انخفاض سعر صرف العملة الوطنية أزمة مزمنة فى هيكل الاقتصاد المصرى، فقد تقرر فى بداية التسعينيات تخفيض سعر الجنيه ليتماشى مع قيمته الحقيقية والتى انخفضت تدريجياً طوال الثمانينيات كما وصل سعر صرف الدولار الى قرابة سبعة جنيهات فى نهاية 1999 ليستقر بعد ذلك عند مستوى خمسة جنيهات ونصف، وجاءت ثورة يناير 2011 وما تبعها من نقص فى موارد النقد الاجنبى لتكشف عورة الاقتصاد الريعى الذى ساد طوال العقد الأول من الألفية الثالثة والذى اعتمد على وفرة نسبية للعملات الأجنبية من السياحة وتحويلات المصريين فى الخارج ودخل قناة السويس. وهو اقتصاد تحقق فيه النمو بناء على معدلات للاستهلاك وللاستيراد أعلى من معدلات الزيادة فى الانتاج والتصدير «فجوة متزايدة فى الميزان التجارى» وعلى سيطرة ممتدة للشركات الدولية على الانتاج بمكون أجنبى أعلى من المكون المحلى مما يعنى استنزافا مستمرا للعملة الصعبة وأيضا على سوق للاستهلاك تتمركز فيه السلاسل العالمية الكبرى التى امتلأت بكل ما هو مستورد على حساب المحلى، مما أضعف الشركات المصرية متوسطة وصغيرة الحجم، ناهيك عن استحواذات شركات أجنبية على شركات وطنية أوجدت احتكاراً للقلة Oligopoly فى العديد من الأنشطة ، كما اتسم النهج الاقتصادى ببورصة مفتوحة - دون ضرائب على الأرباح- أدت الى اشتعال المضاربة وخاصة بواسطة صناديق التحوط الأجنبية Hedge Funds محصلتها خروج أموال بالنقد الأجنبى أعلى بكثير من دخولها، وزاد الطين بلّة اتباع أسلوب للخصخصة لم يراع تنافسية القاعدة الانتاجية المصرية فى المستقبل. وعليه فليس الحل هو فى استدعاء فكر وسياسات الماضى، ولكن فى بناء إستراتيجية تنموية جديدة تقوم على زيادة المخزون من الأصول المنتجه وإعادة هيكلة الصناعة المعتمدة على التطور التكنولوجى والادارة الحديثة والقيمة المضافة المرتفعة ، وعلى إحداث التوازن فى هيكل التجارة الداخلية بين المحلى والمستورد، وعلى هيكل للزراعة يستهدف الاكتفاء المعقول فى الغذاء من خلال تركيب محصولى أمثل يراعى المقننات المائية المتاحة وإصلاح الأسواق الريفية وتشجيع التصنيع الزراعى الصغير وبث الروح فى التعاونيات الزراعية، وتتطلب الإستراتيجية بالتوازى إعادة هيكلة الجهاز الادارى للدولة وتيسير العمل البيروقراطى، مع الأخذ فى الاعتبار فى كل ما ذكر ان مواردنا المحلية - بشرية ومادية وطبيعية - هى الأساس فى إحداث التنمية نظراً لان المساعدات الخارجية ستكون شحيحة نتيجة أوضاع الاقتصاد الدولى. لكن إذا كان إرساء هيكل جديد لاقتصاد السوق المنسق - بديلاً عن اقتصاد السوق النيولبيرالى - لايتحقق غير على المديين المتوسط والطويل، فما العمل إذن على المدى القصير للخروج من الازمة الراهنة بكل ما تمثلة من تداعيات اجتماعية وسياسية؟ يتطلب ذلك حزمة من الاجراءات الفورية والمؤقتة بفترة زمنية محددة وهى: المعاملات داخل الوطن تتم بالجنيه المصرى فقط / قواعد للمبيعات الشهرية فى السلاسل التجارية تنص على نسبة لاتقل عن 70% من منتجات محلية الصنع / تفعيل القانون المؤجل الخاص بفرض ضرائب على أرباح البورصة / الاتفاق مع السعودية على التعامل بالجنية المصرى لاداء العمرة والحج للمصريين وايداع العملة المصرية فى صندوق خاص تنشئه المملكة وتستفيد منه لشراء المنتجات المصرية ويمكن تطبيق نفس المبدأ مع الدول البترولية التى تأثرت بانخفاض أسعار النفط مثل روسيا والجزائر وغيرهما / تطبيق مبدأ - كان متبعاً فى الماضى- يقوم المصرى فى الخارج بتحويل 10% من مرتبه التعاقدى من العملة الاجنبية الى المحلية فى حسابه المصرفى فى مصر. ويصدر بناء عليه تصريح العمل السنوى من وزارة العمل المصرية مع العلم بأن مواطنى كثير من الدول الاخرى خاضعون لضريبة الدخل فى بلدهم الأصلى عن عملهم بالخارج / تحفيز المصريين فى الخارج على تحويل أرصدتهم بالجنية المصرى الى شهادات استثمار 7 سنوات تصل فيها نسبة الفائدة الى 20% / إلغاء دعم البنزين 90 ، 92 وابقاؤه على السولار والمازوت / حوافز ضريبية مشجعة لتوفير الطاقة فى المنشآت من مصانع وفنادق ومستشفيات / إغلاق المحال العاشرة مساءا واعادة التوقيت الصيفى لتوفير الطاقة / برنامج قومى للقضاء على الفاقد باشكاله المختلفة / الضرب بيد من حديد على تجارة المخدرات والتهريب / استخدام كروت الأئتمان عند السفر للخارج مغطاة بحساب بالعملة الاجنبية داخل البنك / عدم استخدام الاحتياطى بالبنك المركزى لدعم العملة المحلية فكوارث هذا الاستخدام اظهرته تجارب الدول التى مرت بنفس الظروف. تهدف هذه الاجراءات «المؤقتة» الى التعامل تحت ظروف الازمة مع الوارد والمنصرف من النقد الاجنبى وايجاد التوازن بينهما بحيث يتم بناء احتياطى نقدى قومى وايضاً توحيد سعر الصرف بين السوق المصرفية والموازية والذى بدونه لن تجدى السياسات المالية والنقدية والاستثمارية نتيجة تسرب كتلة ضخمة من العملات الصعبة خارج القنوات المصرفية الرسمية. لمزيد من مقالات شريف دلاور