غدًا.. انقطاع المياه 8 ساعات عن بعض المناطق في دمياط    مجلس الأعمال المصري الياباني يوقع مذكرة تفاهم مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة    برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: مستويات التنمية في غزة عادت لما كانت عليه في 1955    الأهلي يستأنف تدريباته اليوم استعدادا لنهائي السوبر أمام الزمالك    كاراجر: صلاح سيجدد تعاقده مع ليفربول    ضبط شخص بالجيزة بتهمة تزوير العملات وترويجها    وزير الثقافة يُهنئ الجهاز القومي للتنسيق الحضاري لفوزه بجائزة اتحاد الآثاريين العرب    جامعة بنها تنظم قافلة طبية متخصصة في أمراض العيون بميت نما    مصرع شخص وإصابة آخر إثر اصطدام دراجة بخارية بحوض مياه ري بالمنيا    ضبط 271 مخالفة خلال حملات تموينية مكبرة على المخابز والأسواق بالمنيا    أيمن الشريعي: الأهلي المنظومة الأنجح ولكن لا يوجد أنجح مني    إيران: جيراننا أكدوا عدم سماحهم استخدام أراضيهم وأجوائهم ضدنا    5 حبوب كاملة للسيطرة على السكري من النوع الثاني    وزير التربية والتعليم يكشف عن إجراءات جديدة لتحسين أوضاع المعلمين وتطوير المنظومة التعليمية في جلسة مجلس النواب    الموافقة على بدء إجراءات إنشاء جامعة الوادي الجديد الأهلية -تفاصيل    برلماني: إنشاء الميناء الجاف بالعاشر من رمضان نقلة نوعية في مجال النقل    "تحسبًا لرحيل جوارديولا".. ألونسو يدخل حسابات مانشستر سيتي    مشيرة خطاب: خطة عمل متكاملة عن الصحة الإنجابية بالتعاون مع منظمات دولية    الأعلى للطاقة بدبى: نتعاون مع جهاز الكهرباء بمصر لتشجيع الدول لإنشاء أجهزة مماثلة    وزير الأوقاف يلتقي رئيس إندونيسيا بقصر الرئاسة بجاكرتا - صور    بيروح وراهم الحمام.. تفاصيل صادمة في تح.رش موظف في مدرسة بطالبات الإعدادي    الرئيس الإندونيسي يستقبل الأزهري ويشيد بالعلاقات التاريخية بين البلدين    احتفالات أبوسمبل.. رقص السائحات خلال تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني| صور    حفل هاني شاكر في مهرجان الموسيقى العربية الليلة «كامل العدد»    برغم القانون الحلقة 28.. فشل مخطط ابنة أكرم لتسليم والدها إلى وليد    وزيرا الشباب والرياضة والتعليم يبحثان التعاون في إطار مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان    هل يدفع الاستعراض النووي لزعيم كوريا الشمالية واشنطن لإعادة حساباتها؟    حيلة ذكية من هاريس لكسر ترامب في سباق الرئاسة الأمريكية.. النساء كلمة السر    فى اليوم العالمى له، اعرف ماهو التلعثم والتأتأة وأسباب إصابة الأطفال بهما    الاعتماد والرقابة الصحية تنظم ورشة عمل للتعريف بمعايير السلامة لوحدات ومراكز الرعاية الأولية    وزير التعليم للنواب: لا يوجد فصل الآن به أكثر من 50 طالبا على مستوى الجمهورية    عشرات النواب الأمريكيين يدعون بايدن للسماح بدخول الصحفيين إلى غزة    واقعة فبركة السحر.. محامي مؤمن زكريا: اللاعب رفض التصالح وحالته النفسيه سيئة    أمين الفتوى: احذروا التدين الكمي أحد أسباب الإلحاد    رئيس الأركان يشهد تنفيذ التدريب المشترك «ميدوزا -13» | صور وفيديو    بعد إعلان التصالح .. ماذا ينتظر أحمد فتوح مع الزمالك؟    