عندما اقتربت السيارة من جبل الزيتون أعلي جبال القدس وأقدسها علي الإطلاق لم أصدق عيني فالصورة تغيرت تماما عما رايتها للمرة الأخيرة منذ6 سنوات تقريبا وبات الجبل الذي يكشف كل شبر في مدينة القدس التاريخية مكسوا بحجارة بيضاء لم اعهدها من قبل, وفي البداية كنت اتخيل ان هناك عملية تكسية لهذا الجبل لحمايته من عوامل التعرية, ولكن سرعان مااكتشفت ان تلك الحجارة ليست إلا شواهد قبور للآلاف من الموتي اليهود الذي جري دفنهم مؤخرا بالمكان. وعندما نظرت بإندهاش إلي مرافقي الفلسطيني الذي يحمل الهوية المقدسية والذي تولي مسئولية إدخالي المدينة المقدسة في سيارته الشخصية التي تحمل أرقاما إسرائيلية قال لي قبل أن انطق بكلمة: لاتندهش فهذه أحدث صور الإستيطان اليهودي لأراضينا المحتلة فلم يكتف المحتلون بزرع المستوطنين الأحياء في قرانا ومدننا لكن أذهانهم الشيطانية هدتهم لفكرة إستيطان هذا الجبل المقدس جبل الزيتون لكثرة أشجار الزيتون المزروعة فيه والذي يعرف أيضا باسم جبل الطور بالموتي حيث نشطت مؤخرا حركة دفن الموتي اليهود في كافة انحاء الجبل. مكان صعود المسيح للسماء وبامكان من يقف فوق جبل الزيتون الذي يصل إرتفاعه إلي726 مترا عن سطح البحر أن يري بالعين المجردة كل الريف الفلسطيني حتي بحر سدوم( البحر الميت) وكذلك نهر الأردن ومابعده وعلي الجانب الشرقي من الجبل وعلي تلة صغيرة, كان هناك حجر مستدير يزيد ارتفاعه قليلا علي الركبة, ومن علي هذا الحجر صعد المسيح عليه السلام إلي السماء كما يقول تلامذته ولذلك توجد به كنيسة الصعود والتي يتقاسم السيطرة عليها رجال الدين من جميع الطوائف المسيحية تقريبا كما أن المسيح كان يستخدم جبل الزيتون كمكان يعلم فيه تلامذته الأسرار المقدسة. ورغم ان الكلام عن معالم جبل الزيتون شدني إلا ان صورة شواهد القبور اليهودية سرعان ما أفاقتني علي الواقع الأليم للمدينة المقدسة, فبادرت المرشد المقدسي بالسؤال عن سر إصرار المستوطنين اليهود علي دفن موتاهم في المكان, وكان الرد مفزعا بالنسبة لي: جاء في سفر زكريا من الكتاب المقدس, ان جبل الزيتون هو المكان الذي سوف يبدأ الله منه بإقامة الموتي في نهاية الأيام, ولذلك, فإن اليهود يسعون لأن يتم دفنهم هناك في أعالي الجبل, ومن أيام التوراه إلي يومنا هذا أستخدم الجبل كمقبرة للعديد من اليهود حتي انهم يقولون ان هناك قرابة150 الف مقبرة يهودية علي الجبل, من ضمنها مقابر أشخاص معروفين واحدي هذه المقابر هي مقبرة زكريا صاحب النبوءة, والعديد من رجال الدين اليهود وهذا شيء لايمكن التأكد منه لاننا في مرات كثيرة اكتشفنا ان شواهد القبور موجودة علي مقابر خالية. نبوءة زكريا وبعد انصراف المرشد السياحي مع وصول وفد من الحجاج البهرة الهنود الذين يملأون القدس سألت صديقي المقدسي وسيم عن سبب ترك اليهود ينفذون نبوءة زكريا ويدفنون موتاهم في جبل الزيتون رغم أن كافة انحاء الجبل أرض أوقاف إسلامية خالصة ماعدا الأراضي المقام عليها الكنائس التاريخية بالمكان, فكان رده بسيطا وصاعقا في آن واحد: إنها سماحة الإسلام وذكر أن سلطات الأوقاف العثمانية سمحت لليهود بتأجير مساحات من الأراضي لإستخدامها كمقابر ومنذ ذلك الحين والدفن مستمر ولكن وتيرته زادت بقوة في السنوات الأخيرة. واضاف وسيم قائلا: كان الأمر ورغم غرابته مقبولا لنا لأن جبل الزيتون من المناطق المحتلة عام1967 ويخضع معظمه لسلطة الأوقاف الأردنية حيث تشرف علي أراضيه إداريا, ولكننا فوجئنا مؤخرا بأن العديد من أعضاء الكنيست