معضلة تواجه الحركة الإسلامية منذ نشأتها ؛ فهى غير قادرة على خلق صيغة منهجية تجعل حضورها طبيعياً ومقبولاً بمجتمعاتها ، وتدفعها للإسهام فى المحافظة على تماسك كيان الدولة وفى مساعدة الأنظمة فى مواجهة الأخطار الخارجية . بعد تطاول أحد قادة الحركة على جراح القلب العالمى د. مجدى يعقوب قارن الجميع بين الاثنين فأحدهما يقتل والآخر يسهم فى الإحياء ، لكن الواقعة تحتم النظر إلى الإطار العام على خلفية الهدف الفعلى لتصرف عاصم عبد الماجد الذى وظف الدكتور يعقوب للطعن فى الأقباط محاولاً التطهر على حساب حالة يزعم هو أنها معادية للإسلام ومخربة للهوية! بالعودة إلى أجواء الشهور الأولى من ثورة يناير مع بوادر صعود الإسلاميين حيث نشطت فضائيات وصحف واسعة الانتشار فى أوربا وإسرائيل لتثير المخاوف حول وضع الأقباط ومستقبلهم ، بل خصص مجلس اللوردات البريطانى جلساته لمناقشة حقوق الأقباط وما أسماه الممارسات القمعية ضدهم! وتم عقد جلسات استماع بالكونجرس تتناول بالساعات الطوال أوضاع المسيحيين بمصر ، بل إن وزيرة الخارجية السابقة هيلارى كلينتون هددت بالتدخل لحمايتهم والدفاع عن كنائسهم ، وهى أجواء تشبه التى سبقت التهام العراق وتقسيمه ، وتلك التى واكبت إرهاصات كوارث السودان وانفصال جنوبه عن شماله . ليبقى الموقف العام للكنيسة طوال الوقت رغم كل شىء فى صف الدولة ومنحازاً للخيارات الوطنية ولم نشهد هجرة جماعية ولا تحالفاً مضاداً مع الغرب مستنداً على حرائق الكنائس والاعتداءات ، وبشأن أحداث ماسبيرو فكانت لحرف «ارفع رأسك فوق انت مصرى» إلى «ارفع رأسك فوق انت مسلم» ولم تستمر أكثر من يوم فى الشارع، وبشأن مواقف بعض أقباط المهجر فغير معبرة عن عموم أقباط الخارج الرافضين للتدخل الأجنبى، إنما كانت الاستجابة من الإسلاميين الذين باتوا ضيوفاً دائمين على الكونجرس ومجلس العموم البريطانى وقد أثبتوا بممارساتهم وخطابهم غير المنضبط وتصرفاتهم الهوجاء باستهداف الكنائس وحصارها وعدم تطوير الأداء السياسى والإعلامى وهوسهم المرضى بالانفراد بالسلطة، إنهم روح المشروع التقسيمى وأمله ، ولتفصح الوقائع والتطورات عن طبيعة العلاقة بين الدولة والكنيسة وفق إستراتيجية موجهة للقوى المعادية لمصر لإجهاض مخططات التقسيم فضلاً عن ارتباطها بتكوين الشخصية المصرية. الرئيس السادات فى إحدى خطبه أكد أن «البابا كيرلس السادس» حينما زار إحدى البلاد الإفريقية ذات الثقل عرضوا عليه المساعدة فى إقامة دولة قبطية مستقلة فى مصر عاصمتها أسيوط وتحظى فور إعلانها باعتراف جميع دول العالم، ورفض البابا وعاد إلى مصر ليضع يده فى يد الرئيس عبدالناصر للوقوف صفاً واحداً مسلمين وأقباطاً أمام المؤامرة الصهيونية التى تستهدف ضرب الوحدة الوطنية وتمزيق أوصال البلاد ، وهذا المشروع تضمنته وثيقة عرضها الصحفى والدبلوماسى الهندى ك. ر. كارانجيا على الرئيس عبدالناصر، ويهدف لتقسيم مصر إلى دولتين إسلامية وقبطية وكانت بداية ظهور إرهاصات