إصابة 8 أشخاص إثر انقلاب سيارة ربع نقل في الشرقية    أخواتي رفضوا يعطوني ميراثي؟.. وأمين الفتوى يوجه رسالة    إحالة مسجلين إلى الجنح لاتهامهم بسرقة شركة في المرج    سعر أسطوانة الغاز 380 جنيه وتباع ب150| وزير سابق يعلن مفاجأة للمواطنين (فيديو)    نائب وزير المالية: «الإطار الموازني متوسط المدى» أحد الإصلاحات الجادة فى إدارة المالية العامة    «الأزهر»: دورة مجانية لتعليم البرمجة وعلوم الروبوت للأطفال والشباب    أول رد من «الصحة» على فيديو متداول بشأن فساد تطعيمات طلاب المدارس    خطوات تحميل التقييمات والأداءات الصفية والواجبات المنزلية من موقع وزارة التربية والتعليم    في خدمتك| العمل تحدد شروط شغل 950 وظيفة بالقاهرة    حريق هائل بمخزن شركة مشروبات شهيرة يلتهم منزلين فى الشرقية    دعاء جبريل للنبي عندما كان مريضا.. حماية ربانية وشفاء من كل داء    مستوطنون يقتحمون "مقام يوسف" شرق نابلس    الجارديان تلقي الضوء على مساعي بريطانيا لتعزيز قدرات القوات الأوكرانية في مواجهة روسيا    هبوط مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    صناع عمل "مش روميو وجولييت" يعلنون تأسيس نادي أصدقاء للجمهور    تغطية إخبارية لليوم السابع حول غارات الاحتلال على رفح الفلسطينية.. فيديو    رواية الشوك والقَرنفل.. السنوار الروائي رسم المشهد الأخير من حياته قبل 20 عاما    اللهم آمين| أفضل دعاء لحفظ الأبناء من كل مكروه وسوء    دعاء عند نزول المطر.. فرصة لتوسيع الأرزاق    ثروت سويلم: قرعة الدوري ليست موجهة.. وعامر حسين لا يُقارن    الحلفاوي: "الفرق بين الأهلي وغيره من الأندية مش بالكلام واليفط"    حدث بالفن| طلاق فنانة للمرة الثانية وخطوبة فنان وظهور دنيا سمير غانم مع ابنتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وكأن مصر تشرق فى الخريف !
نشر في الأهرام اليومي يوم 26 - 09 - 2016

هو الخريف ...صاحب الظلال الهادئة بعد صيف طويل، والذى يمكن أن يصلح وقتا لتصفح هذه القصة المصرية الخالدة, خاصة وقد امتزجت نفحاته بصيحات النصر، وما أكتوبر ببعيد.
نحكى هنا عن واقعة انتصار فى تاريخنا القديم عادت بمصر إلى خصب أرضها الأخضر؛عن معركة بطلها أحمس فرعون مصر العظيم الذى استطاع, وكما يقول العالم آلن بترى, أن يلحق الهزيمة بالهكسوس فى عدة معارك, أهمها آفاريس التى دارت حوالى عام 1546 قبل الميلاد وأرغمتهم على الجلاء عن الدلتا وكل الأراضى المصرية .
كان هؤلاء الغزاة, الذين حار العلماء فى تحديد أصولهم وهويتهم, أكبر نقمة حلت على بر مصر لم يعرفها إلا من عاش وشاهد.
لهذا يتساءل مانيتون السمنودى المؤرخ العظيم هذا السؤال الصعب.. لماذا أنزل الله علينا نقمته؟ وهو يقص روايته عن هؤلاء الغزاة الأسيويين الذين حكموا مصر منذ نهاية القرن الثامن عشر إلى بداية القرن السادس عشر قبل الميلاد.
ففى عصر ملك يدعى «تيماوس» ولست أدرى كيف تم ذلك- كان الإله غاضبا علينا، فأتى من الشرق قوم من جنس مجهول عولوا على غزو بلادنا، و استطاعوا فى سهولة أن يخضعوها بقوتهم دون معارك.»
ينتهى حديث مانيتون، وإن كان ليس وحده فهناك قائمة طويلة من أهل القلم فى مصر استوقفتهم هذه المعركة وهذه الفترة الظلامية التى عششت على البلاد والعباد.
واحد منهم هو نجيب محفوظ الذى كان يحب الخريف, و يحلو له أن يكتب ويبدع فى أجوائه. فقدم ضمن ما قدم رائعته «كفاح طيبة», راويا لأحداث جرت فى رحاب مصر الفرعونية القديمة, بعيدا عن أحوال القاهرة العتيقة التى انغمس فيها بعد ذلك، حيث الحوارى الضيقة و عصى الفتوات، و الأسبلة ومساقى الدواب، وأشعة الشمس التى تأتى من صحراء مجاورة على استحياء لداخل البيوت التى تتجاور وتتزاحم على طول الطريق.
