توقع الكثير من المحللين السياسيين والاستراتيجيين أن تكون قمة سرت مشهدا معادا للقمم العربية السابقة, التي أصدرت العديد من القرارات العنترية والبلاغية, التي تحمل أقصي عبارات الإدانة والشجب والرفض للمواقف غير الإنسانية المؤسفة والمنافية للقانون والشرعية وحقوق الإنسان التي يتعرض لها المواطن الفلسطيني. وكانت وجهة نظرنا أنه يلزم أن يكون لقمة سرت مذاق مختلف للعديد من الاعتبارات, أهمها أنه قد تبين بوضوح لمتابعي الموقف في الشرق الأوسط, أن الرئيس باراك أوباما كان ومازال جادا في سعيه الي حل القضية الفلسطينية باسلوب متوازن يقايض فيه تجميد الاستيطان الاسرائيلي وعدم البناء في القدسالشرقية, وانسحاب الجيش الاسرائيلي لمواقعه التي كان عليها عشية انتفاضة عام2000, ونقل بعض أراضي الضفة الغربية من المناطق المحتلة إسرائيليا الي المناطق التي تدخل ضمن سيطرة السلطة الفلسطينية التامة, ودفع مسار المحادثات الاسرائيلية/ الفلسطينية بتقديم بعض بوادر حسن النوايا من جانب إسرائيل بالافراج عن أسري فلسطينيين تردد أن عددهم ألف ودخول محادثات السلام بنوايا صادقة, مقابل ضمان الولاياتالمتحدة لأمن إسرائيل بصورة محققة إن لم تكن مطلقة من أي اعتداء إيراني عليها, وبذل قصاري الجهد الأمريكي علي كافة المستويات لوقف المشروع النووي الايراني.. وقد تحدد يوم الاثنين12 من ابريل موعدا لتسلم واشنطن للرد الاسرائيلي علي الطرح الأمريكي. وتراوحت الآراء حول موقف نيتانياهو المحتمل, فالبعض رأي أنه لن يمكنه أن يقبل بالطرح بمجمله, لأن الوضع الداخلي الاسرائيلي الراهن, لن يسمح بمثل هذه الخطوة. والبعض الآخر يقدر أن رفض رئيس الوزراء الاسرائيلي لطرح الرئيس أوباما يعني مواجهة سياسية بينهما, ويدللون علي ذلك باعتذار نيتانياهو عن حضور قمة الأمن النووي الذي ستعقد في الولاياتالمتحدةالأمريكية يومي12 و13 ابريل ويحضرها أكثر من40 من قيادات العالم ومنهم مصر وتركيا اللذان قد لوحا بأنهما سيطرحان أمام المؤتمر ضرورة التزام إسرائيل بمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية والخضوع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وعليه فقد قرر نيتانياهو إيفاد دان ميريدور نائب رئيس الوزراء والمتولي لهذا الملف بدلا منه.. والدلالة التي يمكن أن تركن عليها في هذا السياق, أن عدم حضور نيتانياهو يعني أحد احتمالين أو كلاهما الأول أنه لن يمكنه الوفاء بما طلبه الرئيس أوباما, ومن ثم فهو يتوقع ألا يلتزم الجانب الأمريكي بما تعهد به بعدم السماح بطرح هذا الموضوع في هذا المؤتمر. والاحتمال الثاني هو أن تستغل كل من تركيا ومصر وجود هذا الجمع الدولي للحصول علي تأييد لطرحهما, حيث لا يمكن للرئيس أوباما معارضة موقفهما الذي يتسق مع ماطالب هو به في خطابه في جامعة القاهرة في5 يونيو2009. وعموما فان بنيامين نيتانياهو سيحاول الخروج من هذا المأزق بأقل خسائر ممكنة, خاصة أن الموقف قد تعدي مرحلة استخدام الضغط عن طريق اللوبي الصهيوني بعد ان صرح أكثر من مسئول أمريكي بدءا من الرئيس أوباما ونائب الرئيس جون بايدن ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون والجنرال بيتر يوس رئيس الوحدات الأمريكية في الشرق الأوسط ومستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي: بأن حل القضية الفلسطينية يمثل أهمية استراتيجية للأمن القومي الأمريكي, بما يعني أنه موضوع غير قابل للمساومة, وأن علي الجانب الاسرائيلي أن يوائم موقفه طبقا للحقائق الظاهرة. وقناعتنا