تقسيم البلاد العربية تقسيماً جديداً بعد تقسيمات سايكس بيكو إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية إلى دويلات طائفية وعرقية، تمهيداً لإقامة إسرائيل الكبرى من النهر إلى النهر ، فى مقابل استمرار الإسلاميين على نهج المفاصلة مع الدولة والسعى فى تعكير صفو العلاقة مع الأقباط . جميع الحكام الذين ناصبتهم الحركة الإسلامية العداء وحشدت فى سبيل إزاحتهم للانفراد بالسلطة أفكاراً تكفيرية وتصورات إطلاقية بعيدة عن الواقع ، لديهم ما يمكن الالتقاء معهم عليه ؛ بداية من انتشال مصر من مستنقع التبعية للأجنبى والفقر والإقطاع والديون والطبقية وغياب العدل الاجتماعى ومباشرة المشاريع الكبرى وتحسين المعيشة ، وانتهاء بالحفاظ على النسيج الوطنى والإسهام فى إيقاظ الوعى وحركة التجديد ونشر المعارف والدعوة الإسلامية الوسطية ، وصولاً للتوحد أمام مؤامرات الأعداء التى بلغت الذروة من التوحش والخطورة عقب ثورات ما سمى بالربيع العربى ، لكن القضية أن التيار الإسلامى لا يريد أن يكون شريكاً فى مشروع وطنى جامع إنما مشروعه هو وحده لذا كان التعاون مع الغرب والمفاصلة مع الدولة والأنظمة بمنهجية لخصها سيد قطب عندما نصح المرشد عام 54 م بالتخلص من حركة الجيش «نقضى عليها قبل أن تقضى علينا»وهو ما ترسخ فى وجدانهم قبل ذلك. وفق هربرت ويلز فإن نظام الكون الاجتماعى يعاقب المغفلين كما يعاقب المجرمين، وقد حظى الإسلاميون بمكاسب غير مسبوقة بعد الثورة وصار لهم أحزاب وفضائيات وصحف وتأثير وكلمة مسموعة رغم ماضيهم فى الاغتيالات والفتن والارتباطات الخارجية فكيف لم ينتهزوا الفرصة التاريخية ويبدأوا صفحة جديدة مع الوطن والفرقاء بتدرج ومسئولية ووطنية ؟ ألم يفطنوا بعد إلى أن خطة نجاح تيارات وفئات المجتمع المصرى ومنهم الأقباط هى التزام الخط الوطنى ، وأن شرط الثقة والشراكة الذى يسرى على الجميع هو ما ذكره الرئيس عبدالناصر «إذا كان فيه ماركسيين ما بياخدوش أوامر من دولة أجنبية ، مش ممكن حناخذ ضدهم إجراءات ، بنسيبهم بيبقوا لا يمثلوا هنا عنصر الخيانة». الفارق يكمن فى الحالة الحاضنة؛ فعبد الماجد مهندس لم يمارس يوماً الهندسة ولم يبدع فى البناء والعمران إنما فى الهدم وهذا يعود لأن حاضنته قابلة للاستثمار الإمبريالى لما بها من شبق الانفصالية والانفراد لذا تجده دائم التحريض والشحن الطائفى مقيماً فى أحد أفرع المشروع الغربى الإقليمية المعتمدة ، متحيناً فرص الانقضاض مؤملاً ألا يترك البلاد إلا وهى تتلوى على وقع الأناشيد المذهبية وفتوحات الميليشيات، والبروفيسور مجدى يعقوب حاضنته حسمت هذا الملف منذ البداية لصالح الخيارات والانحيازات الوطنية لذا فهو شريك وطنى بامتياز يرى العالم فيه الوجه المشرق للإنسان الحضارى المصرى، وفى مصر يخوض مع المصريين معركة الإحياء والعمران والتنمية لتظل عصية على الاختراق والسقوط والتمزق ويظل قلب وحدتها دائم النبض والخفقان. لمزيد من مقالات هشام النجار