لا أعتقد ان الرئيس السابق حسني مبارك قد تصور في يوم من الأيام ان تكون آخر صورة في تاريخ حياته والقاضي المستشار أحمد رفعت يتلو حكم السجن المؤبد,والرجل قابع بين ولديه خلف القضبان.. مهما كان خيال الكاتب في قراءة الأحداث علي ضفاف نهرنا الخالد كان من المستحيل ان يتصور هذا المشهد.. وايا كانت النتائج ومسيرة الأحداث بعد ذلك سواء حصل الرئيس السابق علي براءة في محكمة النقض أو تأكد السجن المؤبد فإن وراء هذا المشهد دروسا وتساؤلات وأحداثا ربما كشفت الأيام عنها ونحن امام دراما كونية لمسئول توافرت امامه كل الف خلف المشهد الأخير للرئيس السابق والقاضي ينطق بالحكم دروس كثيرة يمكن ان يستفيد منها كل صاحب قرار سواء كان مسئولا كبيرا يدير شئون دولة أو مسئولا يتحكم في مصير عدد من الناس.. من كان يشاهد الرئيس السابق يوم إعلان الانتصار الكاسح للحزب الوطني في الانتخابات البرلمانية قبل قيام ثورة يناير بأسابيع قليلة,كان يدرك ان الرجل يعيش نشوة كاذبة وسط عصابة في الحكم هيأت له كل وسائل الضلال والكذب علي الشعب.. لقد صدق الرجل هذه الأكاذيب وتصور ان مايسمعه ومايراه من إنجازات يعكس واقعا حقيقيا في حياة المصريين.. كان أراجوزات الحزب الوطني يتراقصون حوله كالقردة وهو يمسك بسلسلة كل قرد منهم,فهل كان يعلم ان مايراه سيرك كبير وان الكارثة سوف تطيح بكل شئ.. لقد صدق الرجل ان الأغلبية الساحقة في البرلمان ماهي إلا تعبير عن حب جارف وولاء دائم ونجاح منقطع النظير..رغم ان هذه القشرة الكاذبة كانت تحمل تلالا من العفن في كل مؤسسات الدولة سلوكا وأمانة وأخلاقا.. وسط هذا الحشد كان الأبنان والزوجة يصورون للرجل واقعا لا يمكن ان يصدقه فكر سليم.. إن اموال الوطن في أيديهم.. والسلطة بكل المسئولين فيها تحت أقدامهم وهناك عشرات ومئات وآلاف المسئولين من كل المواقع يسبحون بحمدهم ليلا ونهارا.. ان الوزراء خلف أي موكب يسيرون فيه.. واموال الشعب بين أيديهم ملكيات خاصة في الأراضي والبنوك والبورصة والمشروعات,انهم يبيعون كل شيء ولا يسألهم أحد وامامهم نهر من الأموال والحسابات والأرصدة حتي لو كانت ديونا علي الشعب الفقير.. وامامهم مجموعة من المحتالين والأفاقين يدبرون لهم كل شئ.. لم يكن غريبا وسط هذا ان يكون المال هو الهدف والغاية,وان يكون الزواج الباطل بين السلطة ورأس المال عملا مشروعا.. وان تسطو مجموعه من الأشخاص علي ثروة شعب بالكامل وتترك عشرات الملايين بلا طعام أو علاج أو سكن أو حتي كرامة. كانت شخصية الرجل قد ذابت في ابنيه وزوجته فتصور ان الوطن ملك لهم وصغرت الأشياء في عينيه,فلم يعد يري الوطن بشعبه وناسه وامتداده ولكن الوطن اصبح ابنيه والزوجة والحاشية وعددا قليلا من أصحاب الحظوة والمنتفعين.. وغرق الرجل في هذا العالم الصغير الذي حجب عنه كل شيء حوله وتحول الكون إلي عدد من الأشخاص لا يري غيرهم ولا يشعر إلا بهم.. وسط هذا الإحساس الغريب كان من