ان قمة سرت قد تناولت الموقف في القدس من زوايا نراها سياسيا ونظريا مقبولة, خاصة علي ضوء المعطيات الراهنة, فقد كلفت قمة سرت المجموعة العربية في نيويورك بإحالة موضوع الانتهاكات الاسرائيلية للقدس الشرقية لاجتماع رفيع المستوي لمجلس الأمن, والعمل علي استصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بتكليف محكمة العدل الدولية للنظر في موضوع الانتهاكات الاسرائيلية في القدسالشرقيةالمحتلة, وتشكيل لجنة قانونية برعاية الدول العربية لتحضير ملف الدعوي, والطلب من سويسرا المودع لديها اتفاقية جنيف الرابعة باستئناف عقد مؤتمر الدول المتعاقدة ونقل لما صدر عن القمة العربية في2000/12/5 في هذا الخصوص مع الاستعانة بما أحدثه تقرير جولدستون من اثار إيجابية لصالح الموقف الفلسطيني في اللجنة الدولية لحقوق الانسان والجمعية العامة للأمم المتحدة وعقد مؤتمر دولي يعقد في قطر تحت رعاية جامعة الدول العربية وبمشاركة جميع الدول العربية والمؤسسات والنقابات وهيئات المجتمع المدني المعنية خلال الثلاثة أشهر القادمة للدفاع عن القدس, وأخيرا زيادة الدعم الاضافي لصندوقي الأقصي والقدس الي500 مليون دولار, مع إحالة موضوعي الحرم الابراهيمي ومسجد بلال بن رباح لليونسكو والمنظمات الدولية. وعليه فإننا نري أن هذا التحرك وهذه الآلية لو تمت فسوف تحرك الموقف السياسي وربما الاعلامي لو أحسن تسويقه وسوف تدعم من موقف الرئيس باراك أوباما, وتعقد موقف بيبي نيتانياهو وائتلافه الحزبي. وتبقي إشارة يلزم ألا نغفلها: فأحد عناصر قوة قمة سرت النزعة التي هدفت الي التأكيد علي إصلاح النظام السياسي العربي التي طرحتها كل من اليمن وليبيا والدعوة الي المصالحة العربية وآلية لفض الخلافات العربية التياإقترحتها سوريا, وعقد قمة استثنائية في سبتمبر القادم لمعالجة هذه الموضوعات والقدس ومنطقة الجوار العربي. كما ولا يمكننا أن نغفل الكلمة التي ألقاها السيد عمرو موسي في الجلسة الافتتاحية, والتي حملت عصارة فكر وخبرة دبلوماسي محنك وسياسي متمرس وعروبي الهوية والهوي, ومفكر استراتيجي مقتدر.. وترجع قوة كلمته الي أنه قد أعدها وهو يعتبرها كلمة حق, يقولها وهو يري أن الفترة التي قضاها في خدمته للعرب وعالمهم والعناية بمصالحهم, والعمل علي علاج مشاكلهم كافية بالنسبة له.. وأري ان تحليله لقضية التوازنات الاقليمية القادمة في منطقة الشرق الأوسط بعد دخول كل من تركيا بدبلوماسيتها الحديثة عالية الكفاءة والدقيقة في قراءة الأحداث والفاعلية في التأثير في مجرياتها, وإيران بسياساتها الجريئة ودبلوماسيتها العاصفة, وتأثيرها علي مجمل الوضع الأمني في المنطقة, وكذا تفجر الصراع السني الشيعي من قمقم التاريخ ليشكل بلاء للمجتمعات الاسلامية.. هي معطيات يجب التركيز عليها عند رسم الاستراتيجية العربية المشتركة. وإن كنت أتحفظ بعض الشيء علي طرح إنشاء منطقة الجوار العربي التي تضم تركيا وإيران وإثيوبيا وإريتريا والسنغال وغينيا ومالي والنيجر وتشاد, للعديد من الاعتبارات أهمها ان النظام العربي الراهن مازال هشا ولا يسمح بالدخول في هذا المعترك إلا بعد ان يدعم خطوطه العربية في الأساس, فضلا علي زيادة الكلفة التي ستترتب علي توسيع جامعة الدول العربية. وكفانا ان نركز في هذه المرحلة علي دعم العمل العربي المشترك, ثم ننحو بعد هذا نحوا إقليميا.. وهذا لا يمنع من عقد مؤتمرات مشتركة, دون ان تأخذ شكل منطقة جوار عربي تضمها رابطة إقليمية مع جامعة الدول العربية. المزيد من مقالات محمود شكري