الإسرائيلي من الأحزاب الدينية يحاولون إستصدار قرار بضم جبل الزيتون للدولة العبرية نهائيا بإعتباره يضم أكبر واقدم مقبرة لليهود في العالم وهنا أدركنا أن اليهود إستغلوا سماحة الإسلام لتهويد المكان مما أدي إلي زيادة حدة التوتر بين العرب واليهود هنا خاصة ان أحياء وادي الجوز وبلدة سلوان والعيسوية والعيزرية تقع في جبل الزيتون وهي من معاقل مقاومة الإستيطان الصهيوني والتصدي للإعتداءات علي الحرم القدسي. وتحركنا قليلا بالسيارة لنصل بعد دقائق معدودة إلي عدة أماكن متجاورة تؤكد عروبة جبل الزيتون, وكان اول تلك المعالم مسجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه والذي أقيم في المكان الذي صلي فيه الفاروق عمر يوم حضوره للقدس عقب فتحها وفي شرقي بلدة الطور التابعة لجبل الزيتون رأينا مقام الصحابي الجليل سلمان الفارسي, وكان هذا المقام في بادئ أمره عبارة عن مغارة تحت الأرض. وفي سنة1910 بني المقام الحالي, ثم في عام1926 أقيم المسجد ليضم المقام وليصبح أهم المزارات الإسلامية بالبلدة. مقام رابعة العدوية والطريف أن اليهود لم يحاولوا فقط تهويد جبل الزيتون بالمقابر الوهمية لأشخاص لايعرفهم أحد, وإنما ايضا بسرقة التاريخ ففي شرق بلدة الطور( جبل الزيتون) يوجد مقام رابعة العدوية المعروفة أيضا باسم أم الخير( توفيت سنة135 هجرية, كما في شذور العقود لابن الجوري, وقال غيره سنة185 هجرية) ورغم أن كتب التراث الإسلامي والمؤرخين وصفوا المكان بدقة منذ أكثر من الف عام كما يقول الشيخ عابد أحد المترددين القليلين علي المقام إلا انه والمثير في ضريح رابعة العدوية المجاور لوادي جهنم أن اليهود يدعون أن من ترقد فيه هي النبية خلدا, وهي إحدي نساء العهد القديم. حقيقة المقابر اليهودية وبمجرد مغادرتي القدس العربية السليبة عائدا إلي رام الله ومنها إلي القاهرة أتصلت بدائرة الخرائط في السلطة الوطنية الفلسطينية لمعرفة حقيقة غزو الموتي اليهود لجبل الزيتون, فكانت الإجابة قاطعة وهي أن مشروع زراعة القبور اليهودية الوهمية هو في الحقيقة مشروع نابع من قرارات للحكومة الاسرائيلية ويتابع تنفيذه مكتب رئيس الحكومة الاسرائيلية ضمن مشروع شامل لتعزيز تهويد القدس, وقد شكلت لجنة وزارية خاصة في عام2004 تحت مسمي لجنة إنقاذ مقبرة جبل الزيتون, ومن أبرز هذه القرارات قرار الحكومة التي اتخذت بهذا الصدد القرار رقم4090 الصادر يوم2005/8/9 بعنوان تقوية مدينة القدس: وحجم الميزانية التي رصدت لمشاريع عدة لتعزيز تهويد القدس وبالأخص تهويد محيط الاقصي بمبلغ اجماله480 مليون شيكل تصرف بين عام2006 و2013, ومن بين أبرز المشاريع ترميم مقبرة الزيتون, واقامة مركز معلومات للمقبرة, وتعزيز الأمن( ترجم بتركيب عشرات كاميرات التصوير والمراقبة), وفي ملف خاص لمكتب رئيس الحكومة الاسرائيلية حول برنامج عمل مكتبه الخاص في القدس لعام2011 م لتطوير القدس كمركز قومي يهودي وضعت7 مهمات واهداف رئيسية للعام منها ترميم مقبرة جبل الزيتون حيث تم احصاء ترميم واستصلاح7100 قبر يهودي في مقبرة جبل الزيتون. وحسب بيانات دائرة الخرائط بالسلطة الفلسطينية فأن الباحثين اليهود المنصفين كشفوا حقيقة مزاعم المستوطنين عندما أكدوا أنه لايوجد دليل تاريخي أو اثري علي صحة الإدعاء بأن الدفن في المقابراليهودية الثلاث بجبل الزيتون يعود الي نحو ثلاثة آلاف سنة, بل يرجحون ان تاريخ القبور او الدفن يعود إلي فترة500 سنة, وان اليهود كانوا يدفعون بدلا ماليا في زمن الدولة العثمانية من اجل دفن موتاهم.