دولة افتراضية...مترامية الأطراف...بلا حدود...متعددة الجنسيات واللغات...تؤمن بالديمقراطية وحرية التعبير .. سكانها وصلوا إلي900 مليون مما يجعلها الدولة الثالثة علي مستوي العالم من حيث التعداد السكاني بعد الصين والهند.. إنها جمهورية الفيسبوك. وقد استطاعت جمهورية الفيسبوك, التي انطلقت من إحدي غرف السكن الجامعي عام2004, خلال ثمانية أعوام فقط من التربع علي عرش التكنولوجيا في العالم, ومن الانتشار والتوغل في مختلف المجتمعات للسيطرة علي قلوب وعقول الملايين من مستخدميها حول العالم.فلم يعد الفيسبوك مجرد شبكة للتواصل الاجتماعي ذات غايات ترفيهية واجتماعية, بل صار يلعب دورا إعلاميا وسياسيا هاما, لاسيما بعد تأثيره الملموس في الربيع العربي ومظاهرات احتلوا وول ستريت. وهذا التوغل في حياة الملايين حول العالم واختراقه لتفاصيل الحياة الشخصية هو ما دفع إلي ظهور ما يمكن وصفه ب حركة مقاومةس بصورة جماعية احتجاجا علي عدم احترامه للخصوصية وكونه موقعا تجاريا قائما علي تحقيق أرباح من خلال استغلال المعلومات الشخصية المتبادلة بين مستخدميه. تجدر هنا الإشارة إلي أن شركة فيسبوك طرحت للإكتتاب العام في بورصة ناسداك قبل أسابيع, وكان الاكتتاب يعد من أهم العمليات التي جرت في تاريخ الأسواق المالية الأمريكية خصوصا والعالمية عموما.فقد طرحت الشركة421 مليون سهم بسعر38 دولار للواحد, مما جعل قيمة الشركة السوقية104 مليارات دولار, وهو أعلي من قيمة موقع أمازون و ماكدونالدز و والت ديزني و أعلي قيمة اكتتاب لشركة تقنية في التاريخ وثالث أعلي قيمة اكتتاب علي الإطلاق لشركة في الولاياتالمتحدة بعد فيزا وجنرال موتورز.ولكن شركة فيسبوك والمستثمرين الذين اشتروا أسهمها فوجئوا بتراجع قيمة السهم خلال الأيام الثلاثة الأولي من الطرح في البورصة إلي أقل من31 دولارا. وهو ما شكل صدمة كبيرة لمارك زوكيربرج مؤسس الفيسبوك والمستثمرين والمسئولين بالبورصة. يوم مغادرة الفيسبوك ومع تراجع أسهم الفيسبوك, تراجعت أيضا الدعوة لمغادرته وأطلقت دعوة جديدة لتأجيل المغادرة إلي21/12/2012 والذي يوافق نهاية العالم وفقا لتقويم حضارة المايا بدلا من5/31/.2012 و الدعوة لحث المستخدمين علي ترك الفيسبوك بصورة جماعية يوم31 مايو2012 فيما يعرف ب يوم مغادرة الفيسبوك لم تكن بالجديدة فقد بدأت في31 مايو2010. حينذاك أطلق عالمان كنديان هما جوزيف دي وماثيو ميلان صفحة علي الانترنت بتخصيص آخر يوم في شهر مايو والذي يوافق اليوم التذكاري لتكريم ضحايا الحروب في الولاياتالمتحدة ليكون يوم مغادرة الفيسبوك.وأوضح العالمان أن الملايين من مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي قد فاض بهم الكيل من طريقة تعامل القائمين علي فيسبوك مع البيانات الخاصة, واصرارهم علي اجراء تغييرات مفاجئة ومحيرة بسياسات الموقع المتعلقة بالخصوصية.وقال العالمان علي صفحتهما يمنحك الفيسبوك خيارات حول كيفية التعامل مع بياناتك ولكنها ليست خيارات منصفة.