رمضان كريم، جاء رمضان وجاء معه طوفان الاعلانات التى تتخلل المسلسلات التى انهمرت على رءوس العباد، واذا كانت الاعلانات مصدرا اساسيا لتمويل القنوات الفضائية ،فهذا لايعنى ترجيح كفتها من وجهة نظر المعلن والقنوات المعلن فيها،على وجه الاطلاق، فكل شىء يزيد عن حده ينقلب الى ضده ،من حيث شعور المشاهد بالضجر وعدم القدرة على المتابعة لطول فترات الاعلانات ،والتى تجعل حلقة المسلسل المحدد لها 30 او 45 دقيقة،تمتد الى ما يقرب من ساعتين. ويتحول المشاهد الى رهينة متخليا عن اى نشاط حركى او ذهنى،فقد وقع فريسة المسلسل وتوابعه المتلاحقة من الاعلانات، عقابا له على متابعة عمل درامى يستحق المشاهدة. والواقع ان قضية الإعلانات المنهمرة،تتجاوز ما سبق الاشارة اليه،حيث تمتد لتدخل فى دائرة اكثر حرجا ألا وهى المسئولية الاجتماعية للشركات،لا خلاف على ضرورة وجود سياسة ترويجية وتسويقية للشركات ووجود مخصصات مالية لهذا الغرض بالملايين او الالاف, بغية زيادة المبيعات ومن ثم الايرادات وتحسين الاداء المالى والارباح. كل هذا عظيم ومطلوب لدفع عجلة الاستثمار والاقتصاد، ولكن نطرح فى هذا المجال نقطتين : اولا: لماذا لاتتحول هذه الملايين ومئات الآلاف من الجنيهات، الى المساهمة فى تنفيذ مشروعات بنية اساسية او اسكان وخدمات،ان لم يكن على صعيد الدولة والمناطق العشوائية، يكون فى نطاق البيئة المحيطة بمصانع او مواقع هذه الشركات....؟! كم فردا واسرة، بستفيدون من استخدام هذه الاموال فى مجال المسئولية الاجتماعية للشركات ،رحم الله طلعت باشا حرب وما قدمه من نموذج متكامل فى المحلة الكبرى. الدولة تلهث من اجل الوفاء بالتزاماتها تجاه محدودى الدخل والفقراء ولا تنجو من الانتقادات والمقترحات البديلة النظرية من جانب مستخدمى ادوات التواصل الاجتماعى،ولا حياة لمن تنادى بالنسبة للشركات التى تنفق الملايين واستخدام نجوم كبار من اجل الاعلان عن منتجاتها لمدة دقائق . لن نستشهد فى هذا الصدد بما تفعله شركات عالمية او رجال اعمال على المستوى الدولى من اجل تخفيف المعاناة عن الفقراء فى افريقيا او تحسين ظروف البيئة فى هذه القارة او تلك.ولكن-على الاقل «المساهمة فى تخفيف حدة الوضع على الصعيد القومى ،او المحلى او فى حدود البيئة المحيطة, اذا كان كوب المياه النظيفة وضرورة توافره فى افريقيا،قضية تلقى اهتماما من بيل جيتس،هل يمكن ان يكون لمواطنى القرى والنجوع ،وقاطنى اطراف المدينة وعشوائياتها، نصيب من مخصصات الاعلانات التى تنفق بالملايين على اجور العاملين فيها والقنوات الفضائية التى تعرض عليها؟!. ثانيا : هناك جانب اقتصادى يغيب عن السادة المعلنين،وهو ان الاضطلاع بجزء من المسئولية الاجتماعية ،سوف يؤدى الى تحسين الاوضاع الاقتصادية لشريحة اضافية من المواطنين،وبالتالى يخلق طلبا جديدا من ناحية ويضفى على الشركة التى تضطلع بهذ المسئولية ،قدرا اكبر من التقدير والاحترام،ان السمعة الطيبة والاحترام الذى صاحب اسم سيد جلال فى حى باب الشعرية،لا يمكن ان تمحى من الذاكرة وكذلك مجموعة الطرابيشى ،فى فترة الاربعينيات من القرن الماضى . ويرتبط بهذا الجانب الاقتصادى،التساؤل عن عبء التكلفة المالية لهذه الاعلانات؟ من يتحملها فى النهاية ؟! اليس المستهلك فى صورة اسعار يتوالى ارتفاعها . واذا فتح باب المناقشات حولها،وجدنا السادة المسئولين فى هذه الشركة وتلك ،يتحدثون عن تكلفة العمالة واعبائها ،وعن ازمة الدولار وانعكاساتها،ومشاكل الضرائب وهمومها ناسين متناسين ،تكلفة الاعلانات واجور النجوم وافساد الذوق العام .نحن نعيش فى مجتمع تتعدد اطيافه ومستوياته تلتقى فى النهاية داخل حدود دولة، وليس فى جزر منعزلة يعيش البعض فى المنتجعات والبعض الآخر تحاصره المياه الجوفية والمستنقعات. لمزيد من مقالات نزيرة الأفندي