لم يعد التضارب فى الفتوى وقفا على أحكام المعاملات ومسائل الأحوال الشخصية، بل إنه تعدى ذلك إلى تشكيك المسلمين فى أمور عبادتهم وشئون حياتهم والتى كان آخرها إدعاء بعض من يتصدرون للفتوى من غير أهل الاختصاص أن موعد أذان الفجر المعمول به فى مصر منذ مئات السنين غير صحيح. وعلى الرغم من صدور فتاوى سابقة فى عهد الإمام الراحل جاد الحق على جاد الحق، شيخ الأزهر الأسبق، تؤكد صحة التقويم المصرى والتقاويم المعمول بها فى العالم الإسلامى فى صلاة الفجر. إلا أن الجدل أثير مؤخرا حول صحة موعد آذان الفجر مستندين فى ذلك الى دراسة لأحد علماء الفلك البريطانيين. وهو ما دفع دار الإفتاء المصرية إلى تشكيل لجنة علمية بالتعاون مع هيئة المساحة والمعهد القومى للعلوم الفلكية والجيوفيزيقية، أثبتت صحة توقيت أذان الفجر فى مصر. وأكد الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، أن توقيت أذان الفجر المعمول به فى مصر وسائر بلدان العالم الإسلامى هو التوقيت الصحيح شرعيًّا وفلكيًّا. واستنكر تلك الشائعات التى نشرها البعض للتشكيك فى توقيت أذان الفجر، والادعاء بأنه متقدم على وقته الحقيقي، وأنه مبنى على تقويم وضعه عالم غير مسلم، ومن ثم التشكيك فى صلاة المسلمين وصيامهم عبر القرون المتطاولة. وحسم مفتى الجمهورية الجدل الدائر فى هذا الأمر بقوله إن دعوى بدء الفجر من درجة 15 أو نحوها هى دعوى باطلة مخالفة لِمَا تقتضيه الأحاديث النبوية، من أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلى سُنة الفجر، ثم يغفو إغفاءة يسيرة، ثم يقوم إلى صلاة الفجر ويطيل القراءة فيها، ومع ذلك فإن النساء كن يخرجن بعد الصلاة لا يُعرَفْنَ من الغلس؛ وهو: ظلمة آخر الليل، ولا يكاد الرجل يعرف صاحبه، أي: بسبب الظلمة، وهذا كله لا يتفق بحالٍ مع هذه الدرجة المدَّعاة، وإنما يتصوَّر مع ما عليه العمل فى مصر وسائر البلاد الإسلامية من أن وقت الفجر بين (18-19.5). وأضاف: إن هذه الدعوى تخالف الآثار عن الخلفاء الراشدين والصحابة والسلف الصالح، من أنهم كانوا يقرءون بالسور الطوال والآيات الكثيرة، ولا تطلع عليهم الشمس، فقد كان أبو بكر الصديق رضى الله عنه ربما قرأ فى الفجر بسورة البقرة، وكان عمر الفاروق رضى الله عنه يكثر من قراءة سورتى يوسف والحج، وربما قرأ بسورة آل عمران، وكان عليٌّ كرم الله وجهه ربما قرأ بسورة الأنبياء، وقرأ سعيد بن جبير بسورة الإسراء. وشدد المفتى على أن الادعاء بأن توقيت أذان الفجر فى مصر خاطئ هو أمر مخالف تمامًا لِمَا نص عليه علماء الفلك وجرى عليه عمل أهل الهيئة المسلمين قديمًا وحديثًا؛ فإن المتقرر عندهم أن وقت الفجر دائر بين درجة (18 و19.5). وأكد المفتى أن ما تتضمنه هذه الشائعات المضللة من اعتماد أهل مصر على أحد الفلكيين غير المسلمين فى جعل درجة 19 ميقاتًا لأذان الفجر هو كلام مجانب للصواب، فإن اعتماد هذه الدرجة علامة على طلوع الفجر الصادق هو عمل أهل مصر منذ سالف الأزمان؛ كما نص عليه رئيس المؤذنين بالجامع الأموى بدمشق العلامة الفلكى علاء الدين أبو الحسن بن الشاطر، فى كتابه «النفع العام فى العمل بالربع التام»، ومؤقت الجامع الأزهر بالديار المصرية العلامة الفلكى سبط المارديني؛ فى كتابه «الدر المنثور فى العمل بربع الدستور».. وهؤلاء كانوا هم الموقتين لصلوات المسلمين عبر القرون فى شتى أصقاع الأرض، وعنهم أخذ الغرب كثيرًا من مبادئ علم الفلك. وأوضح المفتى أنه إذا أضيف إلى ذلك إقرارُ هذه الدرجة من علماء مصر طيلة هذه العقود- حيث كان علم الهيئة من العلوم المقررة فى الأزهر الشريف، ولم ينكر ذلك أحد من أهل العلم والفتوى فى مصر على مدى قرن من الزمان، مع توقف صلاتهم وصيامهم على صحة ذلك، وهم أئمة الأمة وسادة أهل العلم فيها- كان ذلك إجماعًا واضحًا من علماء مصر وفلكييها وأهل الهيئة فيها على صحة هذا التوقيت لأذان الفجر. وأشار المفتى إلى أنه بتأييد صحة العمل بهذه الدرجة (18-19.5) صدر بيان «مركز الفلك الدولي» بتاريخ 18 رمضان 1436ه، الموافق 5 يوليو 2015م، مؤكدًا اتفاق المتخصصين على أنه لا صحة للقول بأن موعد الفجر المبين فى التقاويم متقدم عن الوقت الحقيقى لطلوع الفجر الصادق، ومبينًا أن كل بلدان العالم الإسلامى قاطبة تجعل صلاة الفجر ما بين (18-19.5)، وأن ما يثار عن أن بعض الجمعيات الفلكية تعتمد الزاوية 15 غير صحيح على الإطلاق. إجماع فقهى وفى سياق متصل يقول الشيخ محمد زكى أمين الدعوة بمجمع البحوث الإسلامية، إن الأزهر سبق أن حسم هذا الأمر فى فتوى رسمية جاء فيها أن الأسلوب المتبع فى حساب مواقيت الصلاة فى جمهورية مصر العربية يتفق من الناحية الشرعية والفلكية مع رأى قدامى علماء الفلك المسلمين، حسبما انتهى إليه رأى المختصين بعلوم الفلك، كما أن المواقيت الحسابية للصلاة والصوم مع مراعاة فروق التوقيت من مكان إلى مكان فى مصر صحيحة، وموافقة للمواقيت الشرعية التى نزل بها جبريل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالعلامات الطبيعية الواردة فى الأحاديث الشريفة، وعلى الذين يقولون فى الدين بغير علم أن يتقوا اللّه حتى لا يضلوا الناس فى دينهم. ولا داعى طرح مثل هذه القضايا فى التوقيت العصيب التى تمر به البلاد، ونحن الآن فى أمس الحاجة لتحقيق وحدة الصف والتحقيق التنمية والأمن والمصالح العليا للوطن، ودعنا من الأمور التى فرغ الفقهاء المختصون منها وألا يدلى فى هذا الأمر من ليس له صلة بالفقه أو العلم، (وأسالوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون).