دمج وعودة وزارات جديدة.. أحمد موسى يكشف ملامح تشكيل الحكومة المرتقب (فيديو)    نادي مستشاري النيابة الإدارية بالمنصورة يهنئ الرئيس السيسي بثورة 30 يونيو المجيدة    نقيب الفلاحين يبشر المزارعين: إنفراجة قريبة في أزمة الأسمدة    مياه الجيزة: إصلاح خط مياه قطر 600 ملي بميدان فيني بالدقي.. وعودة المياه تدريجيا    وزير النقل يبحث مع وفد من كبرى الشركات الألمانية الموقف التنفيذي لعدد من المشروعات الجاري تنفيذها    إيران: الأجواء المثارة من قبل إسرائيل ضد لبنان "حرب نفسية"    عمرو أديب: دعم الاتحاد الأوروبي لمصر سياسي قبل أن يكون اقتصاديا    يورو 2024.. لا فوينتي: مباراة جورجيا ستكون معقدة ولها حسابات خاصة    "إهدرنا للفرص أعاد الزمالك للقاء".. أول تعليق من أيمن الرمادي بعد الهزيمة من الفارس الأبيض    مانشستر يونايتد يراقب دي ليخت لخطفه من بايرن ميونخ    بالصور.. انهيار منزل مكون من 4 طوابق في الدقهلية وقرار عاجل من المحافظ    برقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2024 عبر الموقع الرسمي (الرابط المباشر للاستعلام)    مصطفى كامل يدعم أعضاء نقابة المهن الموسيقية مراعاةً للظروف الاقتصادية    بعد اعتذاره لإدارة موازين.. محمد رمضان يتراجع: "في أوامر بإقامة الحفل وعدم إلغائه"    هيئة البث الإسرائيلية: أكثر من 40 مواجهة بين الجيش وفصائل فلسطينية فى الشجاعية    «قصور الثقافة» تحتفل بذكرى «30 يونيو» غدًا على «مسرح 23 يوليو » بالمحلة    كاظم الساهر يزور مدينة الفنون والثقافة فى العاصمة الإدارية قبل مغادرته مصر    أستاذ تمويل يوضح مكاسب مصر من ترفيع العلاقات مع أوروبا    بالصور.. وكيل الأزهر يتفقد لجان امتحانات الشهادة الثانوية في مادة الأحياء    وفد شؤون الأسرى المفاوض التابع للحوثيين يعلن وصوله إلى مسقط    الأوقاف تعلن افتتاح باب التقدم بمراكز إعداد محفظي ومحفظات القرآن الكريم - (التفاصيل)    مدبولي يُثمن توقيع أول عقد مُلزم لشراء الأمونيا الخضراء من مصر    مبابي يختبر قناعا جديدا قبل مواجهة بلجيكا في أمم أوروبا    رئيس الوزراء يلتقي رئيسة منطقة شمال إفريقيا والمشرق العربي بشركة إيني الإيطالية    بعد 8 أعوام.. الجامعة العربية تلغي تصنيف حزب الله "منظمة إرهابية"    احتفالية كبرى بذكرى ثورة 30 يونية بإدارة شباب دكرنس    حبس 20 متهماً بتهمة استعراض القوة وقتل شخص في الإسكندرية    «نويت أعانده».. لطيفة تطرح مفاجأة من كلمات عبد الوهاب محمد وألحان كاظم الساهر    وزير الصحة يبحث مع ممثلي شركة «إيستي» السويدية تعزيز التعاون في القطاع الصحي    مانشستر سيتي يخطف موهبة تشيلسي من كبار الدوري الإنجليزي    الداخلية تكشف ملابسات واقعة طفل الغربية.. والمتهمة: "خدته بالغلط"    تطوير عربات القطار الإسباني داخل ورش كوم أبو راضي (فيديو)    «مياه الشرب بالجيزة»: كسر مفاجئ بخط مياه بميدان فيني بالدقي    عمرو دياب يطرح ريمكس مقسوم لأغنية "الطعامة"    ليفربول يحاول حسم صفقة معقدة من نيوكاسل يونايتد    