انشغل العديد من الفلاسفة القدامى باهتمامات كثيرة تخص الانسان وحياته، فهذا سقراط انشغل بنشأة الخلق وعقل الإنسان، وذاك أرسطو ارتبط بإبداعات العقل البشرى من فنون الدراما المسرحية والتراجيديات المأساوية أما أفلاطون الذى عاش بين حقبتى سقراط وأرسطو، فقد تركزت همومه وانصبت اهتماماته على عالم المثل (بضم الميم)، ذلك المجتمع الذى ترنو الى تحقيقه أفكار البشرية وأحلامها فى العدل والاستقامة والخير والحرية والجمال، حيث أرسى أعرافا فى فلسفته المثالية التى حملت بدورها اسم: اليوتوبيا أو «المدينة الفاضلة» وسلك من بعد افلاطون فلاسفة مبدعون، ينتمون الى ثقافات وشعوب عديدة مثل «توماس مور» الانجليزى الذى أصدر كتاب «اليوتوبيا» المدينة الفاضلة مرورا ب «توماس كامبانيلا» الايطالى الذى أطلق على المجتمع الفاضل اسم «مدينة الشمس» الى الإنجليزى «توماس بيكون» الذى اختار لمدينته الفاضلة اسم «أطلانطس» ووصل الأمر الى الفيلسوف المسلم الكبير «أبى النصر الفارابي» الذى حلقت به أجنحة خياله الفلسفى الى حيث تصور مجتمعا فاضلا يقوم على إدارة الحكم فيه «مفكر فيلسوف»، يرعى الله فى البلاد والعباد، وحمل هذا العمل الفلسفى اسما شهيرا فى تاريخ الفلسفة الإسلامية هو: «آراء أهل المدينة الفاضلة». ولأن التغيير سنة الحياة، فقد جاء الوقت الراهن لكى ينشأ فصيل أو فرع مستجد من الفكر الفلسفى حمل أخيرا عنوانا مازال يبدو غريبا على الأسماع والأفكار، وهو: الفلسفة الأيكولوجية، أو الفلسفة البيئية، أو الفلسفة الخضراء، يهتم بتدارس أحوال وتطورات البيئة التى تعيش فيها سائر الكائنات الحية من خلق الله سبحانه وتعالى من بنى الإنسان وعالم الحيوان والنبات على السواء، ولقد نبه الفلاسفة دائما الإنسان الى خطورة أنشطته الصناعية معتبرين أن الإنسان بصدد تدمير وطنه مادام العقل الصناعى التقنى يتعامل مع الطبيعة كموضوع قابل للاستغلال، فالطبيعة هى جسد الإنسان الحقيقى الذى هو امتداد فيزيائى لجسد الطبيعة، ومن هنا فإن اختناق الطبيعة هو اختناق للإنسان، وموتها هو موت له وكأن روحهما واحدة، وإذا ضاق مقام روح الطبيعة بجسدها المثقل بالمشاكل البيئية والإيكولوجية فستغادر هذه الروح الى ما وراء الطبيعة والتى يمكن أن تكون هى الجنة والفردوس بالنسبة للطبيعة الأرضية، وكان من المحتم أن يظهر فكر جديد هو الفكر الأخضر فيحاول إعادة الحياة للوطن والانتصار على العقل الانسانى البراجماتى الذى فقد عقله لحظة استغلاله الطبيعة، فأصبح العقل أحمق بتعبير الفيلسوف مشيل فوكو، وبدا أن أخطر معارك العقل الأخضر هى تلك المعركة التى سيخوضها ضد العقل الصناعى الأحمق، الذى لوث البيئة وخرب المناخ وساعد على هلاك الانسان والطبيعة فى آن واحد، ومن هنا تأتى أهمية هذه الفلسفة التى بدأ الفلاسفة فى وضع اسسها ويبدو أنه لأول مرة يحدث هذا الالتفات القريب منهم ناحية مصلحة الانسان وسعادته. لقد كان بديهيا أن تأتى هذه الفئة من المفكرين الذين يجمعون فى تخصصاتهم وبحوثهم واجتهاداتهم بين علوم الفيزياء والكيمياء والمناخ والبيولوجيا، لدراسة وتحليل حركة التفاعل بين كل هذه العلوم وكل ما يهم العلاقة بين الطبيعة والانسان من صحة وسلامة وسعادة، ومستقبلا فإذا رحلت الطبيعة وضاعت فإن الإنسان سيضيع معها وينتهى! د. حامد عبد الرحيم عيد أستاذ بعلوم القاهرة