منذ جولة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو فى أربع دول بشرق إفريقيا من 4 إلى 8 يوليو، إزدادت التساؤلات فى العالم العربى ومصر بالذات حول مدى تغلغل إسرائيل ونفوذها فى القارة السمراء ومدى تأثير ذلك على المصالح العربية، ومن بينها القضية الفلسطينية والخلاف حول سد النهضة الذى تقيمه إثيوبيا على النيل الأزرق. والواقع أن جولة نتانياهو إكتسبت أهمية خاصة لأنها الأولى لرئيس وزراء إسرائيلى فى إفريقيا منذ 29 عاما. فقد سبقه إسحاق شامير الذى قام بجولة فى غرب إفريقيا عام 1987. وقد زار نتانياهو فى جولته كل من أوغنداوكينيا ورواند وإثيوبيا، وكلها من دول حوض النيل وتربطها علاقات قوية وقديمة مع إسرائيل. كما عقد أثناء وجوده فى كمبالا قمة إقليمية ضمت زعماء الدول المذكورة آنفا بالإضافة لرئيسى جنوب السودان وزامبيا ووزير خارجية تنزانيا. وتأتى جولة نتانياهو إستكمالا وبناء على جولتين سابقتين قام بهما وزير الدفاع الإسرائيلى حاليا أفيجدور ليبرمان حينما كان وزيرا للخارجية. وكانت الجولة الأولى فى سبتمبر 2009 زار خلالها إثيوبيا وكينياونيجيريا. وفى جولته الثانية فى يونيو 2014 زار ليبرمان إثيوبيا وكينيا ورواندا، من شرق إفريقيا، وكوت ديفوار وغانا، من غربها. وكلها دول ترتبط بعلاقات قوية مع إسرائيل. ويعنى ما سبق أن زيارة نتانياهو لم تأت من فراغ وإنما هى تتويج وبناء على ما تم إنجازه بالفعل مع هذه الدول. جولة نتانياهو كان لها هدفين أساسيين معلنين. الأول هو إستعادة وضع إسرائيل كمراقب فى الإتحاد الإفريقى والثانى هو كسب تأييد أكبر عدد من الدول الإفريقية للحد من الإدانات المتكررة لإسرائيل فى المنظمات الدولية بشأن القضية الفلسطينية وقضايا دولية أخرى. ولكى يحقق هدفيه، أبدى نتانياهو إستعداده لتقديم مساعدات تنموية وعسكرية متنوعة للدول التى زارها مقابل تعهدها بمساندة إسرائيل فى المنظمات الدولية ودعمها لمطلبها بإستعادة وضعها كمراقب بالإتحاد الإفريقى، أسوة بفلسطين التى تتمتع بهذه الصفة منذ منتصف 2013. وقد وعدت الدول التى زارها نتانياهو بدعم مطلبه فى هذا الشأن، خاصة إثيوبيا وهى دولة المقر للإتحاد الإفريقى. كما زار تشاد مؤخرا للغرض ذاته مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية دورى جولد حيث إلتقى بالرئيس إدريس ديبى الرئبس الحالى للإتحاد الإفريقى. وكانت إسرائيل تتمتع بصفة المراقب فى منظمة الوحدة الإفريقية حتى 2002 وهو عام إنشاء الإتحاد الإفريقى الذى حل محلها. وقد عارض الزعيم الليبى السابق معمر القذافى، وكان هو الممول الرئيسى للمنظمة الجديدة، إستعادة إسرائيل لوضعها كمراقب. وترى إسرائيل إن الوضع قد تغير اليوم برحيل القذافى. ولذلك إستأنفت نشاطها المطالب بإستعادة وضع المراقب الذى يمكنها من حضور إجتماعات المنظمة وتنظيم لقاءات دورية مع المسئولين الأفارقة لمواجهة المواقف المؤيدة للقضية الفلسطينية التى تصدر عن المنظمة. وقد كان ذلك هو أحد أهداف جولة ليبرمان فى 2014 ولكنه فشل فى مسعاه لمعارضة عدد من الدول ذات الثقل الإفريقى مثل الجزائروجنوب إفريقيا. أما بخصوص الهدف الثانى لجولة نتانياهو، فإن إسرائيل تسعى حثيثا للحد من الإدانات الدولية لسياساتها خاصة بشأن القضية الفلسطينية. وهى تدرك أهمية وثقل إفريقيا فى المنظمات الدولية. فالدول الإفريقية يصل عددها لأربعة وخمسين دولة يمثلون ما يزيد على ربع أعضاء الأممالمتحدة. وتتبنى هذه الدول تقليديا مواقف داعمة