استشارية أمراض جلدية توضح ل«السفيرة عزيزة» أسباب اختلاف درجات ضربة الشمس    المجاعة تضرب صفوف الأطفال في شمال قطاع غزة.. ورصد حالات تسمم    إحالة أوراق المتهم بقتل منجد المعادي للمفتي    ننشر أسماء الفائزين في انتخابات اتحاد الغرف السياحية    القاهرة الإخبارية: لهذه الأسباب.. الفرنسيون ينتخبون نواب برلمانهم بانتخابات تشريعية مفاجئة    جامعة سوهاج: تكليف 125 أخصائي تمريض للعمل بمستشفيات الجامعة    وفد من وزارة الصحة يتفقد منشآت طبية بشمال سيناء    بعد إحالته للمفتي.. تأجيل محاكمة متهم بقتل منجد المعادي لشهر يوليو    برقية تهنئة من نادي النيابة الإدارية للرئيس السيسي بمناسبة ذكري 30 يونيو    الأهلى تعبان وكسبان! ..كولر يهاجم نظام الدورى.. وكهربا يعلن العصيان    ضحية إمام عاشور يطالب أحمد حسن بمليون جنيه.. و14 سبتمبر نظر الجنحة    مصر تدعو دول البريكس لإنشاء منطقة لوجستية لتخزين وتوزيع الحبوب    الصحة: اختيار «ڤاكسيرا» لتدريب العاملين ب «تنمية الاتحاد الأفريقي» على مبادئ تقييم جاهزية المرافق الصيدلانية    ماهو الفرق بين مصطلح ربانيون وربيون؟.. رمضان عبد الرازق يُجيب    مجلس جامعة الأزهر يهنئ رئيس الجمهورية بالذكرى ال 11 لثورة 30 يونيو    بدءا من اليوم.. فتح باب التقدم عبر منصة «ادرس في مصر» للطلاب الوافدين    الصحة: الكشف الطبى ل2 مليون شاب وفتاة ضمن مبادرة فحص المقبلين على الزواج    كيف فسّر الشعراوي آيات وصف الجنة في القرآن؟.. بها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت    شرح حديث إنما الأعمال بالنيات.. من أصول الشريعة وقاعدة مهمة في الإسلام    الإفتاء: يجب احترم خصوصية الناس وغض البصر وعدم التنمر في المصايف    حكم استئذان المرأة زوجها في قضاء ما أفطرته من رمضان؟.. «الإفتاء» تٌوضح    «غير شرعي».. هكذا علق أحمد مجاهد على مطلب الزمالك    البنك الأهلي: تجديد الثقة في طارق مصطفى كان قرارا صحيحا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أردوغان .. ووهم الخلافة العثمانية
نشر في الأهرام اليومي يوم 29 - 07 - 2016

تعدّ الإمبراطورية العثمانية أحد أواخر الإمبراطوريات الكبرى فى العالم، ومؤسّسها عثمان الأول الذى انتسبت الدولة إلى اسمه بعد تمكّنه من توحيد القبائل التركية وضمها تحت لوائه. استمرّت الدولة التى أسّسها ما يقارب ستمائة سنة. امتدّت الأراضى التى ضمّتها لتغطّى مساحات شاسعة من قارات آسيا وأوروبا وإفريقيا،
ووصل عدد الولايات التابعة لها إلى تسع وعشرين ولاية، بالإضافة إلى السيادة الاسميّة على العديد من الإمارات والدويلات المتاخمة لها فى قارة أوروبا، هذا إلى جانب السلطة الروحية التى تمتعت بها الدولة على ملايين المسلمين حول العالم لحصول حاكمها على لقب خليفة المسلمين أو أمير المؤمنين. واليوم يأمل الرئيس التركى اعادة مجد الإمبراطورية التى ولت أيامها ويأمل ان يضع اسمه ضمن سلاطين الخلافة العثمانية، من خلال محاولاته لطمس ملامح الدولة العلمانية التى أسسها مصطفى كمال أتاتورك.
