حالة اللاسلم واللاحرب قد أدت إلى ارتفاع جدار الغرور الإسرائيلى بعدم قدرة العرب على تغيير الأمر الواقع وضرورة استسلامهم للشروط الإسرائيلية.. فقبل حرب أكتوبر1973 قال وزير الخارجية الأمريكي هنرى كسينجر «نصيحتى للسادات ان يكون واقعيا.. فنحن نعيش فى عالم الواقع ولا نستطيع ان نبنى شيئا على الأمانى والتخيلات والواقع أنكم مهزومون فلا تطلبوا ما يطلبه المنتصر ولا بد ان تكون هناك بعض التنازلات من جانبكم حتى تستطيع أمريكا ان تساعدكم فكيف يتسنى وانتم فى موقف المهزوم ان تملوا شروطكم على الطرف الآخر إما ان تغيروا الواقع الذى تعيشونه فيتغير بالتبعية تناولنا للحل وإما إنكم لا تستطيعون وفى هذه الحالة لا بد من إيجاد حلول تتناسب مع موقفكم غير الحلول التى تعرضونها. وكانت معظم الحسابات العلمية والعسكرية تقدر حاجة العرب وخصوصا مصر إلى ما يقرب من 50 عاما على الأقل، لعبور قناة السويس كحاجز مائى بالغ الصعوبة ، ثم اقتحام خط بارليف ، الذى يتجاوز فى تحصيناته ومناعته كل ما عرف عن الحصون العسكرية الشهيرة فى التاريخ الحديث ، مثل خط «سيجفريد» الألمانى ، وخط «ماجني» الفرنسى . أقام العدو الإسرائيلى ساترًا ترابيًا عاليًا يبدأ من قناة السويس وحتى عمق 12 كم داخل شبه جزيرة سيناء على امتداد الضفة الشرقية للقناة، وأقام عليه عدة نقاط حصينة وأطلق على هذا الخط الدفاعى «خط بارليف» نسبة للقائد الإسرائيلى الذى اقترح بناءه وهو «حاييم بارليف» رئيس الأركان الإسرائيلى فى هذا الوقت، بهدف منع عبور أى مصرى لقناة السويس، وبلغت تكاليفه نحو 200 مليون دولار فى ذلك الوقت، وضم الخط 22 موقعا دفاعيا و26 نقطة حصينة بنيت فى جسم الساتر الترابى وتميزت عن غيرها من جهة مواد البناء الداخلة فى تكوينها من خرسانة أسمنتية وحديد مسلح من ذلك النوع الذى يستخدم فى صناعة قضبان السكك الحديدية للوقاية ضد كل أعمال القصف وكذلك فإن أنظمة التسلح فى تلك النقاط الحصينة كانت فوق العادة من مدافع «الهاوتزر» عيار 185 مم ومرابض للدبابات وقاذفات للقنابل كما كانت تضم مفاتيح مصممة بحيث تحول القناة إلى جحيم وذلك بسكب كميات هائلة من النابالم فوق سطح القناة . روجت إسرائيل طويلا لهذا الخط على أنه من المستحيل عبوره، إلا أن الجيش المصرى تمكن من عبور قناة السويس واختراق الساتر الترابى فى 81 مكانا مختلفا وإزالة 3 ملايين متر مكعب من التراب عن طريق استخدام مضخات مياه ذات ضغط عال، قامت بشرائها وزارة الزراعة للتمويه السياسى ومن ثم تم الاستيلاء على أغلب النقاط الحصينة، ولم تصمد إلا نقطة «بودابست» فى أقصى شمال سيناء فى مواجهة بورسعيد. وفى ظهر السادس من أكتوبر 1973 أنطلق الجيش المصرى مردداً صيحات الله اكبر التى دوت فى آفاق السماء لتزلزل الأرض تحت إقدام الإسرائيليين وتطلب المدد من الحق سبحانه وتعالى مصداقًا لقوله: «وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ»، وبدأت المعركة التى أعطى لها الاسم الرمزى «بدر» تيمنًا بمعركة بدر، وكان المبدأ الإسلامى فى القتال «النصر أو الشهادة» خير دافع لكل أفراد القوات المسلحة التى كانت الروح المعنوية العالية