وقد كان يكفى محفوظ ما كتب لاحقا من حكايات الشباب والصبايا فى البيوت المعطرة بمسك حى «الحسين». ولكن ربما تعود هذه البداية الخصبة التى استلهمها من مصر الفرعونية إلى عشقه للتاريخ وبحثه عن أصل الحكايات.
مجرد تفسير يسبق قراءة روايته «كفاح طيبة» التى منحته جائزة وزارة المعارف عام 1944، وزاملتها روايات أخرى مثل عبث الأقدار ورادوبيس, إذن كانت بدايته فرعونية!
تبدأ الرواية مع سقنن رع، الحاكم المصرى الأصيل لطيبة والأراضى المصرية التى لم تقع بشكل مباشر تحت حكم الهكسوس.
كانت جريمة هذا الحاكم- من وجهة نظر المحتلين الهكسوس- هى وضعه تاجا كالملوك، وبناءه قصورا كالفراعين، وتعامله وكأنه ملك فعلى للبلاد. ولهذا أرسل أبوفيس خيان الهكسوسى كبير حجاب قصره البدين القصير صاحب اللحية الطويلة، والوجه الأبيض, تماما مثل أبو فيس, ليحمل رسالة أوامر إلى الحاكم الذى لابد أن يخضع.
كانت طيبة هى من تستقبل هذا الرسول، فصدمت عيناه المعابد والمسلات والوزارات ومقر القيادة العليا للجيش، وأخيرا قصر الحاكم العظيم الذى يماثل قصر منف نفسه.
كل هذا جعل لدى الهكسوس ألف سبب وسبب للإطاحة بهذا المشهد المصرى الخالص الذى يتخذ قواعده فى الجنوب بعيدا عن سطوتهم وهم الهمج الهابطون وادى النيل من أقاصى الصحارى.
فلابد من اذلال الجنوب كما ذل الشمال، حتى يمحى للأبد ذلك الاحساس بالعزة المصرية.
وهى نوايا كانت تنتظر اليوم الذى تصبح فيه واقعا، ولكن قبل أن تبدأ المعركة، يبصرنا محفوظ بهذه الاختلافات بين الغاصبين والفدائيين, من خلال اتفاق سقنن رع مع زوجته وأمه تيتيشيرى المقدسة على شن حرب على هؤلاء المحتلين الغاصبين.
أصبح الرفض لمطالب الغزاة واضحا لخيان رسول أبوفيس حين لقى سقنن رع بعد ليلة واحدة من تقديم مطالب الهكسوس لايزال مرتديا تاج الحاكم المصرى الابيض على رأسه، وكأنه قرر عدم خلع هذا التاج، وعدم قتل أفراس النهر، وعدم بناء معبدا لإلههم المختار ست.
وهو رفض يعنى وفى كل الأحوال أن الجنوب يقبل التحدى، وأن معركة على وشك الاشتعال.
كان لابد من هذا اليوم وهذه المواجهة، وكانت الحكمة تقتضى أن يفهم أهل بيت الحكم أنه إذا سقط سقنن رع لابد وأن يخلفه ابنه كامس ومن بعده ابنه أحمس.
أما أهل طيبة فقد هرعوا يحملون سعف النخل والرياحين، وكأن مصر تشرق فى الصباح, حين تحرك الجيش يقوده سقنن رع وهو يرتدى تاج تيمايوس اخر فرعون لمصر الموحدة كان يخبؤه كهنة آمون، ليتضح أن الهكسوس قد أعدوا قوة ضخمة لمهاجمة الجنوب حتى قبل أن يبلغ رسولهم حدود منف.
دار القتال فى وجود عجلات حربية صنعت للأسف بأيد مصرية، لتشتعل معركة غير متكافئة القوى والعتاد لتحسم منذ البداية للهكسوس الذين قتلوا سقنن رع وحطموا رأسه بالرماح والبلط، وهو المشهد الذى صوره المؤرخ و الاثرى اليوت سميث بأنه كان هجمة غادرة، عندما تسللوا من خلفه وطعنوه بخنجر وراء أذنه اليسرى فغاص الخنجر فى عنقه. وكانت الضربة مفاجئة فلم يقو أن يدرأ عن نفسه ضرباتهم.
أهكذا كانت نهاية البطل الجسور الذى لم يتراجع جيشه، هذا ما كان يشغل عقل جنود الجنوب وهم يعاودون الهجوم بأقل القليل من الرجال حتى يمنحوا أسرته الفرصة فى الخروج من طيبة، واللجوء إلى بلاد النوبة.