‎الدولة العثمانية هى إحدى الإمبراطوريات الكبيرة التى حكمت الدولة الإسلامية ، وكانت تسمى أيضاً الدولة التركية ، وتعد فترة حكمها الأطول على مر العالم الإسلامى ، فقد مكثت مدة حكمها ما بين عامى 1299 _ 1923 م ، وكانت هذه الفترة من الحكم من أفضل الفترات التى مرت بها الدولة الإسلامية ، حيث أنه خلال فترة حكم العثمانيين كانت الدولة الإسلامية تتمتع بمجد عظيم. و يشهد التاريخ نهوض عهود وحضارات وسقوط أخرى، وبانتهاء عهد الخلفاء الراشدين وظهور الأمويين توالت الأحداث على الدولة الإسلامية، ويتبيّن لمتتبع الحضارة الإسلاميّة ظهور العصر العباسى إبان سقوط الأمويين لتظهر الدولة الفاطمية بعد ذلك، ولتتوالى بعد ذلك مجموعة من العهود الإسلامية متضمنة العهد السلجوقى والعهد الزنكى والأيوبي، لنشهد بعدها ظهور الدولة المملوكية والتى بسقوطها وضعفها ظهرت الدولة العثمانية التى اتسعت أركانها بشكل كبير، وامتدّت رقعتها لتشمل مساحات شاسعة.
‎آخر الإمبراطوريات الكبري
‎ هذا وتعدّ الإمبراطورية العثمانية إحدى أواخر الإمبراطوريات الكبرى فى العالم، ومؤسّسها عثمان الأول بن أرطغرل الذى انتسبت الدولة إلى اسمه بعد تمكّنه من توحيد القبائل التركية وضمها تحت لوائه. استمرّت الدولة التى أسّسها ما يقارب ستمائة سنة. امتدّت الأراضى التى ضمّتها الدولة العثمانية لتغطّى مساحات شاسعة من قارات آسيا وأوروبا وإفريقيا، ووصل عدد الولايات التابعة لها إلى تسع وعشرين ولاية، بالإضافة إلى السيادة الاسميّة على العديد من الإمارات والدويلات المتاخمة لها فى قارة أوروبا، هذا إلى جانب السلطة الروحية التى تمتعت بها الدولة على ملايين المسلمين حول العالم لحصول حاكمها على لقب خليفة المسلمين أو أمير المؤمنين.
‎عزل السلطان عبد الحميد
‎ أصيبت الإمبراطورية العثمانيّة بالضعف فى الفترة التى تلت عهد السلطان سليمان القانوني، وبدأت فى فقدان ممتلكاتها إلى أن وصلت إلى النهاية مع التوقيع على معاهدة لوزان التى أعلنت قيام الجمهوريّة التركية الحديثة. سقوط الدولة العثمانية بداية الانهيار يُمكن اعتبارا بداية نهاية الدولة العثمانيّة فعلياً فى الوقت الذى تصاعدت فيه الحملات المناوئة لحكم السلطان عبد الحميد، وتزعمت المعارضة أحزاب وحركات قومية مثل تركيا الفتاة وجمعية الاتحاد والترقّي، وفى المقابل ظهرت قوى أخرى إسلامية مؤيدة للسلطان، فى الوقت الذى بدأت الدولة فيه بفقدان بعض ممتلكاتها الأوروبية، ممّا دفع السلطان إلى المناداة بما عرف بالجامعة الإسلامية وتوحيد راية المسلمين جميعاً تحت لوائه، إلّا أنّ تلك الفكرة لم تنجح بسبب تمرّد قوّات من الجيش، وانتهى الأمر بإعلان الدستور ومن بعده عزل السلطان عبد الحميد وتولّى من بعده أخوه محمد الخامس.