وعلي الرغم من أن عبء تحديد الاختيار يقع علي عاتق المستخدم إلا ان الفيسبوك قد جعل من الصعب جدا أن يتفهم المستخدم العادي كيفية تطبيق هذه الخيارات و أعرب العالمان عن اعتقادهم ان الفيسبوك لا يحترم المستخدم أو بياناته مشيرين إلي تزايد المخاوف من سقوط المعلومات الشخصية التي يدونها المستخدمون بين يدي أي شخص لدي استخدامه روابط معينة. وعلي الرغم من أن العالمين الكنديين كانا يعبران عن احتجاجات الملايين من مستخدمي الفيسبوك والذين اعربوا عن غضبهم من اختراق الخصوصية لدرجة أنهم هددوا بالغاء حساباتهم الشخصية علي الفيسبوك,إلا أن2 في المائة فقط من مستخدمي فيسبوك في2010(33 الفا من بين450 مليون مستخدم) هم من استجابوا لدعوة مغادرة الفيسبوك. وقد دفع هذا الاخفاق الكثيرين لمراجعة تعلقهم الشديد بالموقع,فقدم البعض أسبابا قوية لضرورة التخلي عن الفيسبوك في حين ساق آخرون أسبابا أخري توضح أهمية الفيسبوك ودوره في تغيير وجه العالم وبالتالي صعوبة التخلي عنه. وفي كتاب تأثير الفيسبوك يؤكد الخبير الأمريكي دافيد كيركباتريك أن الفيسبوك قد صمم كجزء من البنية الأساسية وانه ليس من المتوقع أن يظهر موقع أخر يقدر علي منافسته أو أن يحل محله. ويسوق كيركباتريك ثلاثة مظاهر للفيسبوك غيرت حياتنا للأبد: 1- عودة للتواصل القروي في القري الصغيرة لا توجد أسرار كل فرد يعرف عن الآخر كل شيء وهو ما لم يكن يحدث في المدن.. ولكن بفضل الفيسبوك أصبح بامكانك التواصل اليومي حتي مع من تفصلك عنهم آلاف الأميال أو عشرات السنين من البعاد. 2- منبر للحرية و داعم للديمقراطية بما أن80 في المائة من مستخدمي فيسبوك من خارج الولاياتالمتحدة وكندا فلم يكن من الغريب أن يساهم الموقع بصورة كبيرة في انطلاق الثورات المطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية في تونس ومصر وليبيا.كما كان له دور كبير في الحشد للمظاهرات المنددة بالرأسمالية في أسبانيا وفي احتلوا وول ستريت في الولاياتالمتحدة.وقبل ذلك وفي2009 ساهم الفيسبوك في الكشف عن القمع الذي تعرض له المتظاهرون في ايران. 3- تسهيل تحميل المواد الاعلامية والتعليق عليها لقد غير فيسبوك للأبد الطريقة التي يتقاسم فيها مستخدمو الانترنت المحتوي الاعلامي مع أصدقائهم عن طريق زر اعجبني وهو ما نقلته عنه معظم المواقع الأخري. وأشار كيركباتريك إلي أن وسائل الاعلام المختلفة ادركت انها اذا لم تستطع أن تضمن سهولة تقاسم محتواها بين مستخدمي الفيسبوك فانها ستقع في ورطة كبيرة. وفي مقابل تلك المميزات توجد الكثير من المساوئ من بينها بخلاف اختراق الخصوصية: - الإدمان نتيجة لتنامي تأثير الفيسبوك في المجتمعات المختلفة وتوغله في حياة الملايين ظهر نوع جديد من الاضطرابات النفسية يعرف ب ادمان الفيسبوك حيث يبالغ المرء في الارتباط بالفيسبوك ويقضي في تصفحه ساعات أطول من اللازم مما قد يؤثر بالسلب علي عمله أو دراسته أو حياته اليومية عموما فضلا عن علاقاته بالآخرين. - الانعزال والأمراض العضوية يحذر بعض الأطباء من أن اعتماد البعض علي التواصل عبر شاشات الكمبيوتر والمحمول وقلة التواصل الاجتماعي المباشر بين الفرد والآخرين قد يؤدي إلي اضطرابات بيولوجية خطيرة.ويوضح الأطباء أن تزايد الانعزال يؤثر بالسلب علي عمل الجينات و جهاز المناعة مما قد يتسبب في الاصابة بالعديد من الأمراض. - الهروب من التعامل مع الواقع تنتشر هذه الظاهرة بصورة أكبر بين المراهقين الذين يفضلون قضاء اوقات طويلة في تصفح الفيسبوك بدلا من التفاعل مع أفراد أسرتهم والبيئة المحيطة بهم.ويحذر الخبراء أن هذا الهروب من الواقع قد يؤدي في النهاية إلي زيادة التوتر والقلق.