لهم هى السلاح الذى أذهل العدو، حيث وجد رجال يقدمون أنفسهم طلبًا للنصر أو الشهادة. وفى دقائق قليلة انطلقت فى سماء سيناء 220 طائرة تدمر مراكز العدو وغرف القيادة ومراكز الاتصال واندفعت حشود الجيش المصرى على امتداد 150 كيلومترا شرق القناة وفى وقت واحد كان2000 مدفع يطلقون121 ألف قذيفة فى أقل من ساعة، وأغلقت القوات الخاصة مواسير النابالم وأزالت 15 ألف متر مكعب من الرمال تمهيداً لعبور الدبابات وفى ساعات قليلة تم تركيب الكبارى التى عبرت عليها المدرعات لنجد800 دبابة شرق القناة لتشهد سيناء واحدة من أشرس معارك الدبابات فى التاريخ العسكرى فى العصر الحديث. وفى صباح الأحد 7 أكتوبر أنجزت القوات المصرية عبورها لقناة السويس وأصبح لدى القيادة العامة 5 فرق مشاة بكامل أسلحتها الثقيلة فى الضفة الشرقية للقناة وانتهت أسطورة خط بارليف الدفاعي، وواصلت القوات المصرية تدعيم رؤوس الكبارى لفرق المشاة الخمس، كما قامت بسد الثغرات التى بينها وبين الفرق المجاورة داخل كل جيش، وبحلول يوم 8 أكتوبر اندمجت الفرق الخمسة فى رأس كوبريين فى جيشين، وكان رأس كوبرى الجيش الثانى يمتد من القنطرة شمالا إلى الدفرسوار جنوبا أما رأس الكوبرى الجيش الثالث فيمتد من البحيرات المرة شمالا إلى بور توفيق جنوبا وكانت هناك ثغرة بين رأسى كوبرى للجيشين بطول 30-40 كيلومترا، وهو ما استغلته إسرائيل التى دعمت موقفها على الجبهة ودفعت ب 5 ألوية مدرعة لمنع عبور قناة السويس وكسر الحاجز الترابى ليصل مجموع القوات المدرعة الإسرائيلية فى سيناء إلى 8 ألوية مدرعة. وبإصدار مجلس الأمن القرار رقم 338 الذى يقضى بوقف كل الأعمال الحربية بدءا من يوم 22 أكتوبر 1973 قبلت مصر بالقرار ونفذته إلا ان القوات الإسرائيلية خرقت وقف إطلاق النار، فأصدر مجلس الأمن قرارا آخر يوم 23 أكتوبر يلزم جميع الأطراف بوقف إطلاق النار، وتوقف القتال تماما فى 28 أكتوبر بوصول قوات الطوارئ الدولية إلى جبهة القتال على أرض سيناء بعدما أدركت إسرائيل أنها خسرت المعركة وأن الجيش المصرى متمسك بمواقعه التى حررها، ووافقت إسرائيل على الدخول فورا فى مباحثات عسكرية للفصل بين القوات، وبدأت مباحثات الكيلو 101 فى أكتوبر ونوفمبر 1973 حيث تم الاتفاق على الالتزام بوقف إطلاق النار ووصول الإمدادات اليومية إلى مدينة السويس وتتولى القوات الدولية مراقبة الطريق ثم يبدأ تبادل الأسرى والجرحى. وفى يناير 1974 تم توقيع اتفاق فض الاشتباك الأول بين مصر وإسرائيل، وقد نص على إيقاف جميع العمليات العسكرية كما حدد الاتفاق الخط الذى ستنسحب إليه القوات الإسرائيلية على مساحة 30 كيلو مترا شرق القناة وخطوط منطقة الفصل بين القوات التى سترابط فيها قوات الطوارئ الدولية، وفى سبتمبر 1975 تم التوقيع على فض الاشتباك الثانى الذى بموجبه تقدمت مصر إلى خطوط جديدة واستردت نحو 4500 كيلو متر من أرض سيناء وأصبح الخط الأمامى للقوات الإسرائيلية على الساحل الشرقى لخليج السويس لمسافة 180 كم من السويس وحتى بلاعيم، ومن أهم ما تضمنه الاتفاق أن النزاع فى الشرق الأوسط لن يحسم بالقوة العسكرية ولكن بالوسائل السلمية.