‎الحرب العالمية الأولي
‎ كان اشتراك الدولة العثمانيّة فى الحرب العالمية الأولى السبب الأول فى فقدان معظم أراضيها خارج الحدود التركية الحالية، فقد دخلت القوّات العثمانية فى معارك على عدّة جبهات دون وجود الاستعداد الكامل من حيث التسليح أو التدريب أو الإمدادات، فهزموا على الجبهة الشرقية من الروس، وجنوباً فى مواجهة البريطانيين الذين استطاعوا احتلال ولايات ما بين نهرى دجلة والفرات، ولم ينجح العثمانيون نجاحاً كبيراً إلا فى الدفاع عن مضيق الدردنيل بقيادة مصطفى كمال أتاتورك الذى ذاع صيته بسبب تلك المعركة. بسقوط الخلافة أنهى الحرب، وكان السلطان محمد الخامس قد توفّى قبلها بعدة أشهر، وتولى أخوه محمد السادس، وقد وقّعت الدولة العثمانية على اتفاقية هدنة فى مودروس أدت إلى احتلال أغلب الأراضى التركية من قبل قوات الحلفاء، وقد رفض الأتراك فى الداخل الخضوع لتلك الشروط المجحفة بحقهم، وقامت العديد من التظاهرات فى الشوارع التى تحوّلت إلى حركة وطنيّة تزعّمها مصطفى كمال أتاتورك، وعرفت بالحركة الكمالية. تمكّنت الحركة من تشكيل حكومة وطنية برئاسة مصطفى كمال، كانت تهدف إلى إقامة دولة تركيّة مستقلة، ولم يفلح السلطان فى القضاء عليها رغم محاولاته العديدة، وما لبث السلطان أن تنازل عن العرش لأخيه عبد المجيد الثانى الذى جرّد من السلطة وظلّ الحاكم رسمياً حتى ألغيت الخلافة عام 1924م، وطرد السلطان عبد المجيد من البلاد.
‎حلم أردوغان وقصر السلطان
‎ شيد الرئيس التركى قصره الأبيض، الذى أطلقت عليه وسائل الإعلام التركية «قصر السلطان»، بتكلفة بلغت أكثر من 600 مليون دولار، حيث تبلغ مساحته 200 ألف متر. اما بالنسبة للغة العثمانية فقد قرر «أردوغان» تدريس اللغة العثمانية فى المراحل الثانوية، مشيرًا إلى أنها ليست لغة أجنبية بل شكل من أشكال اللغة التركية. والنشيد العثمانى أعاد الرئيس التركى عزفه، فى القصر الجمهورى بدلًا من النشيد التركي، وذلك لأول مرة منذ سقوط الخلافة العثمانية، وكان ذلك خلال استقبال رئيس أذربيجان. كما وافقت لجنة الشئون الدستورية بالبرلمان التركى على اقتراح نواب حزب العدالة والتنمية بإعداد شعار رسمى جديد للجمهورية هو ذاته شعار الدولة العثمانية المعروف ب«الطغراء». وينص مشروع القانون الجديد الذى اقترحه نواب من حزب العدالة والتنمية على عودة شعار الدولة العثمانية مرة أخرى بعد أن ألغى عام 1922 بسقوط الخلافة العثمانية فى ذلك الوقت.
‎اما بالنسبة لحرس الشرف, فقد ظهر الرئيس التركي، وخلفه 16 جنديًا يرتدون ثياب محاربين أتراك قدامى، خلال استقباله الرئيس الفلسطينى محمود عباس فى قصره الرئاسى الجديد، المشهد الذى تكرر خلال استقباله نظيره الأذربيجانى إلهام علييف. وكتيبة الفتح العثمانى كانت تلك أحدث تقاليع «أردوغان» نحو حلم إحياء الخلافة العثمانية، وظهر خلال الاحتفال بالذكرى السنوية 562 لفتح القسطنطينية «إسطنبول»، وسط 478 رجلًا من الجيش التركي، وكانوا جميعًا يرتدون الزى العسكرى العثماني، أطلق عليهم اسم «كتيبة الفتح العثماني»، وانضم إليهم الفرقة العسكرية العثمانية المعروفة باسم «مهترخانة»، المؤلفة من 84 عازفًا.
‎حلم الخلافة
‎فقد ظل حلم «الخلافة» يراود فصائل إسلامية عديدة أخرى على مدار العقود الثمانية الماضية، لتغازل به تلك الجماعات والفصائل الشعوب، مُستخدمة فى ذلك الخطاب الديني، الذى لم يَخل من الانحرافات المقصودة عن النهج السليم للدين. واستخدمت الفصائل الإسلامية المتشدّدة الخارجة من عباءة تنظيم الإخوان المسلمين، فكرة “استعادة الخلافة الإسلامية مُجددا”، التى دعا إليها مؤسس التنظيم الإخوانى (فى العام 1928) الشيخ حسن البنا، وجعلها مشروعا رئيسيا لتنظيمه الوليد، مُحددا آليات استعادتها. ولكن مع سقوط المشروع السياسى للإخوان المسلمين عقب ثورة 30 يونيو 2013، عاد حُلم البنا ومشروعه إلى مهده مُجددا، بينما ظهر تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام، الشهير اختصارا ب”داعش”، ليرفع نفس الشعار. غير أن هذا التنظيم يمتلك أدوات وآليات مختلفة بشكل رئيسى عن أدوات وآليات الإخوان المسلمين فى سعيهم الحثيث نحو الخلافة. وذهب تنظيم “داعش” إلى حد إعلان «دولة الخلافة الإسلامية» المزعومة انطلاقا من بعض الأراضى التى يوجد بها فى العراق وسوريا، ونصّب أبا بكر البغدادى “خليفة” للمسلمين.