السهل ان تتسلل مشاعر الغرور والتعالي علي الشعب,وفي ظل غياب الحقيقة وتجميل القبح وتقارير الأجهزة الكاذبة بعدت المسافات,وبدا الشعب مجموعة من الطحالب خلف مياه شرم الشيخ الزرقاء وانفصل الرجل بأسرته وابنيه وحاشيته والمنتفعين بعرشه عن واقع الشعب الغلبان,ولكي يجد الرجل مبررا امام نفسه كان يردد كلمات ساذجه عن زيادة النسل وان الشعب يتزايد كثيرا امام موارد قليلة. إنه يهرب من مسئوليته ويلقي علي الشعب جرائم الإهمال والنهب والتسيب التي تمارسها عصابة الحكم تحت رعايته. في الوقت الذي ابتعدت فيه الأسرة تماما عن الشعب اتجهت أحلامها إلي توريث السلطة,وكان النموذج الخليجي في توريث الدولة هو الصورة التي أبهرت وأقنعت الرئيس السابق,فكان الحلم بتوريث حكم مصر للعائلة.. ورغم ان العائلة صغيرة جدا إلا ان الحلم الكبير جعل منها أسرة كبيرة.. وهنا ايضا تسلل النموذج الخليجي في امتلاك الثروة وإقامة القصور واليخوت والطائرات,وبدأ سباق غامض بين الأسرة الحاكمة في مصر والأسرات في دول أخري رغم اختلاف الظروف في الموارد وعدد السكان ومطالب الشعوب.. وفي الوقت الذي طغي فيه النموذج الخليجي علي الحكم في مصر مالا وثراء وميراثا واسلوب حياة غابت مساحات الفكر والثقافة والذوق الرفيع وكلها ميراث مصري قديم.. والغريب هو هذا التناقض الشديد ما بين الثقافة الغربية وفكرها واسلوب حياتها والنموذج الخليجي في السلوك والثراء واساليب الحكم. وكان من السهل جدا ان يجد الرجل حوله مواكب من المنتفعين والدجالين والمرتزقه ابتداء بنهب ثروات الوطن وانتهاء بتأكيد وفرض هيمنة الأمن بأقسي أساليبه علي كل شئ في حياة المصريين.. لم تشهد مصر منذ قيام ثورة يوليو عام1952 هذا العدد من المعتقلين السياسيين ولم تشهد هذا التوسع الرهيب في إنشاء السجون والمعتقلات بأحدث أساليب التعذيب في كل ربوع المحروسة.. وتصور الرئيس السابق ان الأمن والبطش هما الاستقرار,وان يد الشرطة قادرة علي تحقيق كل الأشياء بما في ذلك توريث العرش حتي ولو كان ذلك ضد رغبة المؤسسة العسكرية بكل مالها من نفوذ وتاريخ,وفي السنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق بدا واضحا التركيز الشديد علي قوات الأمن بينما تراجع الاهتمام بالجيش,وكان السبب في ذلك ان لعبة التوريث يمكن ان تقوم بها قوات الأمن وتوفر لها النجاح والحماية.. وربما كان ذلك من اسباب تأييد المؤسسة العسكرية لثورة يناير حيث إتفقت إرادة الشعب والجيش علي إجهاض مشروع التوريث. في ظل إحساس بالتعالي والغرور الشديد والانفصال الكامل عن واقع المصريين وحياتهم كان الرجل واسرته في حالة هروب دائم.. وقد أخذ هذا الهروب أشكالا عديدة.. لا أحد يعرف عدد الرحلات الخارجية التي قام بها الرئيس السابق واسرته خاصة إلي دول أوروبا ودول الخليج طوال سنوات حكمه.. ويبدو انها كانت رحلات ترفيهية رغم ان اكاذيب الإعلام كانت تمنحها الكثير من الأهمية.. ثم كان