فى تصورنا أن الكلمة ذات الدلالة التى وردت فى خطاب الرئيس «عبد الفتاح السيسي» رئيس الجمهورية فى خطابه الموجه للشعب فى الذكرى الثالثة لثورة 30 يونيو هى «نحتفل اليوم بالذكرى الثالثة لثورة الثلاثين من يونيو المجيدة تلك الثورة التى استعاد بها الشعب المصرى هويته وصوب بها مساره ليثبت للعالم أجمع أن إرادته لا يمكن كسرها أو كبحها وأن عزيمته راسخة لتحقيق تطلعاته المشروعة فى حياة أفضل ومستقبل مشرق لأبنائه» وهكذا يمكن القول إن عبارة استرداد هوية الشعب هى جوهر ثورة الثلاثين من يونيو. ويحق لنا أن نتساءل ما الذى تعنيه عبارة استرداد هوية الشعب؟ وللإجابة على هذا السؤال الهام علينا أن نلم إلماما دقيقا بمفردات مشروع جماعة الإخوان المسلمين. وبالرغم من تعدد هذه المفردات والتى تكون كل مفردة منها نظرية فرعية مستقلة إلا أن الرؤية الاستراتيجية للمشروع الإخوانى تتمثل أساسا فى رفض الحداثة الغربية بكل أركانها، وتأسيس نظرية إسلامية بديلة تحل محلها وذلك فى مجالات السياسة والاقتصاد والمعرفة والهوية. ومن المعروف أن الحداثة الغربية تنقسم فى الواقع إلى عدة «حداثات» إن صح التعبير. هناك أولا «الحداثة السياسية» والتى تعنى الانتقال من الشمولية والسلطوية إلى الديمقراطية، وخصوصا بعد أن تحرر الفرد من القيود التى كبلته فى سياق المجتمع الإقطاعى وجعلت أمراء الإقطاع يتحكمون فى حياته، بل ويحددون إقامته فى أمكنة معينة بحيث لا يتاح له التحرك من مكان لمكان آخر إلا بإذن الإقطاعي. بعبارة أخرى تعد «الفردية» أحد دعائم الحداثة الغربية باعتبار الفرد كائنا له حقوق سياسية واقتصادية واجتماعية. وإذا كانت الديمقراطية تمثل العمود الأساسى للحداثة السياسية فإن هناك قاعدة أساسية تمثل جوهر «الحداثة الفكرية» وهى «أن العقل وليس النص الدينى هو محك الحكم على الأشياء». ومن المعروف تاريخيا أن هذه العقلانية التى أصبحت أحد أعمدة الحداثة الغربية كانت رد فعل لمحاولة الكنيسة اعتقال العقل وإغراق المجتمع فى تفسيرات لاهوتية. عقيمة مما أدى إلى شل المجتمع ووقف حركة التطور. وهناك «الحداثة الاجتماعية» والتى تعنى إعطاء الحرية للفرد فى مجال السلوك الاجتماعى فى حدود الدستور والقانون بغير وضع محظورات عليه أو تقييد حركته الاجتماعية. وتبقى «الحداثة المعرفية» والتى تقوم على أساس العلم والتكنولوجيا. إذا كانت هذه هى مقومات الحداثة الغربية الأساسية فإن جماعة الإخوان المسلمين ومن تبعها من جماعات دينية متطرفة رفضتها جملة وتفصيلا بإدعاء أن لديها بدائل إسلامية لكل مفردات الحداثة الغربية. وهذه البدائل الإسلامية تتمثل كما ذكرنا من قبل فى مقالنا عن صراعات الهوية فى العالم العربي فى أربعة بدائل. البديل الأول هو «الشوري» على أساس أن الديمقراطية الغربية بدعة. والبديل الثانى هو المكون المعرفى الذى يطلق عليه «أسلمة المعرفة»، أى الاستيلاء على المعرفة الغربية وصبغها بصبغة إسلامية. والبديل الثالث للاقتصاد الرأسمالى هو الاقتصاد الإسلامى الذى يحظر الربا. والبديل الرابع رؤية فى مجال السلوك الاجتماعى هو ما يمكن أن نطلق عليه «ذهنية التحريم» أو فرض صور معينة من السلوك الاجتماعى وحظر صور أخرى باستخدام القوة والعنف. غير أنه يمكن القول إن أخطر مفردات المشروع الإخوانى هو محو الهوية الوطنية للشعوب ورفض فكرة الوطن والارتباط بفكرة الأممية الإسلامية. وهكذا يمكن القول إن جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية كانت بسبيلها إلى محو معالم الهوية المصرية الوطنية وانتمائها العربى الأصيل لكى تحل محلها هوية إسلامية «متخيلة» ومن هنا الأهمية القصوى لثورة 30 يونيو التى قضت على هذا المشروع التخريبي. وربما كانت هذه مناسبة للحديث عن مكونات الهوية الوطنية المصرية. ويمكن القول إن موضوع مكونات الهوية المصرية سبق له أن شغل عددا من المفكرين المصريين من أبرزهم «محمد العزب موسي» فى كتابه الهام «وحدة تاريخ مصر» والمؤرخ «جمال الشيال» فى مقال هام له نشر فى مجلة «الثقافة القاهرية» فى الأربعينيات وعنوانه «تكوين الشعب المصرى الجديد بعد الفتح الإسلامي». ولو راجعنا كتاب «محمد العزب موسي» «وحدة تاريخ مصر» لوجدناه بعد أن يخصص الجزء الأول من كتابه للحديث عن الاستمرارية والانقطاع فى التاريخ المصري، يخصص الجزء الثانى للحديث عن عروبة مصر. يقرر المؤلف فى تصديره للقسم الثانى من كتابه «إذا كنا قد خلصنا فى القسم الأول من هذا الكتاب إلى وجود اتصال بين مراحل التاريخ المصرى رغم انقطاعه الظاهري، وإلى تقرير وحدة هذا التاريخ من أقدم العصور إلى الآن، فإن القول بذلك، لا يمكن أن يستقيم نهائياً إلا إذا فهمنا تلك الظاهرة العميقة المعقدة فى تاريخ مصر إلا وهى انتقالها بحكم الضرورة التاريخية وطبيعة الأشياء فى حوزة العروبة والإسلام». وهنا نلحظ أيضا الحرص على الربط بين الشخصية المصرية والشخصية العربية. أما «جمال الشيال» فهو يرصد التغيرات الجوهرية التى لحقت بالشعب المصري، نتيجة انصهاره مع القبائل العربية الواحدة، مما حدا به إلى أن يتحدث عن شعب مصرى جديد، لغة ودينا وأشخاصا. ولا يعنى هذا بطبيعة الأحوال أننا نرى أن هذا الانتقال قد تم دفعة واحدة وبغير مقاومة. بل إن التغير قد حدث من خلال عمليات اجتماعية ونفسية بالغة العمق. ويكفى أن نعرف –وفق الدراسات المنشورة- أن اللغة القبطية دافعت ببسالة عن حياتها إزاء اللغة العربية الوافدة خمسة قرون كاملة، إلى أن سادت اللغة العربية، وأصبحت هى لغة المجتمع حديثا وتعاملا وكتابة. ونفس هذه العمليات لابد أن نجدها فيما يتعلق بإعادة صياغة نسق القيم الرئيسى فى المجتمع، الذى أصبح بعد ذلك ترتد ذاكرته إلى عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، ويتكون ماضيه الثقافى من ماضى الشعب العربى نفسه. فى ضوء ذلك، يمكن القول إن دراسة التاريخ الحديث لمصر مستحيلة فى عزلة عن التاريخ القومى العام.