‎مشروع الخلافة عند البنا
‎هذا وقد حدد مؤسس تنظيم الإخوان، حسن البنا، آليات مشروعه نحو استعادة الخلافة الإسلامية، وذلك فى رسالته بالمؤتمر الخامس للتنظيم تحت عنوان “الإخوان المسلمون والخلافة”، قائلا: “لعل من تمام هذا البحث أن أعرض لموقف الإخوان المسلمين من الخلافة وما يتصل بها.
‎وبيان ذلك أن الإخوان يعتقدون أن الخلافة رمز الوحدة الإسلامية ومظهر الارتباط بين أمم الإسلام، وأنها شعيرة إسلامية يجب على المسلمين التفكير فى أمرها والاهتمام بشأنها، والخليفة مناط كثير من الأحكام فى دين الله، ولهذا قدم الصحابة رضوان الله عليهم النظر فى شأنها على النظر فى تجهيز النبى صلى الله عليه وسلم ودفنه، حتى فرغوا من تلك المهمة، واطمأنوا إلى إنجازها. والأحاديث التى وردت فى وجوب نصب الإمام، وبيان أحكام الإمامة وتفصيل ما يتعلق بها، لا تندع مجالا للشك فى أن من واجب المسلمين أن يهتموا بالتفكير فى أمر خلافتهم منذ حورت عن منهاجها، ثم ألغيت بتاتا إلى الآن.
‎والإخوان المسلمون لهذا يجعلون فكرة الخلافة والعمل على إعادتها فى رأس منهاجهم، وهم مع هذا يعتقدون بأن ذلك يحتاج إلى كثير من التمهيدات التى لابد منها، وأن الخطوة المباشرة لإعادة الخلافة لابد أن تسبقها خطوات، حددها البنا فى أهمية وجود تعاون تام ثقافى واجتماعى واقتصادى بين الشعوب الإسلامية كلها، يلى ذلك تكوين الأحلاف والمعاهدات، وعقد المجامع والمؤتمرات بين هذه البلاد، ثم يلى ذلك تكوين عصبة الأمم الإسلامية، حتى إذا استوثق ذلك للمسلمين كان عنه الاجتماع على (الإمام) الذى هو واسطة العقد، ومجتمع الشمل، ومهوى الأفئدة، وظل الله فى الأرض.
‎تركيا الإسلامية- العلمانية
‎ولا شك أن الجدل الدائر حول هوية تركيا الإسلامية- العلمانية، ومستقبلها تحت حكم حزب العدالة والتنمية، من أهم الجدالات وأكثرها انتشارًا على المستوى الإقليمى والدولي، فبعد عهد طويل من الانقلابات، بعد أتاتورك؛ للحفاظ على هوية تركيا العلمانية، والإطاحة بكل محاولات العودة إلى الأصول الإسلامية، استطاع أن يحقق حزب العدالة والتنمية انتصارات كبيرة، وصل بها إلى سدّة الحكم، وحافظ على مكانه وتنفيذ مخططه نحو تركيا الجديدة حتى اليوم.
‎هذا ويصف حزب العدالة والتنمية نفسه بأنه حزب معتدل، يؤكد على هوية تركيا العلمانية ولا يعارضها، فى حين أن الحزب قد عُرِف بأصوله الإسلامية، وشُهِدَت له بعض السياسات والتصريحات، التى تعود بتركيا إلى أصول الخلافة العثمانية، وتؤكد هويتها الإسلامية.