فالهزيمة تعنى أن يعود خيان رسول أبوفيس اللعين إلى طيبة ليتسلمها من أهلها هذه المرة،بعد أن دخلت جيوش الهكسوس وأغلقت الحدود بين مصر والنوبة.
مشهد لن تنساه مصر المحروسة على مر تاريخها وأزماتها، وإن أراد محفوظ أن ينهيه سريعا بصباح آخر يعود فيه شاب من النوبة طالبا دخول طيبة، ولم يكن أمامه سوى تقديم هدايا تفتح الأبواب فلا قبل للرعاة الهكسوس بمقاومة بريق الذهب.
هذا ما اراده التاجر الشاب اسفتيس أو أحمس الذى لم يعلم الهكسوس هويته، ولكن القدر شاء أن يلفت نظر ابنة الحاكم وجود قزم على السفينة، و عقد من الذهب يحمل قلبا من الزمرد.
لم يكن هذا اللقاء مجرد حادث عابر، فابنة أبوفيس قاتل المصريين تحب أحمس الذى يسعى لتحرير البلاد، وقد منحها العقد صاحب قلب الزمرد، وهى فى المقابل تنقذ حياته من أحد قادة الهكسوس الغاضبين.
لم يكن كل ما جرى بينهما فى حسابات عقل وقلب أحمس الذى أراد فقط أن يقنع الهكسوس بمهمته كتاجر حتى يتثنى له جلب أكبر عدد من أهل الجنوب معه إلى النوبة ليكونوا نواة لجيش مصر الكبير، وخاصة أن نباتا النوبية تحولت إلى مصنع لصناعة السفن والعجلات الحربية، ليجد أهل مصر السلاح والعتاد وينطلق الجيش من جديد بقيادة كامس بعد عشر سنوات فى مهمة لإنقاذ مصر.
كانت المعركة شديدة فى طيبة، وقد أظهر أهل مصر ثباتا وتقدما، إلا أن الهكسوس يصلون إلى الفرعون كامس بسهامهم فيسقط صريعا كما حدث لأبيه سقنن رع.
لا يجد أحمس أمامه الا التقدم بثقة لهذه المهمة الجليلة حيث يثبت الأسطول المصرى مقاومة كبيرة، ليهاجم بعدها الفرعون الشاب قلب جيش العدو فترجح الكفة المصرية.
ومع هذا لا يتوقف الأمر عند هذا الحد ليعلن المصريون انتصارهم، فقد كان لابد من مبارزة نفس الحاكم الذى قتل سقنن رع، وكان لابد من ثمن كبير دفعته النساء و الأطفال المصريين الذين استخدمهم الهكسوس كدروع بشرية.
هؤلاء هم ثمن الحرية الذى دفعته مصر التى تقدمت تستعيد أرضها، حتى جاء دور مدينة هواريس أو أفاريس التى أجلى عنها الهكسوس فى مقابل اطلاق أحمس لسراح الأميرة الأسيرة ابنة أبوفيس لتنتهى قصة لم تكن تكتمل لتجمعهما .
فلا العداوة تقترن بالحب، ولا مصر ترضى أن يكون لها شريك فى قلب أحمس.
معركة طويلة لتعود البلاد موحدة من جديد، فمصر التى عاشت تاريخا طويلا وسنوات أصعب من أن تعد تعرف تفسيرات الحياة التى تقف فى صف الحقيقة والضمير و العدالة فى أوضح صورها.
وقضيتها لم تكن فى وجود هؤلاء الهكسوس أو حتى تفسير دخولهم إلى مصر، ولكنها خاصة بأهل مصر عندما يتراجعون عن قيم التحضر و قوانين وتقاليد اتفقوا عليها منذ اعلان أول دولة فى تاريخ البشرية على أرضها.
فإذا لم تكن مجتهدا كالعالم وصابرا كالفلاح و مبدعا كالفنان والعامل لما استطاعت أن تحقق شيئا ولتكالب على أرضك أخرون من كل جانب.
مجرد خواطر طاردتنى عند متابعتى لهذه الملحمة الجميلة ومبدعها نجيب محفوظ الراحل عنا منذ عشر سنوات والتى تذكرنا بأهم انتصار حققته مصر فى تاريخها القديم.
وربما أيضا لأنه الخريف الذى تعود منذ آلاف السنين أن يأتى معلنا إشراق سنة مصرية جديدة...فتحية إلى أهل مصروكل ما هو أصيل فى بر مصر. ولا ننسى من انتصر فى خريف 1973. وهى قصة مصرية عظيمة أخرى فى تاريخ مصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.