للقضية الفلسطينية. ففى عام 2012، صوتت الأغلبية الكاسحة للدول الإفريقية فى الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح منح فلسطين وضع مراقب فى المنظمة الدولية. ولم تمتنع عن التصويت سوى خمس دول هى الكاميرون والكونغو الديمقراطية ورواندا وتوجو ومالاوى. لكن إسرائيل تسعى لتغيير مواقف بعض تلك الدول لصالحها. وقد نجحت أحيانا فى ذلك بما ساعدها على منع صدور قرارات دولية مناهضة لها. فعلى سبيل المثال، ساهم إمتناع نيجيريا ورواندا عن التصويت فى فشل صدور قرار من مجلس الأمن فى ديسمبر 2014 يطالب إسرائيل بتوقيع إتفاق سلام مع السلطة الفلسطينية خلال عام والإنسحاب من الأراضى الفلسطينيةالمحتلة خلال ثلاث سنوات. وفى سبتمبر الماضى، ساعد تصويت بعض الدول الإفريقية فى إفشال صدور قرار من الوكالة الدولية للطاقة النووية يطالب إسرائيل بفتح منشأتها النووية أمام التفتيش الدولى. فقد صوتت أربع دول إفريقية ضد القرار وهى كينيا ورواندا وبوروندى وتوجو وإمتنعت 17 دولة عن التصويت، بينما غابت 8 دول عن جلسة التصويت. ولم تؤيد القرار سوى سبع دول إفريقية. وفى مقابل الدعم الدبلوماسى المأمول، وعد نتانياهو بتقديم حزمة من المساعدات للدول الإفريقية التى زارها أهمها فى مجال مكافحة الإرهاب والتطرف الدينى القادم من الصومال، خاصة من جماعة الشباب. فإثيوبيا وكينيا دولتان مجاورتان للصومال التى تعانى من حرب أهلية منذ عام 1991. وقد تدخلت الدولتان عسكريا فى مراحل مختلفة فى النزاع الدائر هناك. وهما تخشيان من تبعات ذلك على إستقرارهما الأمنى والسياسى. وقد إتفقت كينيا على سبيل المثال مع إسرائيل على مساعدتها فى بناء جدار، على غرار الجدار العازل بين إسرائيل والضفة الغربية، بطول حدودها مع الصومال البالغة أكثر من 700 كيلومتر لمنع تسلل العناصر الإرهابية. كما عرض نتانياهو مساعدات إقتصادية وتنموية عدة خاصة فى مجالات الزراعة وإستخدام المياه والطاقة المائية والشمسية والمتجددة والبنية الأساسية والتكنولوجيا. وبرغم أن إسرائيل لا تساهم بشكل مباشر فى بناء سد النهضة الإثيوبى، فإنها وقعت إتفاقات مع أديس أبابا لنقل الكهرباء التى سيولدها السد لداخل البلاد. كما قدم نتانياهو دعمه لإستخدامات المياه والزراعة فى إثيوبيا. وذلك من شأنه تشجيع إثيوبيا على المضى قدما فى خططها لإستكمال بناء السد وإنشاء سدود أخرى أصغر لمزيد من إستغلال مياه النيل، وهو ما من شأنه الإضرار بمصالح مصر. لاشك ان التحرك الخارجى لإسرائيل فى إفريقيا ليس فى صالح مصر وفلسطين والدول العربية بصفة عامة. فقد إستطاعت تل أبيب أن تحقق بعض النجاحات. وهو ما فتح شهية نتانياهو للتخطيط لجولة جديدة فى الأشهر القادمة فى غرب إفريقيا. وهو يسعى لعقد قمة إقليمية خلال تلك الجولة تضم توجو والكاميرون وكوت ديفوار وغانا والجابون وبنين. لكن ليس هناك مايضمن إستمرار أو زيادة النجاحات الإسرائيلية على المدى الطويل. إذ أن ذلك لا يتوقف فقط على مدى تجاوب الدول الإفريقية مع الجهود الإسرائيلية وإنما كذلك على جهود الدبلوماسية المصرية والعربية لمواجهة الخطط الإسرائيلية فى إفريقيا. فقد ذكرنا على سبيل المثال أن إسرائيل كانت تتمتع بوضع المراقب فى منظمة الوحدة الإفريقية ثم فقدته مع قيام الإتحاد الإفريقى بفضل جهود عربية. إن التغلغل الإسرائيلى فى إفريقيا ليس جديدا. وهو يتطلب منا اليقظة والتعامل معه من خلال وضع الخطط وتنفيذها لمواجهته. لمزيد من مقالات د. هشام مراد