‎وما بين متهّم حول أطماع أردوغان وحزب العدالة والتنمية فى عودة الخلافة العثمانية، والقضاء على الإرث العلمانى فى تركيا تمامًا، ومؤمن بأن أردوغان هو الخليفة المُنتظَر الذى سيعيد أمجاد الخلافة العثمانية؛ تقع العديد من الأسئلة، حول حقيقة هوية الحزب وموقفه من العلمانية فى تركيا، عن حقيقة الأطماع للاستبداد بالسلطة، والنظرة للخلافة العثمانية وعودتها و«العثمانيين الجدد» و عن شخص أردوغان ذى الأصول الإسلامية.
‎فقد عُرِف أردوغان بأصوله الإسلامية، تخرّج فى مدرسة دينية، وبدأ عمله السياسى بالانخراط مع حزب السلامة الوطنية برئاسة «نجم الدين أربكان»، وظلّ عضوًا فى حزب الرفاه ثم الفضيلة اللذيْن شكلهما أربكان، ثم أصبح رئيسًا لفرع حزب الرفاه الوطنى فى إسطنبول، وفى عام 1994 فاز برئاسة البلدية.
‎وواجه حزب أربكان العديد من العراقيل أمام الوصول إلى السلطة، انتهت بانقلاب عسكرى على حكومته، وحُلّ الحزب، فظهرت بعض الأصوات المعارِضة لسياسات أربكان، وأسفرت الخلافات عن تأسيس حزب العدالة والتنمية عام 2001 بقيادة أردوغان وعبد الله جول، وفى أول انتخابات برلمانية عام 2002م، فاز الحزب بأغلبية ساحقة مكنته من تشكيل الحكومة منفردًا، برئاسة عبد الله جول، وكان أردوغان حينها ممنوعًا من الممارسة السياسية. بعد ذلك تم تعديل الدستور ليسمح بتولى أردوغان منصب رئاسة الحكومة.
‎ومن البداية لم يحاول حزب العدالة والتنمية منذ البداية أن يقحم نفسه فى معارك، نتائجها محسومة فى غير مصلحته، وأكّد هوية تركيا العلمانية، وحفاظه على النظام الجمهوري، والسير على درب أتاتورك لإقامة مجتمع متحضّر ومعاصر، وفى نفس الوقت فى إطار القيم الإسلامية، التى لم يُنكرها، ولم يتنكّر منها، فأُطلق عليهم العثمانيون الجدد.
‎فيصف أردوغان حزب العدالة والتنمية نحن حزب محافظ وديمقراطى بمعنى أننا نحافظ على عادات وتقاليد وثقافة الأمة التركية ونسعى لتطبيق ديمقراطية قوية ومتطورة لا تقل عن الديمقراطيات المتطورة فى العالم. ولكن الحقيقة كانت غير ذلك..واتضحت الصورة من خلال اهتمام تركيا الشديد بالشأن المصرى والسورى والقضية الفلسطينية مما اسفر عن تطورات وتوترات يستمر صداها حتى اليوم.
‎الانضمام للاتحاد الأوروبي
‎وقد استكملت تركيا مسارها فى الاتجاه نحو الغرب، بطموح أعلى، برز فى رغبة تركيا فى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما قوبل باتهامات بالعمالة والتغريب من قِبل إسلاميين فى تركيا وخارجها، فدفع بقادة الحزب للتأكيد فى أكثر من مناسبة، على أن تركيا سوف تدخل الاتحاد الأوروبي، محافظة على دينها ولغتها وعاداتها. وداخليًا، عمل حزب العدالة والتنمية على التركيز على الإصلاحات، بتخليص تركيا من مشاكلها السياسية والاقتصادية المزمنة، وبهذه السياسات استطاع الحزب الحصول على التأييد الشعبي، والوصول إلى الناخبين الذين ثبتوا حكمه لثلاث دورات متتالية. وتدريجيًا، عمل الحزب على التخلّص من الإرث العلمانى للدولة التركية، كما عمل على تقويض المؤسسة العسكرية، وتقزيم دورها، والسيطرة على مفاصل الدولة ومؤسساتها، بما يعزز حكمه، ويثبت أركان دولته أمام ما يجابهه من تهديدات.