الهروب إلي اماكن بعيدة خاصة شرم الشيخ حيث تحولت إلي منتجع رئاسي بعيد.. ثم كان الهروب الأخطر والأهم في منع أي أخبار أو أحداث سيئة من ان تصل إلي الرجل, وأكبر دليل علي ذلك ان المسئولين في الدولة تركوا1400 مواطن مصري يغرقون في البحر في كارثة العبارة98 لأنهم لا يملكون قرار استخدام قوات الإنقاذ وهي حق للرئيس وحده ولم يستطع أحد إيقاظه من النوم فغرقت العبارة, كان هناك هروب آخر وهو سلطة القرار والمسئولية حين ترك الرجل إدارة شئون الدولة لإبنه وزوجته وتحولت مؤسسات الدولة إلي قطاعات معروفه وكانت كل أجهزة الدولة ترجع إلي الابن في كل مايتعلق بالسياسة الداخلية بكل تفاصيلها, وكان الرجوع للزوجه في كل صغيرة وكبيرة ثم كانت مواكب الاحتفالات والمهرجانات والولائم.. ومع هذا كله كان هناك فريق من المحتالين الذين سايروا كل هذه الأخطاء وظلوا في مواقعهم عشرات السنين يزينون الباطل ويبعدون عن الساحة كل صاحب رأي أو فكر أو بصيرة.. لم يكن للرئيس السابق-كما أكد المحيطون به اهتمامات فكرية أو ثقافية ولهذا ترك هذه المواقع المهمة لمجموعة من الجهلاء الذين تصوروا ان الثقافة ليست أكثر من مناسبات ترفيهية وإحتفالات شكلية وكانت النتيجة عمليات تجريف واسعة للعقل المصري,والدليل مانشاهده الآن من قصور في المواهب واختلال في القيم وتراجع لدور مصر الثقافي.. وقد ساعد علي ذلك نخب مضللة باعت نفسها للشيطان وتحولت إلي ابواق لترويج الباطل وافتعال المعارك وسجن واضطهاد المعارضين من كل الألوان.. وهنا كان العداء التقليدي بين النظام والإخوان المسلمين والتيارات الدينية حيث تم استخدامها كفزاعة فكرية في مصر وفزاعة سياسية امام الغرب.. وكانت النتيجة ان السجون طوال ثلاثين عاما خرجت اجيالا من الدعاة إبتعدوا كثيرا عن سماحة الوسطية في الإسلام وهي اهم ما تميز به العقل المصري طوال تاريخه.. وحين إشتد العداء بين مؤسسات الدولة والتيارات الدينية تحول العمل السياسي إلي خرائب فكرية واضحة في الإنقسام الحاد بين القوي السياسية في مصر وسط هذه الخرائب الاجتماعية والإنسانية وهذا الانفصال الشديد بين الشعب وحكامه تكسرت أشياء كثيرة.. فسدت احوال التعليم في مصر,وتراجع مستوي الخريجين وتحولت الجامعات المصرية بكل تاريخها إلي مؤسسات عاجزة عن اداء دورها ورسالتها. وفسدت احوال الصحة ولم يعد المواطن المصري قادرا علي تحمل تكاليف العلاج والدواء وزادت امراض الفشل الكلوي و الكبدي والأزمات القلبية وتحولت المؤسسات الخاصة في التعليم والصحة والخدمات الأخري إلي أوكار لجمع المال وتجارة الأعضاء وبيع البشر.. علي المستوي الإنساني نحن امام رجل منحته الحياة كل شيء قائدا للطيران المصري في ثلاثينيات عمره..ونائبا لرئيس الجمهورية في الأربعينيات ثم رئيسا لأكبر دولة عربية في الخمسينيات ومنحت ابنيه واسرته كل أساليب الحياة الكريمة ولكنه للأسف الشديد بخل علي شعبه بكل شيء بالعمل..