‎ترويض المؤسسة العسكرية
‎على صعيد آخر، تأتى سياسات أردوغان، التى توصف بالاستبدادية، والتى برزت مؤخرًا بعد فضيحة الفساد، وما يواجهه من معارك واتهامات متبادلة مع حركة فتح الله جولن، ضد مؤسسات الدولة التى توغلت فيها حركة الخدمة، أو ضد معارضين من أفراد أو مؤسسات إعلامية؛ وقد أسفرت عن إثارة غضب المعارضة التركية، وشهود تركيا من آونة لأخرى مظاهرات واحتجاجات تندد بحكومة العدالة والتنمية، وسياسات أردوغان. أما عن «السلطان أردوغان»، وأحلام العودة للخلافة العثمانية، فقد رأى مقربون لأردوغان أن ردود الأفعال المهاجِمة له كانت فى إطار الحملة الشرسة التى تشنها وسائل الإعلام المقرّبة من المعارضة، أو من حركة الخدمة، أو أعداء أردوغان فى الخارج، وأن استعراضاه العثمانية المتوالية كانت تأكيدًا على هوية تركيا، والتمسك بتراثها وأصولها العثمانية. ولكن الحقيقة هى أنه يعيش فى وهم الخلافة العثمانية ووهم اعادة مجد زال من خلال تعزيز حكمه، وترسيخ أركان دولته، وتحقيق أهداف حزب العدالة والتنمية.
‎اعتقالات واستبداد
‎وفى أعقاب محاولة الانقلاب، التى نفذتها مجموعة من العسكريين فى تركيا، أعلن رئيس الوزراء بن على يلدريم توقيف 6038 عسكريا و755 قاضيا و100 شرطي. ليصل جملة المعتقلين الى حوالى 8000 معتقل خلال ايام قلائل. حتى ان خبراء فى مجلس اوروبا حذروا بأن التوقيفات والإقالات الجماعية لقضاة ليست وسيلة مقبولة لإعادة الديمقراطية. وأعلن الاتحاد الأوروبى عن صدمته إثر اعتقال الصحفيين، قائلا إنه يتعارض مع القيم الأوروبية، لكن أردوغان استخف بهذه الانتقادات وقال إن تركيا لن تأخذ دروساً فى الديمقراطية من أوروبا. وهو ما أثار التوترات داخل الدولة البالغ عدد سكانها 80 مليون نسمة والمجاورة لسوريا التى تعانى الفوضى، والحليفة للغرب ضد تنظيم داعش. كما تم منع الأكاديميين من السفر إلى خارج البلاد، فيما وصفه مسئول تركى بأنه إجراء مؤقت لمنع خطر هروب المشتبه بأنهم من مدبرى الانقلاب من الجامعات، حتى إن 95 أكاديميا أقيلوا من مناصبهم فى جامعة اسطنبول وحدها. وفى خطوة منفصلة ألغت وزارة التعليم تصاريح عمل 21 ألف مدرس يعملون بمؤسسات خاصة. هذا ولقد اوضحت جريدة الديلى تليجراف ان فرض الرئيس التركى رجب طيب اردوغان حالة الطوارئ فى البلاد لمدة ثلاثة أشهر وتعليق بعض التزاماتها بالمعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان، سيثير المخاوف حول الطرق الاستبدادية التى ينتهجها اردوغان. وتابعت أن اتباع أردوغان سياسة البطش لسحق معارضيه قد يشكل بعض القلق للأتراك العلمانيين الذين يمثلون 50 فى المائة من أصل 70 مليون تركي. وخلصت الصحيفة إلى القول إن الخوف الحقيقى الآن يتمثل باستمرار تركيا بسياستها القمعية التى قد تتسبب بإدراج البلاد على قائمة الدول الإسلامية التى مزقتها الحروب الأهلية بسبب انتهاجها سياسة القمع.
‎ان منطقة الشرق الاوسط مقبلة على تطورات فى غاية الخطورة ، بسبب السياسة غير المسئولة واللاانسانية للرئيس التركى رجب طيب اردوغان ، المسكون بالطائفية والنزعة الاستبدادية ، ففى الوقت الذى يعيش فيه وهم بعث امجاد الدولة العثمانية ، تؤكد كل الوقائع على الارض ان الخطر اصبح محدقا بتركيا نفسها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.