والأمن والاكتفاء والكرامة الإنسانية. وسط هذا الركام أفاق المصريون يوم25 يناير2011 علي فجر جديد تسلل وسط دماء مئات الشهداء الذين خرجوا مطالبين بحقهم في حياة كريمة وعدالة اجتماعية,وقبل هذا حرية للجميع.. وامام مسلسل طويل من الأخطاء والتجاوزات خرج المصريون يحملون آمالا كثيرة في مستقبل افضل.. وخلف قضبان السجون لم يكن الرئيس السابق يفكر فقط في حكم اسقطه تماما من التاريخ بل علي نهاية مؤسفة أهالت التراب علي إنجازات كان من الممكن ان تبقي كصفحات مضيئه.. في تاريخ الرجل. .. ويبقي الشعر لا تنتظر أحدا فلن يأتي أحد.. لم يبق شيء غير صوت الريح والسيف الك سيح.. ووجه ح لم يرتعد.. الف ارس المخ دوع أل ق ي تاجه وسط الرياح وعاد يجري خ ائف ا واليأس بالقل ب الك س ير ق د اس تبد صور ع ل ي الجدران ترصدها العيون وكل ما اق تربت.. ت طل وت بت عد.. ق د عاد يذكر وجهه والعزم في عينيه والأمجاد بين يدي ه والت اريخ في صمت سجد الف ارس المخدوع في ليل الش تاء يدور مذعورا يفت ش عن سند يسري الصقيع عل ي وجوه الن اس ت ن ب ت وحشة في الق ل ب يفزع ك ل شيء في الجسد في لي لة شت وية الأشباح عاد الف ارس المخدوع منك سرا يجر جواده جث ث الل ي الي حول ه غير الن دامة ما حصد ترك الخي ول تف ر من فرسانها كانت خ يولك ذات يوم كالن جوم ب لا عدد أسرفت في البيع الرخيص وج ئت ت رجو من أعادي ك المدد ب اعوك في هذا المزاد فكيف تسمع زيف جلاد وعد؟! الف ارس المخدوع ألق ي رأسه فوق الجدار وكل شيء في جوانحه همد هربت خيولك من صقيع الي أس فالش طآن حاصرها الزبد لا شيء للفرسان يبق ي حين تنك سر الخيول سوي البريق المرت عد وع لي ام تداد الأف ق ت نت حب المآذن والك نائس.. والقباب وصوت مسجون سجد هذي الخيول ت ره لت ومواكب الفرسان ينق صها مع الط هر.. الج ل د.. هذا الزمان تعف نت فيه الرءوس وك ل شيء في ضمائرها فسد إن كان هذا العصر قد قطع الأيادي والرقاب فكيف تأمن سخط بركان خمد.. هذي الخيول العاج زة لن ت ست طيع الركض في قمم الجبال.. وك ل ما في الأف ق أمطار ورعد ماذا سيبقي للجواد إذا ت هاوي غير أن يرتاح في كف ن.. ول حد الفارس المك سور ينظر.. والسماء تطل في غ ضب وبين دموعها.. تخ بو مواثيق وعهد.. خدوعك في هذا المزاد ظننت أن السم ش هد.. قتلوك في الأمس القريب فكيف تسأل قاتليك بأن تموت بحب ل ود.. قد ك نت يوما لا تري للح لم حدا أي حد والآن حاصرك المراب ي في المزاد بألف وغد هذا المرابي.. سوف يخلف كل يوم ألف وعد.. لا تحزني أم المدائن لا ت خ افي سوف يولد من رماد اليوم غ د فغدا ستنبت بين أط لال الحطام ظلال بست ان.. وورد.. وغدا سيخرج من لظي هذا الركام صهيل فرسان.. ومجد.. الفارس المكسور ينتظر الن هاية في ج لد عين ان زائغت ان.. وجه شاحب.. وبريق حلم في مآقيه جمد.. لا تنتظر أحدا فلن يأتيأحد.. فالآن حاصرك الجليد.. إلي الأبد.. من قصيدة لا تنتظر أحد..فلن يأتي أحد سنة1998 [email protected]